تعدّدت المؤتمرات والندوات والحوارات التي أجريت على أرض المملكة أو برعايتها ومشاركتها من أجل خدمة الدين الإسلامي الحنيف وخدمة قضايا المسلمين في كل مكان، والعمل على حل خلافاتهم ودعمهم بكل السبل. وقد سار كلُّ ملوك المملكة على هذا النهج وأولوا الاهتمام الأول لخدمة الإسلام والمسلمين. وقد كان الدعم السعودي لقضايا المسلمين في كل أنحاء العالم سخيًا ومتدفقًا ومثّل على الدوام النموذج الأكثر فاعلية في التضامن والتكاتف وإغاثة المحتاج. واهتمت قرارات مؤتمرات القمم والمؤتمرات الإسلامية بأمر القضية الفلسطينية، وقضية القدس التي لقيت ولاتزال عناية خاصة واهتمامًا خاصًا من لدن الدول الإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي لها وجود متميز وحضور فاعل في كل مؤتمرات القمة الإسلامية، وفي اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية. وتتعدد القضايا مثل الصراعات بين المسلمين ودعم اللاجئين ومكافحة العنف والإرهاب ونشر السلام الإقليمي والدولي وغير ذلك. ونلقي الضوء في هذا التقرير على بعض النماذج من المؤتمرات الإسلامية المهمة التي شكّلت أهمية كبيرة فى مسيرة العمل السعودي المتميز والدائم لخدمة الإسلام باعتبارها أرض مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة الإسلامية السمحة. مؤتمر القمة الإسلامي الثالث وهذا المؤتمر التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي كان من أهم الأحداث الإسلامية التي شهدها العالم الإسلامي في عهد الملك خالد، وعقد في مكة المكرمة والطائف في الفترة من 19 - 22 ربيع الأول 1401هـ، بحضور ملوك ورؤساء وأمراء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد تميز هذا المؤتمر بانعقاده في رحاب الحرم المكي الشريف، اجتمع لأول مرة في تاريخ الإسلام ملوك وأمراء ورؤساء وقادة الدول الإسلامية، في أروع صورة عبرت عن تضامن المسلمين ووحدتهم وتكاتفهم. وافتتح المؤتمر الملك خالد - يرحمه الله - كما رأس جلسته الأولى التي عقدت في الطائف، وتميز هذا المؤتمر بعدد من الإجراءات التنظيمية منها انعقاده تحت شعار دورة فلسطين والقدس الشريف، وصدر منه قرار بعقد مؤتمر القمة الإسلامي مرة كل ثلاث سنوات بصورة دورية. وانتهى مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بإعلان وثيقة تاريخية سميت (بلاغ مكة المكرمة) جاءت على صيغة إستراتيجية إسلامية تعتبر بمثابة خطة عمل دائمة للدول الإسلامية في تضامنها وتكاتفها والتزامها بمسؤولياتها تجاه مختلف القضايا الإسلامية. واتفق قادة الأمة الإسلامية على الدفاع عن قضايا أمتهم في ذلك الوقت وفي مقدمتها قضية القدس وفلسطين وأفغانستان والحرب العراقية الإيرانية والوضع في لبنان والأقليات المسلمة في العالم. وقد جاء بلاغ مكة المكرمة كنتيجة للجهود المتواصلة التي بذلتها المملكة منذ تأسيسها في سبيل تضامن المسلمين والسعي لتوحيد كلمتهم، فكان لهذه الجهود أن أثمرت، ووصلت إلى مثل هذا البلاغ الهام الذي يعد شاهدًا على إخلاص المملكة وقادتها لدينهم الحنيف ثم لأمتهم الإسلامية المجيدة. المؤتمر الإسلامي للحوار وافتتحه خادم الحرمين الشريفين الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - في مكة المكرمة في يونيو من عام 2008 ليكون منطلقًا للحوار الإسلامي مع أتباع الديانات والحضارات الأخرى. وعقد المؤتمر على مدى ثلاثة أيام بمبادرة من الملك الراحل عبدالله لتأصيل الحوار وتوجيهه ليكون