حقّق الفنان عبدالمنعم مدبولي حضوراً لافتاً في فترة الستينيات، وتألّق كمخرج وممثل مع فرق مسرحية عِدّة، واتجه إلى تأسيس فرقته الخاصة تحت اسم «المدبوليزم»، وقدّم الكثير من المسرحيات الناجحة، منها «مطرب العواطف» و«مولود في الوقت الضائع»، وعُرضت في العديد من العواصم العربية، وطار بها إلى ألمانيا والنمسا، وتتابعت رحلة «ساحر الارتجال»... مرّ مدبولي بمراحل مختلفة في مشواره الفني، وخلال السنوات العشر الأولى من عمله في السينما، لم يقدّم سوى 25 فيلماً فقط، بواقع فيلمين تقريباً كل عام، بسبب انشغاله في ذلك الوقت بالمسرح الذي كان يعتبره «بيته الأول»، وكانت أبرز تلك الأفلام مع الثنائي فؤاد المهندس وشويكار، وتميّزت بطابعها الكوميدي المتنوِّع في الفكرة والمضمون، وحققت نجاحاً كبيرا في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ولعب الفنان البارز دوراً مؤثراً في نجومية «شويكار والمهندس» على شاشة السينما، وشارك معهما في عشرات الأفلام، منها «اقتلني من فضلك» (1965)، و«غرام في أغسطس» (1966)، و«المليونير المزيف» (1968)، إخراج حسن الصيفي، وفي العام نفسه قدّم «عالم مضحك جداً» إخراج حسام الدين مصطفى، و«مطاردة غرامية» من إخراج نجدي حافظ. وتعاون مدبولي مرة أخرى مع «الثنائي» كمؤلف للفيلم الكوميدي الشهير «العتبة جزاز» عام 1969، إخراج نيازي مصطفى، ودارت أحداثه في إطار فانتازي عن مزاولة أفراد إحدى شبكات التجسس نشاطه في أحد الملاهي، ويرأس الشبكة شخص يُدعى «عباس»، وفي الوقت نفسه تجنِّد أجهزة الأمن «هدى» مساعدة عباس لمصلحتها، وبعد فترة يتردد «عبدالحفيظ» الشبيه بـ «ماكس» على الملهى، فيعتقد أفراد الشبكة أنه لم يمت، وتستمر الأحداث. ولعب مدبولي دور «السجين حتحوت» في فيلم «ربع دستة أشرار» عام 1970، تأليف الضيف أحمد وإخراج نجدي حافظ، وشارك في بطولته فؤاد المهندس شويكار وسعيد صالح وعبدالله فرغلي ونظيم شعراوي ومحمد صبيح، ودارت قصة الفيلم في إطار كوميدي ممزوج بأجواء الحركة والإثارة من خلال مطاردة الشرطة لإحدى العصابات الخطيرة. حواء والقرد وهناك أفلام أخرى، شارك فيها مدبولي مع شويكار بعيداً عن المهندس، مثل «أشجع رجل في العالم» (1968)، سيناريو أنور عبدالله، وإخراج حسن الصيفي، وشارك في بطولته أمين الهنيدي وتوفيق الدقن ونجوى فؤاد ومحمد رضا وعباس فارس، وبعدها قدّم المهندس فيلم «عودة أخطر رجل في العالم» عام 1973، وشاركته البطولة ميرفت أمين، بدلاً من «شويكار» رفيقة مشواره في الفن والحياة. وحلَّق مدبولي بعيداً عن «الثنائي» في أفلام أخرى، منها «آخر حنان» عام 1965، مع أحمد رمزي وعماد حمدي، وإخراج عيسى كرامة، وقدّم مع السندريلا سعاد حسني «التلميذة والأستاذ»، بطولة شكري سرحان عام 1968 وإخراج أحمد ضياء الدين، وفي العام نفسه شارك في فيلم «حواء