فصل جديد من التوترات بين واشنطن وموسكو

  • 4/20/2021
  • 01:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أعطى انتخاب «جو بايدن»، رئيسًا للولايات المتحدة، بعد فوزه على «دونالد ترامب» في نوفمبر 2020، آمالاً في تهدئة العلاقات الدبلوماسية بين البيت الأبيض والكرملين، حيث ظلت هذه العلاقات متوترة إلى حد كبير بسبب مزاعم التدخل الانتخابي والهجمات السيبرانية وتقويض حلف الناتو؛ لكن يبدو أن هذه الآمال قد تبددت في الوقت الحالي بعد أن فرضت إدارة بايدن مجموعة واسعة من العقوبات على الأفراد والكيانات الروسية يوم 15 أبريل 2021. وبشكل عام، تهدف العقوبات الأمريكية إلى معاقبة روسيا بزعم تدخلها في الانتخابات الأمريكية لعام 2020، والتسلل الإلكتروني، والقيام بممارسات استفزازية ضد أوكرانيا وغيرها من الأنشطة «الخبيثة» كما وصفتها الإدارة الأمريكية، حيث تمت معاقبة 32 فردًا وكيانًا روسيًا فيما يتعلق بحملات التضليل خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بينما طُرد عشرة دبلوماسيين روس من واشنطن بعد اكتشاف عملهم لصالح الاستخبارات الروسية. علاوة على ذلك، صدرت عقوبات اقتصادية تهدف إلى زيادة الضغط على الاقتصاد الروسي المُحاصر بالفعل، من ضمنها منع البنوك الأمريكية من شراء ديون الحكومة الروسية، الأمر الذي علق عليه كل من «ديفيد سانجر»، و«أندرو كرامر» في صحيفة «نيويورك تايمز»، بقولهما إن: «العقوبات تضمنت تدابير تهدف إلى زيادة صعوبة مشاركة روسيا في الاقتصاد العالمي إذا واصلت إجراءاتها التخريبية، بما في ذلك في المجال السيبراني على حدود أوكرانيا». ومن جانبه، أشار «بايدن» إلى أنه يعتقد أن نهجه «متناسب» مع الوضع الراهن للعلاقات، موضحًا أن «الولايات المتحدة لا تتطلع إلى بدء موجة من التصعيد والصراع مع روسيا»، بل تسعى إلى إقامة «علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها». وقبل تحديد شدة العقوبات المفروضة، أجرى «بايدن»، أيضًا محادثة هاتفية مع «بوتين» -وهي الثانية أثناء رئاسته- في 13 أبريل، دعا فيها نظيره إلى تهدئة التوترات مع أوكرانيا، بالإضافة إلى عقد قمة وجها لوجه في بلد محايد، لتخفيف التوترات بين واشنطن وموسكو. وجاءت ردود فعل المحللين الغربيين على هذه العقوبات «متباينة»، حيث أشادوا برد بايدن على التدخل الانتخابي والهجمات الإلكترونية؛ لكن وُصفت العقوبات اقتصادية بـ«المتساهلة وغير الفعالة»، والتي من غير المرجح أن تكون رادعة لبوتين في المستقبل. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن هذه كانت «المرة الأولى التي تُلقي فيها واشنطن باللوم على وقوع هجوم سيبراني استخدم سولارويندز كناقل -وهو ناشر برمجيات أمريكي تمت قرصنة منتجه لإدخال ثغرة أمنية بين مستخدميه بما يشمل عدة وكالات فيدرالية أمريكية- مباشرة على بوتين». وعلى مدار عدة أشهر خلال عام 2020 تم تنفيذ هجوم «سولارويندز» السيبراني. وشمل وصول عملاء روس إلى معلومات سرية من أجهزة الكمبيوتر والخوادم التابعة للحكومة الأمريكية، مما عرّض الأمن القومي الأمريكي ومعلومات الآلاف من موظفي الحكومة للخطر. ونظرًا إلى حجمه الهائل كان الهجوم مصدر إحراج كبير لكل من إدارة ترامب ووكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، خاصة أن التسلل ومداه الهائل تم اكتشافهما بعد عدة أشهر فقط من بدئهما. وفي أعقاب ذلك، استدعت الخارجية البريطانية أيضًا السفير الروسي في