وسيلة فاعلة في معالجة المشكلات التي تعاني منها البشرية وجسرًا متينًا يحقق تعاون الدول والمنظمات والمجتمعات على اختلاف ثقافاتها فيما تجتمع عليه من قيم إنسانية مشتركة تحقق العدل والأمن والسلام البشري. وركز برنامج المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار على التأصيل الإسلامي للحوار ووضع خطط مستقبلية موضوعية حيث إن النهج الإسلامي هو النهج الذي تلتزم به رابطة العالم الإسلامي في جميع مناشطها ومؤتمراتها. كما يناقش المشاركون في المؤتمر محاوره الخمسة الخاصة بالتأصيل الإسلامي للحوار ومنهج الحوار وضوابطه وأطراف التحاور ومجالات الحوار والأسس التي تقوم عليه. وأكدت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي أن ما تسعى إليه في مجال الحوار مع أتباع الأديان والحضارات والثقافات الإنسانية يتوافق مع اهتمام قيادة المملكة في الدعوة إلى الحوار والعودة إلى الله سبحانه وتعالى لترسيخ الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية السامية والاهتمام بشؤون الإنسان والأسرة التي هي أساس المجتمع بما يحفظ كرامة الإنسان ومكارم الأخلاق ويعزز التعاون والتعايش بين الشعوب. وقد ساهم المؤتمر في جعل الحوار وسيلة فاعلة لمعالجة المشكلات الكبرى التي تعاني منها البشرية وجسرًا متينًا يحقق تعاون الدول والمنظمات والمجتمعات على اختلاف ثقافاتها فيما تجتمع عليه من قيم إنسانية مشتركة تحقق العدل والأمن والسلام البشري إلى جانب جعل الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات هو البديل عن دعوات الصراع التي تهدف إلى العبث بالعلاقات السلمية بين المجتمعات الإنسانية وأتباع الأديان المختلفة وشارك في هذا المؤتمر العالمي الكبير أكثر من 500 شخصية إسلامية تدارسوا وقيِّموا التجربة السابقة وفق رؤية متكاملة لمشروع الأمة في القرن الحادي والعشرين للتعريف بالإسلام عبر جهاد الكلمة وعبر الحوار. ومن أهم ما سعى إلى تحقيقه المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي ضم هذا التجمع الكبير لرواد الأمة ومفكريها التأكيد على أصالة مفهوم الحوار مع الآخرين في القرآن والسنة والنبوية وإبراز ضوابطه وآدابه واستلهام العبر والأحكام من معين الأصول الإسلامية ودراسة الإشكالات المتعلقة بمسائل الحوار وتقديم الأجوبة الشرعية المرشدة لتحقيق مقاصد الشريعة ومصالح الأمة المسلمة ودراسة تجارب الحوار السابقة، والوقوف على سلبياتها وإيجابياتها، ووضع خطة موحدة للنهوض بمستقبله وتطويره من خلال تجميع الخبرات السابقة والإفادة منها والتنسيق بين المؤسسات الإسلامية المعنية بالحوار ووضع آلية يمكن من خلالها توحيد الصف الإسلامي والظهور أمام الآخرين بموقف النِّد ودراسة وسائل استثمار الحوار بالتعريف بالإسلام وتصحيح الصور المغلوطة عنه وتقديمه أنموذجًا قادرًا على معالجة مختلف التحديات التي يحار العالم اليوم في التصدي لها وتقويم جدية الجهات المحاورة ودراسة سبل فتح قنوات حوارية جديدة مع مختلف الفئات المؤثرة في مجتمعاتها وتعزيز جهود الهيئات والدول الإسلامية في توجهها لإنشاء مراكز للحوار مع الآخرين، مع التأكيد على التقيد بالضوابط الشرعية. مؤتمر قمة التضامن الإسلامي وهو المؤتمر الذي عقد في مكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - فى منتصف أغسطس عام 2012 حيث صدر في ختام أعمال المؤتمر بيان يعزز التضامن الإسلامي ويؤكد على تحمل الإعلام عبئًا كبيرًا في تحقيق