والقرد» بطولة محمد عوض وإخراج نيازي مصطفى، و«شيء من العذاب» بطولة يحيى شاهين وحسن يوسف وإخراج صلاح أبوسيف و«فتاة الاستعراض»، إخراج محمود ذوالفقار. وأسدل مدبولي الستار على فترة الستينيات، عقب مشاركته عام 1969، بثلاثة أفلام، هي «للمتزوجين فقط»، تأليف وإخراج إسماعيل القاضي، مع الفنان أحمد رمزي وميرفت أمين، و«من أجل حفنة أولاد»، إخراج إبراهيم عمارة وبطولة رشدي أباظة وسهير رمزي وسهير المرشدي، و«أصعب زواج» بطولة مديحة كامل وحسن يوسف ومحمد عوض، ورجاء الجداوي ونبيلة السيد، وإخراج محمد نبيه. الحسناء واللص وفي حقبة السبعينيات قدّم مدبولي 52 فيلماً سينمائياً، وهذا الرصيد يفوق بكثير أفلامه في الستينيات، وأعاد المخرجون اكتشاف طاقاته التمثيلية الهائلة، وتنوّعت أدواره بين الكوميديا والتراجيديا، وشارك في عام 1970 بفيلمين مميزين هما «صراع مع الموت» بطولة فريد شوقي وسهير زكي، ومحمود المليجي، و»سوق الحريم» مع صلاح ذوالفقار ومريم فخرالدين وسميحة أيوب، وكلا الفيلمين من إخراج إبراهيم عمارة. وشارك في العام التالي بفيلم «الحسناء واللص» مع ميرفت أمين وحسن يوسف وسهير رمزي وإخراج نجدي حافظ، وفي عام 1972 التقى نبيلة عبيد ومحمد عوض وناهد يسري ونبيل الهجرسي في «جنون المراهقات»، تأليف فاروق صبري وإخراج تيسير عبود، وجسّد مدبولي شخصية رجل أعمال يُدعى «بيومي بك» تواجهه مشكلة مع بناته الثلاث اللواتي يرفضن الزواج إلا من فتى أحلامهن، فالأولى تحلم بالزواج من «كازانوفا»، والثانية من «هولاكو»، والثالثة من «جيمس بوند»، ويضطر لعرضهن على طبيبة أمراض نفسية، وتتتابع الأحداث من خلال مفارقات كوميدية. ناظر المشاغبين وكان مدبولي أول من شارك بدور «الناظر» في المسرحية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» عام 1973، بطولة عادل إمام وسعيد صالح وسهير البابلي ويونس شلبي وأحمد زكي وعبدالله فرغلي وسمير ولي الدين ونظيم شعراوي، وأخرجها جلال الشرقاوي، وبعد أسابيع قليلة انسحب مدبولي من المسرحية، وحل بدلاً منه الفنان حسن مصطفى. وفي العام نفسه، استردّ مدبولي دور الناظر في النسخة السينمائية للمسرحية، وحمل الفيلم العنوان ذاته، وشارك في بطولته مجموعة أخرى من النجوم، منهم نور الشريف وميرفت أمين ومحمد عوض وسمير غانم وجورج سيدهم ويوسف فخرالدين وإخراج حسام الدين مصطفى، لكن الفيلم لم يحقق نجاحاً مماثلاً للمسرحية. ولاقت «المشاغبين» كمسرحية وفيلم هجوماً من النقاد، بدعوى أنها تحرِّض على الانفلات الأخلاقي، والخروج على آداب تعامل الطلاب مع أولياء أمورهم ومعلميهم، وتدور فكرتها حول مجموعة من الطلاب المشاغبين في إحدى المدارس الثانوية، المجتمعين في فصل واحد بزعامة «بهجت الأباصيري» (عادل إمام) يتسببون في العديد من المشكلات لمُعلِّمي المدرسة جراء استهتارهم