اليمن.. مفاوضات تحت النار

  • 9/24/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عادت الضبابية لتسود المشهد المتأزم في اليمن، في حين كانت التوقعات تُرجح حسم الوضع لصالح الشرعية، أو على الأقل اطلاق بداية النهاية لانقلاب جماعة الحوثي والمخلوع علي صالح، خصوصاً بعد ان أُعلن عن انطلاق العملية العسكرية البرية في محافظة مأرب يوم 13 سبتمبر/ايلول الجاري. مرد هذا الوضع الغائم أن المسار العسكري الذي بدا، مؤخرا، هو الطاغي في المشهد ظل على حاله من الزخم في معركة مأرب التي تعتبر مفتاحاً لمعركة صنعاء، حتى وإن بدا في الظاهر أن المعارك على الأرض خفت حدتها ربما من أجل الإفساح في المجال للغارات الجوية كي تقلص قدرات الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، قبل بدء معركة العاصمة. معركة مأرب التي يُراد لها أن تكون فاتحة الطريق نحو صنعاء، تمضي في ظل تحشيد للقوة، بالتزامن مع ضربات غير مسبوقة لسلاح الجو في دول التحالف العربي، التي استمرت في استهداف مواقع وتجمعات وإمدادات الميليشيات واستنزفت مخزون الأسلحة والذخائر، لتستهدف في الأيام الأخيرة عددا من الجسور في الطرق التي تربط صنعاء بالمحافظات المجاورة، فضلاً عن استهداف مبان وقصور لشخصيات مقربة من صالح والحوثي ومنشآت تسيطر عليها الجماعة. وما زاد من ضبابية المشهد بروز مؤشرات لجهة التحركات السياسية والدبلوماسية، التي أعادت إلى الواجهة الحديث عن المفاوضات بين الشرعية والمتمردين، وعمليا مغادرة وفد يمثل الحوثي وصالح إلى مسقط، الأحد الماضي، لمواصلة الجهود السياسية والدبلوماسية واللقاء بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لبحث المسار السياسي الذي يفضي إلى الحلول العادلة، وفقا لقول محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي. بالمقابل لم يصدر عن الحكومة الشرعية ما يؤكد مشاركتها في تلك المفاوضات المفترضة، بل إن وزير الخارجية د. رياض ياسين قال، الاثنين الماضي، إن الحكومة اليمنية ليس لديها أي علم بشأن هذه المشاورات، معتقدا أنها ستكون مشاورات مع الأطراف التي يلتقي بها دائماً المبعوث الأممي في صنعاء أو في مسقط. هكذا برز الحديث عن المسار السياسي، بإعلان عودة قسرية للمفاوضات، بعد انسداد شبه تام في هذا السياق، إثر مغادرة وفد صالح والحوثي لمسقط قبل أسبوعين، فضلاً عن غياب أية مؤشرات في الخطاب السياسي والإعلامي لدى طرفي الأزمة. ومن ذلك يُستدل أن كواليس مسقط والسعي الحثيث لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، قد حركت العجلة للعودة إلى مسار المفاوضات، ودفعت سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي لدى اليمن لعقد لقاءات متواصلة، قبل أسبوع، بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الرياض، فيما عاد السفير الروسي لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين إلى صنعاء، بعد غياب دام عدة أشهر، ليلتقي بممثلي جماعة الحوثي وصالح، ليُعلن بعدها عن مغادرة وفدهما إلى مسقط، فيما كان ديدوشكين قد أعرب عن تفاؤله وتوقعه حل المشكلة اليمنية في وقت غير طويل خاصة وأن روسيا ترأس حاليا مجلس الأمن الدولي، حيث تبذل نشاطاً وجهوداً من أجل إعطاء القضية اليمنية الأولوية لمعالجة مشكلتها وفقاً لتصريح له عقب عودته إلى صنعاء. وبالتزامن تسرب من الكواليس ما يفيد بأن ضغوطاً أمريكية مباشرة مورست من أجل استئناف المفاوضات، بل أن مصدراً سياسياً بصنعاء