ملحمة تعج بكثير من الشجن والحزن، تتراقص أحداثها الدرامية على نغمات الربابة، تحمل مع كل مشهد مأساة غربة ولوعة شوق وحنين، وصرخة ثائر متمرد، يتلاطم بين أمواج الحياة "كجلمود صخر حطه السيل من عل"، لكنه شامخ الرأس لا ينحني إلا تواضعا، إنه "موسى"، ذلك الصعيدي العنيد الذي دخل مسلسله بقوة في المارثون الرمضاني هذا العام، مؤكدا أن المسلسلات الصعيدية تبقى ذات جماهيرية وتنافسية لا يمكن أن تخلو سهرتنا منها، منذ أن باتت الدراما الرمضانية جزءا من الشهر الكريم. استهلالية مشوقة "أنا موسى ولد صالحية دوري في سابع أرض وقلبي في السماء زي الطير، اللي يشوفني حجر أبقى صخر واللي يشوفني زرزور أبقى صقر"، بهذه الكلمات استهل الكاتب ناصر عبدالرحمن مسلسل موسى، فجاءت استهلالية موفقة انبثقت على أنغام موسيقى تصويرية تتمازج مع صوت صهيل الحصان وهو يتمايل مسرعا على الرمال الذهبية في الصحراء، مع لقطات تنطق من بين الرمال والصخور والمباني الأثرية القديمة، مدمجة بمشاهد من السماء المدرجة كلوحة فنية مرسومة بريشة الطبيعة، وموقعة من المخرج الواعد محمد سلامة. محمد رمضان صعيدي بامتياز لم تمر لحظات على البداية حتى يكتشف المشاهد، أنه أمام عمل ضخم، بداية بالسيناريو المشوق، وصولا إلى الإخراج الجميل، مرورا بشخصية محمد رمضان الصعيدية التي قدمها بكل مهنية واحتراف، إن في اللهجة أم اللباس، ولم يكن محمد رمضان العنصر الوحيد في المسلسل الذي حافظ على المستوى الرفيع في الأداء، بل جميعهم خبطوا أقدامهم على الأرض ليضيفوا إلى الدراما المصرية الصعيدية بصمة دامغة هويتها "رمضان". اجتماعي وليس تاريخيا "موسى" رجل يعمل في مهنة الحدادة، ينفخ في النار ليلين الحديد، فهو أيضا كالحديد يلين بنار الحب، لكنه قوة لا يستهان بها أمام الظلم، ربما سبق وقدم رمضان تيمة الانتقام من قبل في أعماله، لكن مع "موسى" الأمر مختلف، ربما لاختلاف القصة التي تدور في الفترة من عام 1942 إلى 1952، التي شهدت كثيرا من الأحداث التاريخية والتغيرات العالمية، فانطلقت من الاحتلال البريطاني لمصر، وتطرقت إلى الحرب العالمية الثانية، انتشار وباء الكوليرا، حريق القاهرة، وغيرها من الأحداث التي تؤثر بشكل مباشر في سير أحداث المسلسل، ورحلة أبطاله، وقد نجح العاملون فيه بتقديم عمل فني يبرز تلك الحقبة الزمنية وما بها من أحداث وتغيرات اجتماعية، لكن ليس بتفاصيلها التاريخية، إنما بتفاصيلها الإنسانية، فجاء مسلسل موسى يروي قصة نضال ومواجهة بغلاف اجتماعي إنساني وليس مسلسلا تاريخيا. وفي التفاصيل أن "موسى" شخص من الصعيد توفي والده منذ صغره، ويعمل على تحمل مسؤولية أشقائه ويواجه عديدا من الأزمات، ويتولى جد الشاب تربيته، على حب الوطن والتضحية، لتظهر مجموعة فدائية تقوم بأعمال ضد الاحتلال الإنجليزي في الصعيد، إلا أن حياته تنقلب رأسا على عقب، بعد التقائه بإحدى النساء وانتقاله للعيش في القاهرة، حيث يعمل في التجارة ويصبح من أهم الشخصيات في البلاد. إحياء أدهم الشرقاوي أعاد النجم محمد رمضان في مسلسله موسى إلى الأذهان شخصية "أدهم الشرقاوي"، ذلك البطل الشعبي الذي يتصدى لجنود الاحتلال للدفاع عن قريته، فجاء هذا