إحدى خصائص الكاتب القصصي أو الروائي المتفرّد أن يختار أبطال أعمال يشبهونه، بل ويتقاطعون بصورة مباشرة مع أحداث ومحطات ومناخات ومناحات حياته. وهكذا كان ديدن القاص الراحل عبدالله باخشوين، المسكون بهواجس القلق والارتياب حد التنقل والحركة في المكان والزمان وكأنه فاقد شيئا ما، لا يعلم ما هو لكنه يبحث عنه.أبحر باخشوين عكس التيار في نقض مفهوم البطل المركزي، ورفض مبدأ تسخير بقية الشخصيات لخدمة الرمز وتكريس نجوميته، فذهب إلى إعلاء شأن الشخصيات الثانوية، والمهمشة، والكومبارس ومنحها مكانة أعلى مما هي مؤهلة له، وعزز حضور مشاهد البطولة البسيطة عبر المشاهد النوعية ولو كانت لـ«قطة أو طائر»، فيما كان يتعمد بهدلة العنصر الرئيس والبطل الأوحد بصب المواقف الحرجة والتصرفات الرعناء على رأسه ما يدفع القارئ للحكم على بطله بالعته والجنون.ولعل مثل هذه الحيلة الكتابية مقصودة فنياً، ليفرغ الكاتب الذكي من خلال شخصياته الفنتازية كل الشحنات النفسية والذهنية التي تتلبسه، لذا وظف باخشوين في قصصه الأحلام والكوابيس والهلوسات، وألبسها شخصيته المركزية، ليوقع المتلقي في حيرة التمييز بين عالم التخيل والوهم وعالم الواقع.أصدر الحفلة، والنغري، ولا شأن لي بي، وبطل الحفلة توحي الإسقاطات الفنية على الشخصية بشيء مما سبق وأن عاناه باخشوين خصوصاً في العراق منتصف الثمانينات. بدأ باخشوين العلاقة بالقراءة من مكتبات الطائف، ومسامرات الأصدقاء، ومراسلة الصحف، والتجريب الكتابي، ثم انتقل إلى جدة وعمل في مجلة اقرأ، وبسبب مقالة نعتت بالجريئة اضطر للسفر للعراق، ليتعرض لمضايقات واستفزازات دفعته للعودة مجدداً إلى الوطن، ووثق شيئاً من سيرة الهجرة إلى العراق في زاوية أسبوعية باليمامة بعنوان «مذكرات مثقف سعودي في العراق»، واختار لاحقاً الانتقال إلى جازان، وفي أبو عريش افتتح محلا لبيع وتأجير أشرطة الفيديو، ثم انتقل مع أسرته إلى جدة، وشارك في تأسيس مجلة استجواب، ونشر فيها حواراً مع والدته «حميدة» التي كانت تعمل طبيبة شعبية وقابلة، وبحكم دراسة الأولاد أقام لبعض الوقت في كندا، وفي عام 2013 فاز كتابه «لا شأن لي بي» بجائزة القصة في معرض الكتاب.< Previous PageNext Page >
مشاركة :