وقعت أحداث تلك الجريمة في إحدى القرى المصرية، وراحت ضحيتها سيدة خمسينية في ليلة زفاف ابنتها الوحيدة، وحاول الجاني أن يزيل آثار جريمته، لكنه أخفق في حمل القتيلة، وتركها ملقاة على فراشها جثة هامدة، وفر هارباً، وتلقت الشرطة بلاغاً من شقيق المجني عليها، واتجهت أصابع الاتهام إلى الزوج المدمن، وتكثفت التحريات للقبض على القاتل الهارب. بدت دوافع الجريمة غامضة، وسرى الخبر الأليم في أرجاء القرية، وتحولت ليلة العرس إلى مأساة، وخلعت العروس ثوب الزفاف الأبيض، واتشحت بالسواد، وجلست فاتن بين النساء ذاهلة، وبدت فاقدة النطق، وصرخاتها الحبيسة تمزق أحشاءها، حتى غابت عن الوعي، وحملها عريسها الشاب منصور إلى المستشفى، وهناك أعطاها الطبيب بعض المسكنات، وقال إنها تعاني انهياراً عصبياً، وتحتاج إلى الراحة التامة، وبعدها ستخضع للعلاج النفسي فترة طويلة. ظل منصور جالساً بجوار عروسه الراقدة فوق سرير المستشفى، تطارده خيالات لأضواء وزينة معلقة، ولحظات الفرح والسعادة في ليلة العمر، وقلبان مقبلان على الحياة، ويخفقان بالحب، لكن الخبر الأليم داهمهما في القفص الذهبي، واغتال الفرح في مهده، وتحوّلت الزغاريد إلى صرخات، وكأن القاتل ارتكب جريمتين، وقتل الأم وابنتها في ليلة واحدة، ولا سبيل للعريس الشاب أن يزيح عن عروسه وطأة الصدمة الفاجعة. تفاصيل الجريمة البشعة، بدأت بعودة الأب الغائب لحضور زفاف ابنته، وداهمت الكآبة زوجته، واستشعرت أن اليوم لن يمر على خير، وانتظرت القرار الأخير لشقيقها، وفكرت أن تطلب الطلاق من زوجها بعد اختفائه أشهراً، وتعلله بأسباب واهية عن عمله في منطقة نائية، بينما انقطعت أخباره، ولا يعرف أحد مكانه، وترك «سماح» لتتحمل مسؤولية البيت، واضطرت لنزول السوق، لتبيع الخضراوات والفاكهة، ورفضت أن تتلقى مساعدة من أسرتها، وتكيفت مع حياتها الجديدة، وباتت مثلاً في القرية كامرأة مكافحة، ونالت محبة وتقدير الجميع. تطلعت سماح إلى الباب المغلق، وترقبت انتهاء جلسة المفاوضات بين شقيقها وزوجها، وفجأة اقتحمت الغرفة، وطلبت الطلاق من زوجها، وأن يذهب إلى حال سبيله، لكنه قال لها إنه لا يستطيع الاستغناء عنها، فقالت: «أنت مدمن ولا فائدة منك»، وحاول شقيقها أن يوفق بينهما، وقال إن الوقت غير مناسب لانفصالهما، وسيعكر صفو ليلة زفاف ابنتهما الوحيدة، وعليهما التفاهم بهدوء، والتوصل إلى قرار صائب. كانت عودة شكري في ذلك اليوم، بمنزلة نذير لشيء غامض سيحدث، وحين جلس مع شقيق زوجته، أصر على حقه في حضور زفاف ابنته الوحيدة، وأنه مثل أي أب يتمنى لابنته السعادة، لكن ظروف عمله اقتضت تغيبه طيلة الأشهر الماضية، ووعد بأنه سيصلح كل شيء، ويتحمل مسؤولية أسرته، وهذا يحتاج إلى مهلة، ليجد عملاً في مكان قريب، وسيعوِّض سماح عن شقائها خلال فترة غيابه، ووعد صهره أن يقلع عن إدمان المخدرات، وكفاه أنها أفسدت حياته الماضية، وجعلته مشوش التفكير، ولا يريد في خريف عمره أن يموت