لندن «أندريه كيلين» على خلفية «القلق العميق التي تشعر به من السلوك الروسي». وتمثل قضية «أوكرانيا»، عنصرًا حاسما آخر في العداء بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث حشدت الأخيرة قوة كبيرة على حدودها مع الدولة المدعومة من الغرب. وتضمنت العقوبات المفروضة على روسيا أيضًا انضمام الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية في إصدار قيود مالية على ثمانية روس متورطين في احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، والتي كانت التابعة لأوكرانيا. ولاحظ «أندرو روث»، و«دان صباغ» في صحيفة «الجارديان»، أن المحللين الغربيين مازالوا «منقسمين بشأن الهدف من الحشد العسكري للكرملين»، وأن «البعض قد رأى ذلك بمثابة تحدٍ لإدارة بايدن الجديدة وتحذير من عدم القيام بتجاهل مصالح روسيا». وادعى «فيليب ستيفنز» في صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، أن حشد القوات نجح في «جذب انتباه البيت الأبيض، حيث سبق أن تجاهل بايدن نظيره الروسي إلى حد كبير؛ لكنه يمثل أيضًا «تحذيرًا واضحًا لكييف ليس فقط بعدم إلغاء وقف إطلاق النار مع الانفصاليين الموالين لروسيا الذين استولوا على أراض في أوكرانيا، ولكن أيضًا رسالة إلى واشنطن وأوروبا بعدم منح أوكرانيا الضوء الأخضر للقيام بالوقوف في وجه روسيا». وفي هذا الصدد، كان هناك ثناء على إدارة بايدن التي حملت موسكو مسؤولية أفعالها أكثر من الإدارة السابقة. وعلقت «ديبورا هاينز» في شبكة «سكاي نيوز»، على أن هذه العقوبات «تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى الرئيس بوتين مفادها أن سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا في عهد بايدن ستكون مختلفة تمامًا عن سياسة سلفه»، وخلص «ستيفنز»، أيضًا إلى أنها تحمل «إخطارا لموسكو بأن واشنطن سترد بقوة على الهجمات السيبرانية والتدخل في الانتخابات الأمريكية». ورأى «برايان أوتول»، من «المجلس الأطلسي»، أنها تمثل «إجراء يستهدف البوتينية بجميع أشكالها كوسيلة لاحتواء الهجمات الأوسع نطاقًا على الديمقراطية والنظم ذات النمط الغربي وقواعد النظام الدولي». من جانب آخر، تم انتقاد العقوبات الاقتصادية لعدم قدرتها بما يكفي لردع بوتين. ووصف «سانجر»، و«كرامر»، الإجراء بأنه مجرد «طلقة تحذير وليس عقوبة صارمة»، بالنظر إلى أن الحظر لن يدخل حيز التنفيذ إلا في منتصف يونيو 2021». ووصفتها «إيمي ماكينون» في مجلة «فورين بوليسي»، بأنها «مُخجلة بشكل خاص؛ لأنها لم تصل إلى حد الوقف الكامل لنشاط المؤسسات المالية الأمريكية العاملة في روسيا»، مما يعني أن العقوبات الجديدة لا تشكل ضربة قوية للمنظومة المالية للرئيس بوتين. علاوة على ذلك، انتقدتها «ماكينون» لافتقارها إلى أي رد انتقامي على الادعاءات القائلة بأن مسؤولي المخابرات الروسية قدموا مكافآت للمقاتلين الأفغان لاستهداف العسكريين الأمريكيين. ومع وجود مثل هذه الأسباب، لم يتضح ما إذا كانت هذه العقوبات سيكون لها تأثير لردع تصرفات موسكو على الصعيد الدولي أم لا. وأشار «سانجر»، و«كريمر»، إلى أن الجهود المماثلة التي بذلتها الإدارتان الأمريكيتان السابقتان قد «أخفقت جميعها في جعل موسكو تُعيد التفكير بشأن الإجراءات العدوانية المتزايدة». وبالمثل، قال «هاينز»، إن «هذه الكلمات القاسية والضربات الاقتصادية والاستهجان الدبلوماسي أمر مشكوك فيه أن يكون كافيا لتغيير تصرفات الكرملين». كما