المسلسل محاولة موفقة إلى حد ما في مداعبة النخوة والبطولة التي عرفناه في ذلك الزمن الجميل، ولعله كان "ضربة معلم" من قبل معدي هذا العمل، وإن بان جليا أن نسخة محدثة من أسطورة تلك الشخصية الشعبية، ومحاولة إحيائها من جديد، حيث يبدو أن جزءا كبيرا من أحداث مسلسل موسى مستوحاة من قصة فيلم "أدهم الشرقاوي" بطولة عبدالله غيث، الذي عرض عام 1964، وأيضا مسلسل أدهم الشرقاوي، بطولة الفنان محمد رجب، الذي عرض عبر شاشات التلفزيون عام 2009. غياب عنصري الإثارة والغموض وعلى الرغم من أنه يؤخذ على مسلسل موسى خلوه من عنصر الإثارة والغموض، إذ إن معظم أحداثه متوقعة نتائجها قبل أن تحدث، إلا أن كاتب السيناريو، ناصر عبدالرحمن أبى أن يخضع لضغوط الجمهور، مصرا على عدم التخلي عن هويته الفنية، رافضا تقديم مسلسل تسير أحداثه وفقا لرغبة المشاهد بذريعة أن ذلك قد ينتج "عملا ضعيفا"، وتجلى التناغم واضحا في حلقات المسلسل بين مؤلفه ومخرجه، إذا تمكن المخرج محمد سلامة من تحويل سطور السيناريو المكتوبة إلى مشاهد معبرة، وسط أداء تمثيلي قوي من كل أفراد عمل المسلسل وعلى رأسهم محمد رمضان وسمية الخشاب. ما بين "موسى" و"لن أعيش في جلباب أبي" ويبقى أنه منذ ما قبل انطلاق عرضه، حجز مسلسل موسى مكانه في حلبة المنافسة بين المسلسلات الرمضانية، لربما الفضل يعود ليس فقط لقصته فحسب، وإنما كان لنجومية محمد رمضان فضل كبير بذلك، ونجاحه في إعادة إحياء صورة نور الشريف لارتدائه ملابس تشابه ملابس الفنان الراحل في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، تماما كما أعادت النجمة هبة مجدي، التي تجسد شخصية شفيقة في المسلسل، صورة ناديه لطفي، من خلال ظهورها بإطلالة مشابهة لإطلالة الفنانة المصرية الراحلة في فيلم "المومياء"، وهو فيلم شهير أخرجه شادي عبدالسلام، وجرى تصنيفه من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. أما القصة فجاءت مشابهة للحارات السورية التي كانت تنطلق في رمضان خلال الأعوام السابقة، فالنساء منقبات والرجل له الحق في تعنيف المرأة، فضلا عن التشابه في فكرة مقاومة الاحتلال، ففي الصعيد يتحدث المسلسل عن مقاومة الاحتلال البريطاني وفي الدراما السورية الاحتلال الفرنسي، وما رافق كل منهما من قتل وغدر وخيانة، لكن الرسالة واحدة وهي تاريخية تنير عقول الجيل الصاعد بتاريخ الشعوب، وهذا ما يطمح إليه المشاهد الباحث عن مسلسل مشوق بأحداثه وقيم بتفاصيله. رمضان والصعيدي يذكر أن مسلسل موسى ثاني الأعمال الصعيدية للنجم محمد رمضان، حيث قدم من قبل مسلسل نسر الصعيد مع النجوم سيد رجب، ودينا، وعايدة رياض، عائشة بن أحمد، ودرة، وعدد كبير من الفنانين، من تأليف محمد عبدالمعطى، إخراج ياسر سامى، وكذلك مسلسل "ابن حلال"، فرغم أن العمل دراما اجتماعية إلا أن بطل الحلقات محمد رمضان كان يتحدث باللهجة الصعيدية. وكان قد قدم في رمضان الماضي آخر أعماله الدرامية مسلسل البرنس وحقق نجاحا كبيرا في حين أن في جعبة عبدالرحمن عديدا من الأعمال التي لاقت قبولا واسعا من الجمهور والنقاد مثل: مسلسل جبل الحلال، وأفلام هي فوضى وكف القمر ودكان شحاتة وحين ميسرة.
مشاركة :