صبرك يا بوراشد عزاؤنا في المصاب الجلل

  • 9/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الموت حق، ولا اعتراض على إرادة الله سبحانه وتعالى، ومصابنا بفقيد الأمة، الشيخ الشاب راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم، تغمده الله بواسع رحمته، مصاب جلل، فهو الحبيب ابن الحبيب، شقيق الحبيب، جمع الله له، رحمه الله، من طيب الخصال، ما أدخل محبته في قلوب الناس، ومن طيب المنبت ما جعلنا جميعاً نشعر بحجم الفاجعة والألم على رحيله، حتى لكأننا أصبحنا جميعاً أهل الفقيد وأقرباءه، وليس آل مكتوم الكرام وحدهم. ولعل الله سبحانه وتعالى، في الوقت الذي امتحن فيه هذه الأسرة الكريمة وأهل دبي وشعب الإمارات بهذا المصاب الجلل، إنما أراد أيضاً أن يُعلمنا وأن يواسينا، وأن يذكرنا ببعض من خصائص هذه الدولة الحبيبة وقادتها الميامين، وشعبها الإنسان. فمن شاهد كيف تصرفت الدولة بمجملها من أعلى المواقع القيادية إلى المواطن العادي، يدرك، أولاً، حجم المصاب بالفقيد الشاب، وثانياً، حجم التآلف والتراحم والتآخي في هذه الدولة، التي يتصرف فيها الكل وكأن الفقيد من أهله هو، تماماً كما هو لأهل الفقيد. وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يقف كالطود الشامخ العزيز الأشم، محتسباً وصابراً، يُعلِّم الناس معنى الإيمان بقضاء الله وقدره، دون تخلٍ عن مشاعر الأبوة الصادقة، ولا عن ألم الفؤاد الجريح. يُعلِّم الناس الصبر في محنته، وهو الذي كان من أيام، لم يترك بيتاً من بيوت عزاء شهداء الإمارات، إلا وكان فيه الأب الحاني والأخ المُواسي والبلسم الشافي، واسى الإمارات كلها، كأن كل شهيد كان واحداً من أبنائه، وها هو اليوم، رعاه الله وحفظه وأمد في عمره، تجتمع عليه الدنيا كلها مواسية ومعزية في فقيده الشيخ الشاب، فإذا به هو من يواسي الناس ويخفف من آلامهم، لأنه منذ اليوم الأول، نذر فلذات كبده جميعاً، المرحوم بإذن الله الشيخ راشد، والشيوخ حمدان وإخوانه، أطال الله بقاءهم، نذرهم لبلدهم ودولتهم وشعبهم وأمتهم والإنسانية جمعاء. لله درك، كم كنت كبيراً يا سيدي بو راشد في ألمك وفي حزنك، وأيضاً في رعايتك لشعبك، حتى وأنت في مصابك الجلل، ولكن هذه سنة العظماء التي لا يقدر عليها إلا كبير النفس، الذي يدرك حجم المسؤولية، ومعنى القيادة بالقدوة، ومعنى أن تكون أباً لشعب، قبل أن تكون أباً لأسرة صغيرة. ويأبى الله تعالى، إلا أن يظهر لنا المزيد من أصالة معدنك ونقاء جوهرك يا صاحب السمو، وأنت تحرص على انتظام العمل في دوائر حكومة دبي، رغم المصاب الجلل، ورغم الحداد الرسمي، حتى لا تتعطل مصالح الناس، والناس كلهم يبكون مصابك معك. أي عظمة نفسٍ هذه، التي تجعل الحاكم حتى في حزنه وألمه الشخصي، حريصاً ألا تتعطل مصالح الناس أو تتأثر، وينشغل بالشأن العام حتى في عزاء فلذة كبده. لكن من يعرفون صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لا يفاجئهم ذلك، لأن من اعتاد رعاية الناس، وبذل أقصى المستطاع لراحتهم لا يواسيه سوى المزيد من البذل والعطاء. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام ونحن ندرك أن مصاباً بحجم رحيل الشيخ راشد بن محمد، هو مصابٌ أجلُّ من أن يوصف في كلمات، فالفقيد الشاب، تغمده الله بفيض عطائه وواسع رحماته، كان صنو أبيه وأجداده في عمل الخير والصيت الحسن، سواء في بطولاته الرياضية التي رفع فيها اسم الإمارات عالياً، أو في الأعمال التي لم تكن تعلم بها يده اليسرى من أعمال الخير المكتومة المكتومية، والتي تهامس بها الناس، حتى أصبحت مآثره في عمل الخير رديفاً لاسمه، رحمه الله. ولكننا ندرك أيضاً أن الرجال الرجال، وخاصة من تكن نفس كبيرة وعظيمة وعالية الهمة والشأن، مثل نفس سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله وجبر خاطره، مهما اشتدت المصائب، فإنهم، وبما منحهم الله تعالى من قدرة على القيادة الإيجابية، يحولون المصائب، شخصيّها وعامّها، إلى فرصٍ لتوحيد الأمة، وتأكيد تلاحمها وآلفها، والسير بها إلى مزيد من التعاضد والقوة. فصاحب السمو، الذي كان قبل أيام فقط يجول الإمارات من أقصاها إلى أقصاها، حاملاً في قلبه وفؤاده آلام كل أسرة من أسر الشهداء ومعاناتهم، يجمعهم كلهم على قلب رجل واحد، اسمه شعب الإمارات، ها هو اليوم تهرع إليه الإمارات كلها لتحمل معه جثمان ابنه فلذة كبده، يمدون إليه يدهم الواحدة المتوحدة، تتوحد مع يده في وداع الحبيب راشد، الذي لم يكن حبيباً لأبيه فحسب، بل حبيباً للإمارات، كل الإمارات. وها هو البيت المتوحد يتوحد مع محمد بن راشد، في وداع الفقيد الشاب، راشد بن محمد، لأن الألم دخل كل بيت إماراتي، بنفس القدر الذي دخل بيت آل مكتوم، لأننا لم نشعر يوماً أنهم مختلفون عنا، بل كنا دائماً نجدهم أمامنا في كل اختبار وفي كل تجربة. وبعد، فعنك يا صاحب السمو، كتب شاعرنا د. مانع العتيبة يقول: بو راشدٍ هذا المُصابُ مزلزلٌ للقلب لكنّ القلوب شواهدُ ما كنت في الشدات إلا فارساً ما غيّرت فيك الثباتَ شَدائدُ وعنك نقول لأنفسنا: بمثل هذا الشيخ-القائد تُحفظ الأوطان، وتصان الأنفس، ويُستقوى على الشدائد. عظم الله أجرك يا بو راشد، وأحسن عزاء الوطن بك، ورحم فقيدك وفقيدنا الشاب، الشيخ راشد بن محمد آل مكتوم، وأدخله فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مشاركة :