رفضت المسؤولة السابقة في الشأن الروسي بالاستخبارات الوطنية الأمريكية، «أنجيلا ستنت»، وجود تأثير طويل المدى للعقوبات، قائلة: إن «هذه العقوبات عقابية وستضر بالاقتصاد الروسي، لكنها لا توفر أي حافز لتنتهج موسكو سلوكا أفضل»، كما انتقد «تيم موريسون»، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد ترامب، العقوبات الاقتصادية باعتبارها «ليست قاسية». وبهذا المعنى، علقت «ماكينون»، بأن «العقوبات على موسكو لم تصل إلى حد الضربة القاتلة لنظام بوتين، وأنها كانت أقل مما كان يأمله العديد من المسؤولين الأمريكيين»؛ لكنها أشارت إلى أن واشنطن تترك «الباب مفتوحًا لزيادة الضغط في المستقبل إذا واصلت روسيا مسار المواجهة والصدام الذي طال أمده». ورغم انتقاد هذه العقوبات، فقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي، «جيك سوليفان» أن روسيا ستشهد لاحقًا تداعيات «أشد قسوة جراء أنشطتها الدولية العدائية». كما حذرت «هاينز» أيضًا من أن «الفشل في فرض ثمن باهظ بما فيه الكفاية جراء النشاط العدائي الذي يمارسه الكرملين يهدد بوجود انطباع بأنه يتم التسامح مع السلوك العدائي الروسي». ورغم حالة العداء المتزايد بين واشنطن وموسكو عرض بايدن عقد اجتماع وجها لوجه مع نظيره الروسي في مكان محايد. وسيمثل هذا الاجتماع الأول لرئيس أمريكي وروسي منذ ثلاث سنوات. وأوضح كل من «صباغ» و«روث»، أنه في حالة انعقاد مثل هذه القمة بالفعل، «ستكون مختلفة تمامًا عن اللقاءات الجنونية التي عقدها بوتين وترامب عام 2018، حيث صرح الأخير وقتئذ بشكل لا يُنسى بأن بوتين لم يتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 لحسمها لصالحه. ووفقا للعديد من المحللين، فإن هذه الخطوة يمكن أن تنزع فتيل التوترات بين الجانبين. وفي حال رفض الروس هذه الخطوة سيُلقى باللوم عليهم في تنامي حالة التصعيد الراهنة. ووصف «هاينز» هذا الاقتراح بأنه «جدير بالثناء»، حيث إن الحوار أفضل من التورط في مزيد من التدهور في العلاقات. علاوة على ذلك، يأتي هذا العرض كما كتبت «لورا كيلي» و«ماجي ميلر» في مجلة «ذا هيل» ليوضح أن بايدن «يحاول تحقيق حالة من التوازن الدقيق في مواجهة الروس عبر السعي إلى الحوار». ونشرت صحيفة «فايننشيال تايمز» مقالا بعنوان «بايدن لن يغير بوتين، ولكنه محق في خطوة التحدث إليه»، موضحة أن «الرئيس الروسي ليس على وشك تغيير أساليبه، وأن على الولايات المتحدة وأوروبا التعامل معه، وأن عرض بايدن لعقد قمة في بلد محايد يبدو إجراء محسوبًا لتجنب شعور بوتين بالغرور، سواء نجحت تلك القمة أم لا، كما أن مثل هذه القمة ستوفر وضوحًا لمستقبل العلاقة بين البلدين. ويبدو بالفعل أن موسكو قد رفضت عرض بايدن، حيث لم يكن هناك رد رسمي من روسيا على مثل هذا الاقتراح حتى تاريخه. على العموم، تعد عقوبات بايدن ضد روسيا جراء أفعالها الدولية على الأرجح بداية تحذيرية لها من أن الموقف الأمريكي السابق لترامب من التدخل الروسي وأعماله العدوانية داخل أوروبا انتهى حقًا. وعلى الرغم من تشكيك بعض المحللين في قدرتها على ردع موسكو لإنهاء أعمالها ضد الدول الغربية، إلا أن هذه الإجراءات العقابية تظهر أن البيت الأبيض سيكون أكثر ذكاءً من سابقه في الرد على التجاوزات الروسية.  ومع ذلك، تظل الحقيقة، كما هو الحال مع الإدارات الأمريكية السابقة، أن هذه الإجراءات لا تزال تعتبر رد فعل، وليس أمرًا استباقيًا من جانب واشنطن. 

مشاركة :