انتصار يوناني بطعم الإذعان

  • 9/23/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

فازت حركة سيريزا اليونانية بزعامة تسيبراس بالمرتبة الأولى في الانتخابات النيابية وبنسبة تناهز ال 36 في المئة من الأصوات. ويقضي قانون الانتخاب بأن تحصل الحركة أو الحزب الفائز على 40 نائباً إضافياً الأمر الذي يتيح لها بلوغ نسبة ال 145 مقعداً أي بفارق 4 نواب فقط عن البرلمان السابق، لكن هذه المرة ستتحالف مع حزب سيادي يحتفظ بعشرة أصوات الأمر الذي يتيح تشكيل حكومة يسارية مطعمة بفريق سيادي بدلاً من التحالف مع التيار اليميني والاشتراكيين ، وبالتالي تشكيل حكومة وحدة وطنية يبدو أن الشعب اليوناني ما عاد يريدها. انتصار تسيبراس في هذه الانتخابات ما كان متوقعاً بهذا القدر من الأصوات فضلاً عن هزيمة المنشقين عنه من أقصى اليسار والذين لم يبلغوا نسبة ال 5 في المئة من الأصوات التي تتيح لهم الدخول إلى البرلمان، الأمر الذي يعزز رهان الناس على تسيبراس حتى في الأوساط الراديكالية لكنه رهان بارد ظهر من خلال تلك القبضة الضئيلة من المحتفلين بالانتصار التي شوهدت في شوارع أثينا وهذا ليس عصياً على الفهم، فالناس يعيشون تحت ثقل الأزمة الاقتصادية التي يعانونها في كافة نواحي حياتهم اليومية، وبالتالي من الصعب أن ينفجروا فرحاً بحدث مهم لكنه لا ينطوي على وعد موثوق باجتراح معجزة إنقاذية. لم يكن هذا الانتصار إذاً بطعم الانتصارين السابقين خلال العام الجاري.. الأول وقع قبل 9 شهور عندما تمكنت سيريزا من كسر الثنائية الحزبية بين اليمين التقليدي واليسار الاشتراكي والتي تهيمن على البلاد منذ 40 عاماً ، والانتصار الثاني وقع في الاستفتاء الأخير عشية استحقاق مشروع الإصلاح الأوروبي للاقتصاد اليوناني..و مع ذلك وطد انتصار أمس الأول حركة سيريزا في خريطة التيارات السياسية الحاكمة. تبقى إشارة ثانوية إلى تراجع المشاركة في التصويت بنسبة 12 في المئة مقارنة بالانتخابات السابقة، الأمر الذي يضعف قليلاً من أهمية هذا الحدث من دون أن يحرمه من معان كثيرة أساسية ومهمة، أولها أن الناس اختاروا تسيبراس مجددًا لأنه لم يحكم من قبل ، وبالتالي لا يمكن معاقبته في صناديق الاقتراع على نتائج حكم لم تتم، علماً أن تجديد الثقة بحركته يعكس حالة أشبه بالقطيعة بين معظم الحركات السياسية التقليدية والرأي العام. وثانيها أن الناخب اليوناني اختار اليورو بدلاً من الاستقلال والتخلي عن عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي كما كان يدعو خصوم ومنافسو تسيبراس. فعلى الرغم من الإجراءات التقشفية القاسية التي فرضتها أوروبا على اليونانيين ها هم يرضخون مفضلين قساوة أوروبا على فوضى وعزلة يونانية محتملة في حال الخروج منها. الواضح أن اختيار تسيبراس ينطوي على تقدير مفاده أن قساوة الإجراءات الأوروبية تحتاج إلىبونابرت يوناني يواجه الأوروبيين بدلاً من زعيم يساري راديكالي يهرب من أوروبا، ويزج بلاده في مغامرة غير محسوبة العواقب أو زعيم تقليدي يخضع للأوروبيين كما فعل من قبل. وثالثها إدراك اليونانيين الذين يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي أن أصواتهم لن تغير شيئاً في جوهر المشروع الإصلاحي الأوروبي الذي فرض على بلادهم والذي وقع عليه رئيس الوزراء اليوناني قبل الاقتراع، ما يعني أن التصويت العقلاني كان يقتضي تجديد الثقة بمن وقع الاتفاق مع الأوروبيين ، وليس بمن يعدهم بالقطيعة ، الأمر الذي يتيح الاستنتاج بأن الانتصار الانتخابي الذي سجله رئيس الوزراء الشاب هو انتصار للأوروبيين الذين فرضوا إرادتهم على اليونانيين وحملوهم على التصويت لصالح الاتفاق. وهنا يُطرح سؤال كبير عن حجم هامش المناورة التي يمكن لأية حكومة من حكومات الاتحاد التمتع بها بمواجهة دول الاتحاد القطبية وبخاصة ألمانيا وفرنسا . الواضح أن ألمانيا هي التي رسمت ، مع تعديلات طفيفة ، مشروع الإصلاحات اليونانية وجداولها الزمنية، وهي التي وضعت اليونانيين علناً أمام معادلة صريحة: إما ما نقرره لكم من إصلاحات، وإما الباب سيكون مفتوحاً للخروج من الاتحاد . ولا بد من التذكير بأن أنجيلا ميركل وكبار مساعديها لم يكترثوا حتى باستخدام التعابير المخففة أو المفرطة في دبلوماسيتها، وكانوا كمن ينذر السلطات اليونانية بأن تفعل ما يطلب منها أو تطرد اليونان من الاتحاد. والمؤكد أن رد الفعل اليوناني كان في المرتين ينطوي على رضوخ للإملاءات بعد الحصول على تعديلات طفيفة تنقذ ماء الوجه. إن الاقتراع اليوناني ب نعم على الإملاءات الأوروبية والألمانية بخاصة من خلال تجديد الثقة بحركة سيريزا يعني أن الرهان الذي عقده اليسار الأوروبي الراديكالي على تسيبراس ، ليكون رمزاً لمقاومة التسلط الاقتصادي الألماني قد انهار تماماً، وانهارت معه أيضاً فرصة الرهان على خصوم تسيبراس الراديكاليين والمنفصلين عن سيريزا بعد أن أخفقوا في الحصول على الحد الأدنى من ثقة الرأي العام في بلادهم. تبقى حالة خاصة ممثلة بالحزب الشيوعي الفرنسي الذي أبرق أمينه العام لتسيبراس قائلاًَ : إن انتصاره النيابي يعني أن مواطنيه يثقون بشجاعته وبقدرته على مواجهة الأزمة وليس الهروب منها. وثمة أصوات ضئيلة من حركة الخضر عبرت عن رضاها أيضاً لفوز رئيس الوزراء اليوناني ما يعني أن أجواء أثينا كانت خالية من تلك الحماسة التي ميزت الانتخابات السابقة. في الانتخابات اليونانية الأخيرة لم يخرج من صناديق الاقتراع أمل يساري راديكالي طال انتظاره في أوروبا التي تبدو هذه الأيام وكأنها ترضخ للسحر الألماني وللقدرة الاقتصادية العملاقة التي تلوّح بها أنجيلا ميركل بالقول نحن أو لا شيء. إذا أتيح لتسيبراس أن يتولى الحكم حتى نهاية سنواته الأربع فسيكون من المفيد سؤاله عن الفارق بين سياساته وسياسات غيره من الأحزاب إزاء الاتحاد الأوروبي، والجواب سيكون لا شيء، ذلك أن الاتحاد الأوروبي بزعامة ألمانيا صار قدر الأوروبيين شاءوا ذلك أم أبوا.

مشاركة :