كم قتل (الخمير الحمر) عشرات الآلاف؟»، سأل هنري كيسنجر في 1975 في جلسة مع وزير خارجية تايلندا حين مناقشة الإبادة في كمبوديا. «يجب ان تبلغ الكمبوديين اننا نمد يد الصداقة لهم... هم عصابة اجرامية قاتلة، ولكننا لن نقف في طريقها». واليوم، يوجه فلادمير بوتين رسالة مماثلة الى المجتمع الدولي اذ يستعد لرئاسة مجلس الأمن في نهاية هذا الشهر. ومفاد هذه الرسالة: لنتحالف مع الرئيس السوري ولو كان دموياً... ورسالة الرئيس الروسي هي ابرز معضلة يواجهها السياسيون الغربيون إذ يجبهون تداعيات الحرب في سورية. وتصدرت اولويات كيسنجر في 1975 استخدام «الخمير الحمر» لموازنة فيتنام الشمالية. وأولوية بوتين اليوم هي اخراج صورة الأسد على انه الحصن المنيع امام «داعش»، وجعل بلاده ركن استراتيجية دولية جديدة في سورية. وأمل كثر بأن يعد سيد الكرملين العدة لسورية ما بعد الأسد ويعبد الطريق امام تسوية. ولا شك في ان الرئيس الروسي يرغب في اعتراف دولي بمكانة بلاده. فهو ساعد في 2013 باراك اوباما في التملص من توعده سورية بضربات جوية، وأعد اتفاقاً يسلم الأسد بموجبه ترسانته الكيمائية. ويعم الدوائر الغربية السياسية ملل وإعياء من المسألة السورية. ولذا، حظوظ تصديق زعم بوتين انه يملك خطة وحل، كبيرة. ولسان حاله:» من يسعه رفض قتال داعش في حلف أوسع؟ ولا شك في ان الغرب اخفق في المنطقة، ولكن الرئيس الروسي ليس المخلص. وتغيب المؤشرات إلى استعداد بوتين لإطاحة الأسد أو استبداله. وفي صيف 2012، حين التقت القوى الكبرى في جنيف لمناقشة حكومة وحدة وطنية سورية، حرص الروس على ان الاتفاق لن يقضي برحيل الأسد. وحمت موسكو الرئيس السوري. فإثر اطاحة نظام القذافي، يمثل الأسد مركز نفوذ روسيا الأخير في المنطقة والفرصة الأمثل لإثبات هشاشة موقف الغرب وتقلب ولاءاته. وملهم بوتين الكبير في شؤون الشرق الأوسط هو يفغيني بريماكوف، وزير الخارجية الروسي السابق وركن من اركان سياسات الـ «كي جي بي» في المنطقة. وتوفي بريماكوف في مطلع العام، وهو أدى دوراً بارزاً في توثيق العلاقات بين الاستخبارات الروسية والاستخبارات السورية. وفي كتابه «روسيا والعرب»، دار كلامه على ان دور روسيا في المنطقة هو مرآة مكانتها الدولية وقدرتها على التصدي للنفوذ الأميركي. وبريماكوف كان وراء التنديد الروسي بالربيع العربي في 2011 واعتباره مؤامرة غربية ترمي الى تغيير الأنظمة. ووصف بوتين في مقابلة اجريت معه اخيراً تصوره عن «العملية السياسية»: انتخابات برلمانية مبكرة وعلاقات مع ما يسمى معارضة معتدلة وإشراكها في ادارة البلاد بالتوافق مع الأسد. ومفاد كلامه هو دعوة الى انتخابات مزورة وائتلاف حكومي وهمي في بلد تمزقه الحرب وتذرره. وثمة تباين في تعريف مكافحة الإرهاب الغربي ونظيره الروسي. فعلى خلاف الغرب، وهو يقصد بمكافحة الإرهاب مقاتلة «داعش»، يرى كل من الأسد وموسكو ان الإرهاب هو كل معارضة سياسية. فالرئيس السوري رفع لواء محاربة الإرهاب في حرب أودت بعشرات آلاف السوريين ودمرت مدناً عن بكرة أبيها وذبحت عائلات. وهذه الحرب هي توأم حرب بوتين في الشيشان. والغرب سيشارك في مثل هذه الحرب إذا تحالف مع روسيا والأسد. ويرفد الأسد و»داعش» واحدهما الآخر ويغذي واحدهما الآخر. فالمنطق الروسي يؤجّج العنف الإسلامي المسلح، عوض تقليصه. وحري بالتعاون الذي ترتجى منه فائدة مع بوتين ان يقضي بوقف البراميل المتفجرة. ويسعى الرئيس السوري الى حمل الغرب على اعتبار ان ما يجري في بلاده هو مواجهة بينه وبين حركات جهادية متطرف. ولن يفضي اقتراح بوتين دعم الغرب الأسد الى وقف إراقة الدماء في سورية ولن يحل أزمة اللاجئين.
مشاركة :