بعيداً عن زوجته وابنته، أو يعيش منبوذاً من الجميع. استطاع شكري أن يقنع سماح بالوعد الذي قطعه على نفسه، فاستجابت لطلبه، واشترطت عليه أن يقلع عن تعاطي السموم، ويبحث عن عملٍ في مكان قريب، وإذا عاد لسيرته الأولى، ستقف له بالمرصاد، ولن تقبل أن تعيش معه لحظة واحدة، وأنها لا تريد أن تتحوّل ليلة زفاف ابنتها إلى مأساة، لكن وعوده السابقة ذهبت أدراج الرياح، وعليه أن يثبت لها صدق نواياه، ويبرهن على إخلاصه لها، وفي تلك الحالة ستصفح عن إساءته في حقها كزوجةٍ أرادت الاستقرار والسعادة لبيتها. ارتسمت ابتسامة غامضة على وجه شكري، وخرج مع سماح من الغرفة، وأبلغ صهره بالتوصل إلى قرار صائب، وأنه لا يمكن أن يفترق عن زوجته وابنته بعد اليوم، ولاحظت الزوجة أن زوجها يحمل حقيبته معه، وحين طلبت منه أن يتركها، قال إن فيها أوراقاً مهمة ويخشى ضياعها، وأدركت أن ثمة سراً يخفيه، وتسرّب القلق إلى نفسها مُجدداً، واحتدت عليه قائلة: «لا بد أنك تخفي مخدرات في الشنطة»، فناولها الحقيبة قائلا: «افتحيها وتأكدي بنفسك»، ولم ينتظر إجابتها، وتركها حائرة في أمره. وكانت تلك اللحظة فارقة في حياة سماح، وربما لو فتح زوجها الحقيبة، ورأت ما بداخلها، لتغيرت أشياء كثيرة، لكنه وعدها أن يخبرها بأسباب اختفائه بعد انتهاء الحفل، وذهب إلى قاعة الأفراح بالقرية، وهناك تكفل بالمصروفات كافة، وأشرف بنفسه على إعداد الزينة، ولاحظ صهره أنه ينفق ببذخ، وارتاب في أمر هذا العائد بعد غياب طويل، ولم يقتنع أنه تحصّل على هذا المال من عملٍ شريف، بل هناك سر يخفيه، وعلى الفور انتحى به جانباً، وسأله عن الأمر، فقال شكري مبتسماً: «من تجارة المخدرات» وتركه حائراً من هدوئه المريب. ليلة الجريمة ترك شكري علامات الاستفهام تخايل زوجته سماح وشقيقها، بينما الحقيبة مغلقة على أسرارها، ولا تفارقه منذ لحظة وصوله، وحتى ساعات ليلة الزفاف، ولا يعني أنها تحوي أوراقاً نقدية، بل شيئاً يحرص على عدم إظهاره للآخرين، ويثير الشك في توبته المزعومة، وإقلاعه عن تعاطي المخدرات، وبات من الصعب اكتشاف الحقيقة، بل إنها ستفضي إلى كارثة، وسيتحوّل الفرح إلى مأساة، وربما يكون الأمر مجرد شكوكٍ لا أساس لها من الصحة. انتهت ليلة العرس في ساعة متأخرة من الليل، واضطربت مشاعر الأم بين فرحتها بزواج ابنتها الوحيدة فاتن وقلقها من عودة زوجها، وظلت ترمقه كأنه شخص تراه للمرة الأولى، وليس الرجل الذي تزوجته قبل 25 عاماً، وعاشت معه تلك السنوات بحلوها ومرها، حتى ضاقت بإهماله لها، وإدمانه على المخدرات، وزادت الأمور سوءاً، حين اختفى خلال الشهور الفائتة، ولا أحد يعرف عنه شيئاً. وفور وصولهما إلى المنزل، سألته سماح عن سر الحقيبة، فقال لها: «هذه مدخراتي من عملي»، فسألته عن طبيعة عمله، فقال إنه يعمل في المقاولات، وطلب منها أن تكف عن سؤاله عن أي شيء، وأنه ينوي الاستقرار معها، لكنها ألحت في سؤالها، واحتدم بينهما النقاش، وطلبت منه