الشديد، مما يدفع ناظر المدرسة للبحث عن مُعلم جديد، وترسل اﻹدارة التعليمية الآنسة «عفت» (سهير البابلي) التي تحاول أن تتبنى منهجاً مختلفاً في التعامل مع أولئك الطلاب المشاغبين، لتضع نفسها في تحدٍ كبير. وخلال مشواره المسرحي والسينمائي، سنجد أن عبدالمنعم مدبولي كان طرفاً رئيساً في أعمال سبق تقديمها، وعادت للظهور مرة أخرى، وتفاوت النجاح بين العمل الأصلي أو المقتبس، ومنها مسرحية «حالة حب» المأخوذة عن الفيلم السينمائي «إشاعة حب»، ومسرحية «مطار الحب» من فيلم «مطاردة غرامية»، وحتى «مدرسة المشاغبين» في نسختها المسرحية والسينمائية، فإنها مقتبسة من فكرة فيلم «إلى المعلم مع الحب» (1963)، بطولة النجم الأميركي سيدني بواتييه، وقد عُرض آنذاك في دور السينما بالقاهرة باسم تجاري «مدرسة المشاغبين». سيدة تلد في مسرحه من كثرة الضحك! صادف الفنان عبدالمنعم مدبولي موقفاً طريفاً أثناء عرض مسرحية «حالة حب» مع الفنان فؤاد المهندس، ووسط ضحكات الجمهور فوجئ بصراخ وصياح بصوت عالٍ، فإذا بسيدة حامل كانت تجلس بين المشاهدين فاجأتها آلام الولادة من كثرة الضحك، فاضطر إلى وقف العرض وإدخالها إحدى غرف المسرح، وحضر لها الطبيب وأنجبت، وفوجئ بها تصرّ على إطلاق اسم «مدبولي» على وليدها. وتعرّض الفنان الراحل لموقف آخر، منافيا للموقف السابق، حين كان عائدا ذات ليلة في ساعة متأخرة لشقته بالإسكندرية بعد انتهاء العرض، ويحمل راديو صغيرا (ترانزستور)، وفجأة ظهر له جاويش وطلب منه التوقف، فلم يستجب له وواصل سيره، فأسرع خلفه واستوقفه بالقوة، فنظر له وفوجئ بأنه لا يعرفه، وهذا كان شيئا غريبا لم يصادفه لكونه نجما مشهوراً، وحين قال له إنه الفنان عبدالمنعم مدبولي استنكر الجاويش كلامه، وأصر على اصطحابه لقسم الشرطة، فنظر له الضابط وهو يجذبه ويدفع به أمامه في ذهول شديد، وبعدها أصبح صديقا لرجال الشرطة في المنطقة. سر انسحابه من «مدرسة المشاغبين» ظل انسحاب الفنان عبدالمنعم مدبولي من دور «الناظر» في مسرحية «مدرسة المشاغبين، يثير تساؤلات كثيرة، ووقتها لم يفصح النجم الكبير عن دوافعه للانسحاب من عمل مسرحي حقق نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق خلال فترة السبعينيات، وحلّ بدلاً منه الفنان حسن مصطفى، وتم تسجيلها وعرضها من خلال شاشة التلفزيون المصري. وبعد رحيله، كشفت ابنته «أمل» غموض انسحاب والدها من «المشاغبين»، وذلك لأنّ أبطال المسرحية كانوا يرتجلون كثيراً ويخرجون عن النص، مما كان يزيد من مدة عرض المسرحية كثيراً، ولفت الفنان عبدالمنعم مدبولي نظرهم، لأنه كان يحب الالتزام، لكنهم لم يعيروا لذلك انتباهاً، وفي أحد أيام العرض بعد المسرحية نشبت مشاجرة بين زوجين وصلت إلى حد الطلاق بسبب انتهاء المسرحية في وقت متأخر جداً، بعد انتهاء وقت عمل المواصلات، مما جعل مدبولي