الذين يحجّون ولا يحجّون

  • 9/23/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«1» إنّ الله لا يُغيّر ما بـ: «المسلمين» حتى يغيّروا ما بأنفسهم مما هم عليه أثناء تأديتهم: «حجّهم» ذلك أنّ في: «أعمال الحجِّ» ما يُغني عن التفصيل شرحاً في أحوال: «العالم الإسلامي» فمن شاء منكم أن يتبيّن أوضاعنا على النحو الذي يتكشّف من خلاله ما كان مستوراً فلينظر في سلوكيّات الحُجّاج في أيامهم المعلومات/ المعدودات بوصفها: «ترمومتراً» لقياساتٍ محايدةٍ ليس من شأنِها أن تجامل أحداً.. ويمكنك أن تتأكّد من دقّة هذا: «القياس» وصواب المعياريّة فيه لمّا أن تتساءل عن حال من أدرك الأشهر المعلومات لـ: «الحج» وفرض فيهن الحجَّ كم كان نصيبه من: «الرفث/ والفسوق»؟! وإلى أيّ مدىً استغرق: «الجدل العقيم» أوقاته فأوشك بالتالي أن يأتي عليها كلّها؟ ومن منهم بدفعٍ من فتاوىً شكليّةٍ قد استوعب المعنى الذي من أجله: «حجّ» فكان خير زاده التقوى؟!! في ظلّ أسئلةٍ لم تشبّ عن طوق مضايق سؤال: «كيف أحج» نزوعاً ظاهراً في جملةٍ كبيرة منها إلى مخالفة فقهيات التيسير المناط بتحقيق: «افعل ولا حرج»! فيما تغيب ما تدعو إليه الحاجة من نوع تلك الأسئلة المعنيّة بالبعد المقاصدي حيث السؤال المفصلي عن: «لماذا أحج»؟ ولئن كان ثمّة مقاربة لأسئلةٍ قد تأتي من هذا النوع فإنها مقاربة تأتي على استحياءٍ/ ووجل عطفاً على أنّ: «درسنا الفقهي» هو الآخر لم يألف مثل هذه الأسئلة بدعوى الخشية من لوازمها/ ومقتضياتها.! وعلى أي حال.. فإنّه ليس بالإمكان أن يستقيم أمر: «التزوّد بالتقوى» إذا ما كان كاهل: «الحاج» مثقلاً بمظالم العباد والتعدي على حقّوقهم! سيّان أكان قبل الحج أو أثناءه أو من بعده. «2» لا جرم أنّ الحجّ فريضةٌ قد اجتمعت فيها أجل معاني العبادات كلّها وتعلّقت بمنوطاتها جميع مقاصد التشريع على نحو من دلالاتٍ كان من شأنها أن استوعبت دال: «التقوى» وما يثمر عنها وآية ذلك الاستيعاب أنّ: «الحج» كان محطّة للتزوّد من: «التقوى» على امتداد الحياة كلها ومن هنا كان: «الحج» في العمر مرة واحدة! كما أنّ العبوديّة هي الأخرى تتجلى في: «الحج» وفي أقصى درجات كمالاتها خضوعاً وامتثالاً حتى إنّ الحاج ليأتي أفعالاً ليس يعقل لها معنىً ولا هو بالذي يدرك لها علّةً سوى أن الله تعالى أمره بذلك مما يظهر معه كمال الرق والعبودية تعظيماً لله ولشعائره. «3» بالأمس كانت: «الطائفيّة» هي المفردة الأكثر تداولاً في العالم الإسلامي ولم تزل بعْدُ طريّة التداول لتأتي: «العنصريّة وأدواء التمييز» في مرتبة تليها من حيث التداول/ والتعامل.. بينما مضى: «الحجاج» إلى بيت الله الحرام وكثيرون منهم ما استطاعوا أن يتطهّروا من أوساخها في حين أن: «الطائفية والمذهبية والعنصرية والقبلية وما شابهها» تسقط كل اعتباراتها في: «الحج» حيث القدسية لمكانٍ يجمع الأبيض والأسود والأحمر والشريف ومن دونه في قيمةٍ واحدةٍ سواسية كأسنان المشط.. وحيث النِّحل والمذاهب تهتدي في مشهدٍ مهيبٍ إذ تتآزر في أيامٍ معلوماتٍ- لتذوب المذهبيات والعصبيات كلّها مجتمعةً في رداء الانتماء إلى: «الإسلام العام» فها أنت تراهم صفاً واحداً يمّموا وجوههم شطر كعبةٍ واحدةٍ وبأقدامٍ متراصّة لا يفصل بينها شيء يؤدون صلواتهم بتكبير واحد وتسليمة واحدة.. وحول ذات الكعبة كتفاً إلى كتفٍ يطوفون.. وهكذا هم بينهم في بقية المناسك دفعا ووقوفاً وازدلافاً لا افتراق بينهم يُعلنون وفق توقيتٍ واحدٍ ومكانٍ واحد ولسانٍ واحدٍ طواعيةً لا إكراه سياسي فيه يعلنون عن الاتحاد في طاعة الله تعالى صورةً مثلى تتجلى من خلالها عبوديّة التعاون على البر والتقوى لا على قطيعة الإثم والعدوان. لا شيء إذن هو أجمل وأجل من الاصطفاف تأدية لمناسك: «الحج» خلف نبيٍّ واحدٍ أمر الجميع بقوله: «خذوا عنّي مناسككم»! «4» أستطيع القول: إنّ الذي يؤجج نار: «الفتنة» ويوغر القلوب فيما بين: «المسلمين» على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وبالتالي يعملُ عصا الفرقة فيهم إذ يشق صفوفهم فيفشلهم بالتنازع الذي يأخذهم بعيدا إلى حيث يكون ذهاب الريح.. إنّ الذي يُسأل عن كل ذلك ولا ريب ليس عدواً يأتي من خارجنا بل هو العدو الداخلي الذي أوجز القرآن التعريف به إذ نعته بـ: «التنازع» والذي يُسبق بـ: «الجدل» أداته الحادّة. وما ينشأ عنه عادة من توظيفٍ للاختلافات بين أهل القبلة في إحداث مزيد من التفرقة بدعاوى أن الحق تمتلكه طائفة دون الأخرى فما يكون من السياسي إلا الدخول على الخط لينفخ خلال الرماد مستثمرا تلك: «الصراعات الطائفية/ المذهبية» في غاياتٍ ليس الدين فيها غير شعارات طالما انخدع بها السّذج فخسروا: «دنياهم» فيما مصير الآخرة غيب وأمره إلى الله وحده! هذا: «الجدل» المفردة الأولى في كلّ صراعاتنا هو الذي لا يجتمع والحج المبرور-: «فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».

مشاركة :