الطلاق، فانهال عليها ضرباً، وفي ذروة غضبه خنقها بيديه وضغط على عنقها، حتى فارقت الحياة! حاول القاتل أن يزيل آثار جريمته، واستشعر خطورة بقائه في المنزل، ومحاولة إثبات براءته أمام أهله، وأدرك أن الهرب سيمنحه فرصة للتفكير، وعليه أن يتحرك سريعاً في تلك الساعة المتأخرة من الليل، ويغادر القرية بلا رجعة، وأسرع خطواته في الظلام، وسلك طريقه بين الحقول، حتى لا يراه أحد معارفه، ويسأله عن وجهته، ويضطر إلى اختلاق أكاذيب جديدة. اجتاز شكري حدود قريته، ووجد صعوبة في إيجاد وسيلة مواصلات في تلك الساعة من الليل، فعاد ثانية ليختبئ بين الحقول، وهناك ظل جالساً بين اليقظة والحلم، تطارده خيالات جريمته البشعة، وكان جسده يرتجف من شدة الخوف، وشبح زوجته القتيلة يتراءى أمام عينيه، ولا يستطيع أن يوقف تلك الهلوسات البصرية، والصرخات التي تصم أذنيه، بينما يداه تتشبثان بالحقيبة، وكأنها طوق النجاة الوحيد في أيامه المقبلة. خطة الهروب أشرقت الشمس في يوم جديد، وتحرك القاتل نحو الطريق، واستقل سيارة إلى قرية مجاورة، وتحاشى النظر إلى الركاب، حتى لا يتعرف عليه أحد، وعاد شبح القتيلة للظهور، فأغمض عينيه ليطرد تلك الخيالات، وحين غادر السيارة، توجه إلى منزل أحد أصدقائه، ليختبئ عنده، حتى يزول الخطر، ويضع خطة هروبٍ آمنة خارج البلاد، وللوهلة الأولى أدرك الصديق أن زائره في مأزق، وعليه أن يعرف سر اضطرابه، ويقرر بعدها مساعدته أو طرده، وأخذ يصغي باهتمام لتفاصيل الحادث الغريب، وحين انتهى شكري من حكايته، أمره صديقه بمغادرة منزله فوراً. احتدم النقاش بين شكري وصديقه، وهدّده الأخير بإبلاغ الشرطة، وحاول القاتل أن يبرر جريمته، ولكن بلا فائدة، وأغلق الباب دونه، ليجد نفسه مرة أخرى في مواجهة خطر السقوط في قبضة رجال المباحث المنتشرين في كل مكان، وسلك الشوارع الجانبية بعيداً عن الأنظار، وغادر القرية سيراً على قدميه، حتى لا يثير الشبهات حوله، إذا استقل سيارة إلى القاهرة، ولكنه سقط في الكمين، واقتيد إلى قسم الشرطة مكبلاً بالقيود، وبات ليلته في غرفة التوقيف حتى صباح اليوم التالي. في ذلك اليوم حلت الصدمة على أسرة المجني عليها، وتقدم شقيقها ببلاغ إلى الشرطة، يتهم فيه شكري بقتل سماح، وتكثفت التحريات لكشف لغز جريمة الزوجة المقتولة، وجرت معاينة مسرح الجريمة، ورفع البصمات، ونُقِلت جثة القتيلة إلى المستشفى، وأثبت الطب الشرعي وجود آثار كدمات متفرقة في جسدها، وعلامات أصابع حول عنقها، وتبين أنها ماتت خنقاً. وخلال ساعات قليلة سقط القاتل الهارب في قبضة الشرطة، لكنه حاول المراوغة، ونفي صلته بالجريمة، وأنه قرّر السفر بعد انتهاء زفاف ابنته، وترك زوجته بالمنزل، وقال في برود إن الجاني الحقيقي ربما يكون لصاً داهم المنزل بعد انصرافه، وأنه يستحيل أن يفكر في قتل زوجته التي عاش معها سنوات طويلة، ورغم كل الخلافات التي كانت بينهما، فإنه رفض طلبها