يقرر عدم الاستمرار في العرض. واستنكرت ابنة الفنان الراحل ما أثير من أقاويل ذهبت إلى أن انسحاب والدها كان بسبب غيرته من أبطال العمل الشباب، أو بسبب مطالبته بزيادة أجره، فالمعروف عنه أنه كان يشجع الفنانين الجُدد، وتخرَّج على يده نجوم كُثُر مثل عادل إمام، والضيف أحمد، وسعيد صالح، ويونس شلبي، ومحمد صبحي وغيرهم، وظل لآخر حياته مكتشفاً لأصحاب المواهب من جيل الشباب، وداعماً لهم. «اللمبي» يمنع مدبولي من الظهور في مسلسل تلفزيوني! واجه الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي، الكثير من المواقف الصعبة خلال مشواره الفني، إلا أنه تلقى صدمة موجعة في عام 2004، وحينها كان يتأهب للاحتفال بعيد ميلاده الحادي والثمانين، وثارت ردود فعل متباينة عقب قوله لإحدى المحطات الفضائية إن الفنان محمد سعد حقق بشخصية «اللمبي» ما لم يحققه عملاق المسرح يوسف وهبي، ورائد فن الكوميديا نجيب الريحاني، بل وكوكب الشرق أم كلثوم. وجاءت ردود الفعل واسعة النطاق بداخل الوسط الفني بصفة خاصة وجماهير السينما والمسرح بصفة عامة، وصدر أغرب قرار يتعرّض له فنان بقيمة ومكانة عبدالمنعم مدبولي الذي حمل على عاتقه لواء المسرح الكوميدي المصري طوال نصف قرن، باستبعاده من المشاركة في مسلسل «راجعلك يا إسكندرية»، بعد الاتفاق عليه ودراسته للشخصية التي سيقدمها، وتردد حينها أن تصريحاته عن محمد سعد أغضبت مسؤولاً إعلامياً كبيراً، فطالب باستبعاده لهذا السبب. وحاول شيخ الفنانين أن يفهم أسباب استبعاده من مخرج المسلسل هاني لاشين، لكنّ الأخير اعتذر لمدبولي، وقال له إن دوره قد جرى حذفه بشكل كامل من السيناريو، مما أصابه بالدهشة والأسف في الوقت نفسه، ولم يصدق الأمر، وتأكد أن هناك أسبابا أخرى لاستبعاده، واضطر إلى التعقيب على التحريف وسوء الفهم لتصريحاته بشأن «اللمبي»، وأنه يقصد نجاحه على صعيد الإيرادات التي حققها في أفلامه الأخيرة، لا على صعيد الموهبة والقدرات الفنية التي يمتلكها عمالقة الفن يوسف وهبي ونجيب الريحاني وأم كلثوم، وأنه لم يصل إلى درجة التخريف لكي يقول إن محمد سعد أفضل من هؤلاء النجوم الكبار. ولاحقت تداعيات أزمة «اللمبي» مدبولي بسيل من الشائعات، حول أسباب توقّف عرض آخر مسرحياته «ريا وسكينة في مارينا» عام 2006، بدعوى خروج إحدى الفنانات عن النص، والظهور بملابس غير لائقة، وتوجّه إليه البعض باللوم الشديد، لكونه وافق على الرغم من اسمه وتاريخه الكبير على المشاركة في هذا العرض، رغم ما اشتهر به من جديّة والتزام وضبط إيقاع كل الفنانات اللواتي عملن معه في الستينيات والسبعينيات، ومنهن الفنانة شويكار، ليوضح أن هذا الكلام لا صلة له بالحقيقة، وهذه الفنانة إذا كانت فعلت هذا الأمر، كان سينسحب من المسرحية حفاظاً على تاريخه، لكن العرض توقّف لظروف إنتاجية.
مشاركة :