غايات التضامن الإسلامي وعلى تعزيز الأسس والمبادئ المسؤولة. وفى المجال السياسي أكد المؤتمر على أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، وعليه فإن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، يعتبر مطلبًا حيويًا للأمة الإسلامية قاطبة، ومن شأن تسوية هذه القضية وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية وخطة خارطة الطريق أن يساهم في إحلال السلم والأمن العالميين ويمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، كما دعا المؤتمر لبذل الجهود من أجل استعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها الإسلامي والتاريخي والعمل مع المجتمع الدولي من أجل حمل إسرائيل على وقف الاستيطان وتفكيك المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل ورفع الحصار عن غزة. وأكد المؤتمر على ضرورة صون وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، كما دعا المؤتمر الدول الأعضاء التي ترتبط بعلاقات سياسية ودبلوماسية ومصالح اقتصادية مع حكومة ميانمار إلى استخدام هذه العلاقات لممارسة الضغط عليها لوقف أعمال التنكيل والعنف ضد مسلمي الروهنجيا في ميانمار. وأكد المؤتمر على تضامنه ودعمه التام للسودان والصومال وأفغانستان وجامو وكشمير، والعراق واليمن وساحل العاج واتحاد جزر القمر وجمهورية قبرص التركية في التصدي للتحديات التي تواجه هذه الدول. وفي شأن الإصلاح شدد المؤتمر على أن الإصلاح والتطوير أمر متجدد ومستمر ويقع على عاتق أبناء الأمة دون غيرهم ووضع الخطط والبرامج العلمية والعملية التي من شأنها تحقيق نهضتها ورفعة شأنها مسترشدين في ذلك بهدي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. كما أكد المؤتمر على أهمية التصدي للإرهاب ولكل ما يبث ويروج للفكر المنحرف بكافة الوسائل المتاحة، ودعا إلى تطوير المناهج الدراسية بما يرسخ القيم الإسلامية الأصيلة في مجالات التفاهم والتسامح والحوار والتعددية، ومد جسور التواصل بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة بما يعزز وحدتها وتضامنها من خلال عقد الندوات والمؤتمرات التي من شأنها أن توضح هذه القيم. كما يدعو للتصدي للتطرف المتستر بالدين والمذهب، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وتعميق الحوار بينها وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح. كما أكد أن حوار الحضارات هو السبيل الأمثل لتجسيد قيم الاحترام والفهم المتبادلين والمساواة بين الشعوب لبناء عالم يسوده التسامح والتعاون والسلام والثقة بين الأمم. ندوة الحج الكبرى وهي ندوة سنوية دأبت وزارة الحج في المملكة على عقدها بمشاركة كبار علماء ومفكري ومثقفي وأدباء العالم الإسلامي خلال مواسم الحج، ويأتي ذلك تأكيداً للدور الشامل الذي يتضمنه مفهوم الحج بصفته تجمعًا دينيًا وعلميًا يتم عبره التعارف والتواصل الديني والمعرفي بين المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها. وتأتي هذه اللقاءات المعرفية لتتيح لكافة المهتمين والمتخصصين في العالم الإسلامي تدارس ومناقشة القضايا المختلفة ذات الصلة بالحج والحجاج التي تهم المجتمع الإسلامي في كل أرجاء العالم، كما تهيئ لهم تبادل الخبرات والتجارب لمواجهة التحديات التي تهدد العقيدة والأمة والثقافة. وتسعى المملكة من وراء ذلك الى إبراز الدور الثقافي والحضاري الذي تضطلع به المملكة لخدمة الحج والحجيج، والتأكيد على الدور