الطلاق، لأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها، وكفاه أنه يشعر بالألم والحزن لفراقها. وزادت الجريمة غموضاً، بعد أقوال المتهم، لكن المحقق استشعر أنه ليس صادقاً في حزنه على زوجته، وأنه يختلق الأكاذيب لينجو من العقاب، وكان على رجال المباحث سرعة العثور على أدلة دامغة لإدانته، وأخذ أقوال الشهود، ومطابقة بصماته على جسد المجني عليها. انهيار القاتل وتكشفت تفاصيل تلك الجريمة البشعة، رغم بعد إصرار المتهم على المراوغة، وقوله إن خلافاته مع زوجته بدأت منذ سنوات، وكان الأهل يتدخلون للمصالحة بينهما، لكنها أصرت على الانفصال، فترك لها البيت، وحين عاد في ليلة زفاف ابنته، نشب بينهما الشجار، ما دعاه إلى ترك المنزل، والاختفاء مُجدداً، حتى يستطيع أن يفكر في هدوء، ويوسط بعض الأقارب لإقناعها بالعدول عن فكرة الانفصال. وجاءت أقوال شقيق القتيلة لتكشف دوافع الجريمة البشعة: «تغيب شكري عن المنزل منذ عدة أشهر ولم نعرف عنه شيئاً، واعتادت شقيقتي المبيت في منزلي باعتباره بيت العائلة، وعندما اختفى ثم عاد، ألح في طي صفحة الماضي، وقال إنه تاب عن تعاطي المخدرات، ولا يمكن لأحد حرمان أب من حضور ليلة زفاف ابنته الوحيدة، وبعد محاولات مع سماح رجعت المنزل حتى انتهاء ليلة زفاف ابنتهما، ذهبت سماح مع زوجها إلى منزلهما، وهناك ارتكب جريمته، وفر هارباً، وعلمنا بالكارثة في صباح اليوم التالي». بينما جاء في أقوال أحد الشهود، أن المجني عليها كانت سيدة قوية، وتتمتع بحسن الخلق ويعرفها الصغير قبل الكبير في القرية، لكن زوجها كان مدمناً على المخدرات، ويتعدى عليها بالضرب والإهانة، وتدخلت الأسرة كثيراً من أجل الإصلاح بينهما، وبعد اختفائه، تحملت مسؤولية البيت ورفضت المساعدة من أهلها، وعملت في بيع الخضراوات من أجل زواج ابنتها. واستبشر الجميع خيراً بعودته في ليلة زفاف ابنته، لكنهم أصيبوا بالصدمة بعد ارتكابه تلك الجريمة البشعة، التي راحت ضحيتها تلك الأم المكافحة بلا ذنب، سوى أنها عارضت سلوكه المنحرف، وصدقت أكاذيبه في توبته المزعومة. وتتابعت أقوال الشهود التي أكدت أن المتهم جرفه تيار الإدمان منذ شبابه، واضطر لبيع قطعة الأرض التي كان يمتلكها، وأنفق ثمنها على تعاطي السموم، حتى صار عاطلاً عن العمل، وعانت زوجته كثيراً للإسهام في نفقات البيت، ما دفع المجني عليها لطلب الطلاق، فترك المنزل بعد شجار نشب بينهما، واختفى لعدة أشهر، لكنها تحملت المسؤولية، وأثبتت قدرتها على مواصلة الحياة من دونه، وحين عاد مرة أخرى، استجابت لطلب شقيقها باستئناف حياتها مع زوجها، طالما أنه أقلع عن تعاطي المخدرات، وتعهد أن يعاملها معاملة حسنة. وانهار المتهم أمام دليل إدانته، واعترف بارتكابه الجريمة، وأنه قتل زوجته في لحظة غضب، لكنه أصر على أن النقود التي ضبطت معه، جناها من عملٍ شريف، وأنه حاول إقناعها بذلك لكن من دون فائدة، وقررت النيابة حبسه على ذمة القضية، تمهيداً لمثوله أمام المحكمة.
مشاركة :