تتوالى الصور المنقولة من حج هذا العام، فتبهج النفس، وتشرح الخاطر: ملايين المسلمين يتحرَّكون بسلاسة، ويتنقّلون بيسر بين المشاعر المقدسة، تنضح وجوههم بالبِشر والارتياح، وتنطق ألسنتهم بالشكر والإعجاب، صور لا أنقى، ولا أبهى تتكرَّر في كل عام، لتشهد بالجهد العظيم الذي يبذله القائمون على شؤون الحج دون كلل أو ملل. في كل عام تتبارى الحكومة السعودية مع نفسها -إذ لا يوجد مَن يستطيع أن يُقارب التحديات التي تتخطّاها- تتبارى في وضع خطط أعلى طموحًا وأشدّ صعوبة في سبيل تسيير هذا الحدث الأهم على أراضيها المباركة. ما دام هناك مستقبل، فمن المؤكد أن هناك فكرة مستحسنة لتطوير أوضاع الحج والعمرة، من مشروع ضخم يتبعه بناء شاهق، إلى وسائل تفويج مبتكرة تفوق الخيال، وخطط توسعية تتيح الفرص أمام المزيد من الحجاج ليؤدّوا مناسكهم في سهولة وأمان وسكينة. إن ما تقوم به الحكومة السعودية في تسيير هذه الأعداد الكبيرة في مكان ضيّق، وزمن قصير؛ لهو فتح من الله يُقارب المعجزات، والحق أن الحكومة لا تُفاخر بمنجزاتها على سبيل المباهاة والترفّع، فكلُّ مَن فيها يؤمن أن المولى قد اصطفاه لخدمة ضيوف الرحمن، ولسان حاله يقول: «رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ». يقف السعوديون جميعًا، أمراء، ووزراء، وجنود، وأطباء، ومطوّفون، وكشافة، ودعاة، ومرشدون، وشباب متطوِّعين، مُسخَّرين أنفسهم لخدمة القادمين للحج، ولا هدف لهم إلاَّ مرضاة الله تعالى. يتّحد السعوديون ويقفون صفًّا واحدًا وهم عازمون على إنجاح مهامّهم في صمتٍ واحترام، لكن بين الحين والآخر لا يكون هناك مفر من توضيح تفاصيل الجهود لمَن عجزت عيناه عن الإبصار، ومن الرد على أقزام تتعملق لتصمهم بالإهمال، أو عدم الاهتمام. عندما يترصّد الحاقدون بنا، ويفرحون شماتةً لو وجدوا ثغرة يزحفون مُتسلِّلين من خلالها كالثعابين، فلابد حينها من أن نرفع أصواتنا، وننشر البيانات، والرسوم، والصور، والخرائط، والنسب، والأعداد لنسكب التراب في أعينهم الفارغة. متى فرّطت السعودية في أمن وسلامة الحجيج على مدى قرن من الزمان؛ حتى يتطاول عليها أصحاب الدسائس والفتن؟ هكذا تستغل إيران، وأبواقها ظرف الرافعة الطارئ لينفثوا سمومهم، مشكِّكين في قدرة المملكة على حماية الحجيج، وهكذا سنُردِّد باستمرار، ونشرح بقوة كيف أن السعودية تُجنِّد كل إمكاناتها الأمنية، وجميع طاقاتها الخدمية لخدمة بيوت الله، وقاصديها، وكيف أنها تتفرّد بتميّزها في هذه الخدمة، وبطرق غير مسبوقة في التاريخ. حين تضج المشاعر المقدسة بتهليلات ضيوف الرحمن، وتصدح تكبيراتهم في أجوائها الآمنة، تزف السعادة والحبور إلى قلوب السعوديين حكومةً وشعبًا، فيشكرون الله على ما اختصهم به من فضل عظيم. ومع كل توفيق من المولى في مواسم الحج المتوالية، ومع كل سعي يكلّله الله بالنجاح المبهر يجد السعوديون عذرًا لكل مغرض، حَقَد وحَسَد واستشَاط غيظًا. هذا نجاح جديد تضيفه إلى رصيدك الرائع يا وطن، فافرح بأعيادك، واستبشر بأن قافلتك ستسير -بإذن الله- في طريق يزداد خضرة، وعزة، وبركات.
مشاركة :