الثقافي والحضاري للمدينة المقدسة وأبنائها عبر العصور المختلفة، وإبراز أهم الإنجازات والمشروعات الرائدة والتطورات المتلاحقة في الحرمين الشريفين لخدمة المسلمين. وتهدف الندوة أيضاً إلى ترسيخ مبدأ الحوار الفكري الهادئ لقضايا الأمة الإسلامية من خلال موسم الحج عبر تواجد هذه الأعداد الغفيرة من الحجيج، والتواصل العلمي البنّاء مع المؤسسات والمحافل العلمية والباحثين المتخصصين في معظم دول العالم وكذلك تحقيق المزيد من التكامل والتآخي والتعارف بين أبناء الأمة الإسلامية. وتعمل الندوة على إرساء قواعد العمل الجماعي الموحد لأبناء العالم الإسلامي في الرد على الشبهات التي تحوم حول العقيدة والأمة والثقافة. وقد بدأت هذه الندوة منذ عام 1390هـ الموافق 1970م. واعتادت الأمانة العامة لندوة الحج الكبري عقد ملتقيات ثقافية بهدف التواصل والتعارف بين ضيوف الندوة في كل من مكة المكرمة والمشاعر المقدسة (منى) والمدينة المنورة، حيث إن ارتباط المسلمين بالأماكن المقدسة منذ بزوغ فجر الإسلام له تأثيرات ثقافية قيمة أسهمت في تشكيل الحركة العلمية والثقافية فيها؛ إذ حظيت بكثير من المؤلفات التي عنيت بجوانبها التاريخية والحضارية والاجتماعية، وواصل الدارسون والباحثون في هذا العصر عملهم بالوقوف على دراسة ما يتصل بتاريخها وحضارتها وثقافتها على مر العصور. ولعل العناية بتاريخ مكة المكرمة وجغرافيتها وآدابها وتراثها الفكري والعمراني وكذلك المدينة المنورة من الواجبات الملقاة على عاتق الباحثين والدارسين ومراكز الأبحاث، وهي وسيلة لمواكبة تراثها العلمي مع بنائها الحضاري المتميز والجهود التي بذلتها حكومة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- وخلفائه من بعده - رحمهم الله- وما تزال تتواصل بحمد الله وفضله في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله وسدد خطاه- والتي تظل شواهد للدلالة على الدعم غير المحدود والعناية الفائقة بالأماكن المقدسة وسكانها وزائريها. مؤتمر الإسلام ومكافحة الإرهاب وهو المؤتمر الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ونظمته رابطة العالم الإسلامي على مدار سبع جلسات بمقر الرابطة في مكة المكرمة في شهر مايو الماضي على مدى أربعة أيام. وقد كان اختيار موضوع مكافحة الإرهاب استشعارًا من القيادة الحكيمة بالأحداث الدقيقة والحرجة التي يمر بها العالم حاليًا، جراء الأعمال الإرهابية التي شوّهت صورة الإسلام أمام الآخري، حيث إن مواجهة الإرهاب ضرورة شرعية ومطلب إسلامي، وحضر المؤتمر شخصيات إسلامية وأمنية من كافة بلدان العالم الإسلامي للتباحث والتشاور وتبادل الخبرات بشأن ستة محاور تضمنها هذا المؤتمر. وتخلل المؤتمر انعقاد ورش عمل ناقشت موضوعات تطبيق الشريعة والحكم الإسلامي والدولة في الرؤية الإسلامية المعاصرة ومفهوم الجهاد في الشريعة الإسلامية وأفضل الوسائل لعلاج الإرهاب وتجارب مكافحة الإرهاب ودور الإعلام في مواجهته. واستطاع المؤتمر أن يركز بشكل واضح على جهود المملكة في مكافحتها للإرهاب، وما تعيشه من أمن واستقرار. ومن عناوين ورش العمل كان «تطبيق الشريعة والحكم الإسلامي الرشيد» و«الأسباب الدينية للإرهاب» و«الأسباب الاجتماعية والاقتصادية و»تجارب مكافحة الإرهاب.. السعودية أنموذجًا» و«مفهوم الجهاد في الشريعة الإسلامية (ضوابطه، أحكامه، آدابه» و«الأسباب التربوية والثقافية والإعلامية» و«الإرهاب والمصالح الإقليمية والعالمية».
مشاركة :