أكد الدكتور أسامة فخري الجندي، مدير عام المساجد والداعية بوزارة الأوقاف، أن من أهم مظاهر الاعتزاز وصور الانتصار في تاريخنا المصري المجيد هو نصر العاشر من رمضان 1393هـ/ السادس من أكتوبر 1973م. وقال الجندي في مقالته الرمضانية العاشرة تحت عنوان "من أسباب النصر في العاشر من رمضان": "لقد اتسمت العقلية المصرية بِفِرَاسَةٍ رائعة ورؤية عميقة في اختيارها السنة والشهر واليوم والسَّاعة (وقد كتبت عن ذلك مقالًا سابقًا)، ومن ثمّ فقد تعددت أسبابُ النصر في تلك المعركة لما كانت تحمله العقلية المصرية الواعية من حُسْنِ تفكيرٍ وتخطيطٍ وترتيب وابتكارٍ وفق الآليات التي كانت متاحةً وقتها، مع قوة وعزيمة وإصرار وحسن توكل واعتماد على الله (عز وجل)، بالإضافة لاستدعاء قيم الضبط والجودة والإتمام والإحكام قدر المستطاع. وأوضح أن نصر العاشر من رمضان كان فتحًا جديدًا لواقع جديد، وكان لصيحة (الله أكبر) دويٌّ زلزل حصون الباطل، وكان لسلطان هذه الكلمة النورانية (الله أكبر) قوةٌ دحرت جبروت العدو، فدخل جنودنا تحت شعار (الله أكبر) وجعلوا أنفسهم في معية الله. وأكمل: لقد تجلى في هذه المعركة هذا الإشعاعات الإيمانية التي لا تصنعها إلا النفوس الراقية الواثقة في ربها سبحانه، إنها قيم التفاؤل والأمل والثقة والتضحية والفداء، فقد كانت هناك مقاييس كثيرة في هذا المعركة إلا أن هناك شيئًا معنويًّا أكبر من هذه المقاييس وأعظم، وهو (الإيمان)، نعم، لننظر معًا إلى تلك القوى المادية الملموسة التي وضع العلم الحديث فيها كل إمكانياته، كيف أنها تحطمت على أيدي جنودنا، لننظر معًا إلى تلك الحصون التي شهدت لها كلُّ العبقريات الماديّة وقتها بالقوة والصلابة، كيف أنها تَهَاوَت على أيدي جنودنا، لننظر معًا إلى ذلك التفوق التكنولوجي وهو يعجز أمام جنودنا وهم واقفون يتحدون الموت ببسالة وقوة وإيمان. ولفت أنه من أجمل ما كُتِب عن هذه الإشعاعات الإيمانية في نصر العاشر من رمضان أن هذا الإيمان هو الذي صَاحَبَ جُنودَنَا في عبورهم، فَحَرَسَهم منذ اللحظات الأولى من موجات السعير التي أراد العدو أن يصليه بها، موضحًا هذا هو الإيمان الذي عزّز الثقة في نفوس جنودنا، فجعلهم يُقدمون على الموت بصدر رحب؛ لأنه أحيا معنى الشهادة في نفوسهم، فهم يقاتلون لينالوا إحدى الحسنيين. هذا هو الإيمان الذي فجر على أيدي جنودنا المعجزات، فلم تعقهم قوى الحصون، ولا ضخامة الحوائل، ولا مرتفعات السواتر، ولا خزانات اللهب، ولا شراسة العدو، ولا كثرة مكره ودهائه عن أن يقوموا بأعظم عملية عبور في التاريخ، متحديين في ذلك لكل الصعاب، ومحققين أعظم المعجزات بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ومفاهيم. وتابع: لم يعقهم حرُّ الصحراء ونقصان الماء عن هدفه؛ لأن الله معهم في وقت الشدة، ولم تعقهم شدة الحصار من حولهم عن أن يستمروا ثابتين كالطود، شامخين كالجبل؛ حيث أمدهم الله (عز وجل) بصبر لا يأخذ منهم الملل، وأمدهم بما يعينهم على اجتياز المحنة بثبات يقوي فيهم روح الأمل، ولم ترهبهم كثرة القاذفات ولا شراسة الدبابات ولا قسوة المعارك وعنف الاشتباكات عن غايتهم. وقال إن الإيمان الذي ظلل المعركةَ كان له آثارٌ عظيمة المدى؛ حيث تم اقتحام هذا العائق المائي واجتياح هذا الخط الرهيب في ساعات معدودات دون خسائر تذكر، فعبر القناةَ آلافُ المقاتلين في زمن وجيز جدًا لا يزيد على ساعات تعد على أصابع اليد الواحدة تحت وابل من الغارات الجوية الرهيبة، وتسابقت الزوارق في مياه القناة تصنع نشيد النصر وتنسج خيوط الفجر الجديد لتاريخ آخر مجيد، وانطلقت إلى الشاطئ الآخر في ثقة وثبات ليحتضن الجنود المؤمنون رمال سيناء الحبيبة، ويقبلوا ترابها الطاهر الذي تشرف بخطى الأنبياء والمرسلين، ويحرروا هذا المكان الذي ذكره الله (عز وجل) في كتابه الكريم، وأقسم به على أن الإنسان خلق في أحسن تقويم، فلقد تحطم خط بارليف نفسه الذي أُنفِقَ عليه مئات الملايين وأُنفِق فيه الجهد والفكر والوقت، وحطمه جنودنا في ست ساعات. وشدد على أن الحديث عن نصر العاشر من رمضان لا تستطيعه الكلمات والعبارات، فاللسان يعجز عن أن يأخذ بنواصي الكلمات التي يستطيع من خلالها استدعاء كل صور الانتصارات الكثيرة ومعاني البطولة العظيمة التي ظهرت في العاشر من رمضان / السادس من أكتوبر، بل إن الحديث عن هذا النصر تقصر دونه الأقلام، فنصر العاشر من رمضان هو معنى من المعاني الإنسانية الرحبة التي تتجاوز حدود القول وترتفع على مستوى الأساليب، هي مثل أعلى، والمُثُل العُليا من شأنها أن يُحِلَّقَ الناس في فلكها ولا يستطيعون الاقتراب منها، هي منبع فياض بالخير والعطاء، وسنظل نرنو إلى مورده بالشوق واللهفة، هي حياة جديدة، ولحن خالد يرسل أنغامه في سمع الزمان ليردد الناس على وقعه نشيد البذل والتضحية والفداء والنصر.
مشاركة :