أشار إلى أن واشنطن حددت يوم 20 سبتمبر/ أيلول موعدا للقاء ممثلي الطرفين في مسقط، غير أن ما تحقق هو مغادرة وفد صالح والحوثي في هذا التاريخ، ولعل مجرد المغادرة بذاتها يدخل ضمن هذه الضغوط. فيما رشح من أنباء عن استئناف لمسار المفاوضات لم يتضمن مسببات وأسساً لتلك العودة أو الإشارة إلى أية ضمانات لنجاحها، كي لا تلحق بسابقاتها وتفشل، بل إن ما أفصح عنه ولد الشيخ كان حديثاً عمومياً، بدا غير واثق، حيث قال لا تزال الأمم المتحدة تبذل جهدها لجمع الأطراف اليمنية على طاولة واحدة لحل الأزمة. وفي المشهد العام تبدو صنعاء، بسكانها، مترقبة للقادم المجهول بتوتر وقلق بالغين، بالتزامن مع مرور عام على انقلاب جماعة الحوثي، وفي ظل وضع إنساني مترد وكارثي وأزمات طالت كل ما يتصل بحياة الناس، وهو ما دفع كثيرين لمغادرتها خلال الأسبوع المنقضي، في موجة جديدة من النزوح، اقترنت أيضا بعادة عدد من سكانها قضاء إجازة عيد الأضحى خارجها، ككل عام. وبالقرب من صنعاء تحتشد قوات دول التحالف إلى جانب وحدات الجيش الشرعي والمقاومة الشعبية، في سياق العملية العسكرية لتحرير مأرب، التي تأخر حسمها، وفقا لوعود سابقة. وفي سياق المشهد العسكري ما زالت تعز وسط اليمن تعيش قتالاً ضارياً تخوضه المقاومة الشعبية ووحدات من الجيش الشرعي ضد ميليشيات الحوثي وصالح، في ظل حصار تفرضه الميليشيات، اشتد خلال الأسبوع المنقضي وصاحبه مزيد من الاستهداف للمدنيين بالقصف العشوائي على الأحياء والأسواق وسط المدينة، فيما لا يبدو أن حسماً للوضع سيكون قريبا هناك. فجر الأربعاء قبل الماضي، عاد إلى مدينة عدن جنوب اليمن نائب الرئيس اليمني، رئيس الوزراء خالد بحاح وعدد من أعضاء حكومته، لتشهد العاصمة المؤقتة لليمن نشاطاً حكومياً، وسط وضع أمني مضطرب، كان له أثره السلبي في حركة المسؤولين الحكوميين. وفي الأثناء برز في عدن الحضور اللافت والمطرد لدولة الإمارات العربية المتحدة، في الجانب الإنساني الإغاثي وإعادة تأهيل المدارس وأقسام الشرطة، الأمر الذي حظيّ بتقدير غير مسبوق من الأهالي نحو الدولة الشقيقة وقياداتها وشعبها. وبالنظر لما يعتمل في عدن وطبيعة الملفات الشائكة والمعقدة الماثلة أمام الحكومة الشرعية في المحافظات الجنوبية، يبدو للمتابع أن ما يجري هناك يسير في سياق منفصل عما تقف أمامه الرئاسة والحكومة الشرعية في صنعاء والمحافظات الشمالية، وهو أمر لا يخدم معالجة الأزمة اليمنية على نحو إيجابي مستقبلا، ما يفرض على قيادات الشرعية ربط الحالين في خطاب سياسي وإعلامي قوي ومؤثر، خاصة في ظل تصعيد النزعات المناطقية واستمرار الدور المستتر لقيادات حزب المؤتمر الشعبي العام الموالية للمخلوع في عدن وتواجد المجموعات المسلحة. ورغم التطورات في المشهدين العسكري والسياسي، التي تصب في المحصلة النهائية لصالح الشرعية، وبعد عام من الانقلاب المدمر لجماعة الحوثي وصالح، ما زالت الجماعة تقول إنها ماضية في مشروعها، وفقا لما جاء في الخطاب الأخير لزعيمها عبد الملك الحوثي، مساء الأحد الماضي، الذي قال فيه نحن بالموقف الصحيح وإن التحرك الذي بدا يوم 21 سبتمبر العام الماضي سيستمر. وقد اتسم خطاب الحوثي الأخير بنفس النهج التصعيدي والمتعالي، متجاهلا أن جماعته، المدعومة من إيران، وضعت اليمن، منذ عام، في أتون أزمة سياسية وأمنية غير مسبوقة، لتلحقها قبل نصف عام بحرب مدمرة، لم تتوقف حتى اللحظة في مناطق عديدة من البلاد، خلفت الآلاف من القتلى والجرحى والخراب.

مشاركة :