فِضَّةُ الكلام وذَهَبُ السكوت

  • 9/21/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المثل الشائع «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» يتردد كثيرا ويتكرر في كل زمان ومكان، حتى بدا وكأن السكوت هو القاعدة، والكلام شذوذ عن هذه القاعدة. الأمثال الشعبية تنطوي في غالبها على تجربة إنسانية مكثفة عند كل الشعوب إلا القليل، ومَثَلُنا هذا منها، في اعتقادي، وترديد هذا المثل عبر الزمن منحه قدرا من الشرعية والرسوخ في أذهان الناس مع ما يشوبه من اعتلال منطقي، في نظري. الرُّسُل والأنبياء بُعِثُوا متكلمين ولَم يُبْعَثُوا ساكتين، العلماء والمفكرون والمصلحون لم يصلوا بعلمهم وأفكارهم للآخرين بالسكوت، بل بالكلام. التعليم في كل مراحله لا يكون إلا بالكلام، الكلام هو وسيلة الاتصال بين البشر، إعلاء قيمة السكوت على الكلام فيه ظلمٌ بَيِّن على الكلام، ما يستوجب رفع الظلم عنه. قصة المثل كما تقول بعض الروايات: إن عجوزا عاش وحيدا وسئم الوحدة، وأستأجر حكواتيا ليتحدث إليه، وكان يأتيه كل يوم يسرد عليه قصصا وإذا انتهى أعطاه أجره، وبعد فترة مَلَّ هذا العجوز وعندما أتاه هذا الحكواتي، طلب منه السكوت وانتهى الوقت المحدد وضاعف العجوز له أجره، فقال الحكواتي: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وأصبحت هذه المقولة مثلا سيارا على الألسنة، في حين أن القصة إن صحت الرواية، لا توحي بإعلاء السكوت على الكلام. السكوت كما يعرفونه هو ترك الكلام مع القدرة عليه، لكن دلالة المثل قد تختلف مع هذا التعريف، قد يكون السكوت مطلوبا حين تكون في حضرة من لا يريد أن يستمع إليك، وإلا كنت من الثقلاء. إن تكلمت، والكلام متى ما كان لمجرد الكلام فالسكوت أفضل، لكنها تبقى حالات نادرة ولا يصح القياس عليها «تحدث حتى أراك» كما قال سقراط. شيخنا الجاحظ له التقاطة حول هذا الموضوع يقول «إنّك بالكلام تُخْبِرُ عن الصمت وفضله ولا تُخْبِرُ بالصمت عن الكلام وفضله» ليس في مقدور أي أحد أن يُحدِّد للآخرين متى يتكلمون ومتى يسكتون، وعن أي أمر يتكلمون. حتى يكون الكلام ذهبا، علينا العمل بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فَلْيَقُلْ خيرا أو ليصمت» لكن الواقع بطبيعته قد نجد فيه من هذا وذاك، البعض حين يتحدث لا تَوَدُّ أن يتوقف لجمال حديثه ولغته وحيوية أفكاره، والبعض ودك تهمس في أذنه «يا زِينَكْ ساكِت».

مشاركة :