"الشعر والصوفية" في أجواء رمضانية مغربية

  • 4/22/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مراكش (المغرب ) ـ نظمت دار الشعر بمراكش، ضمن سلسلة "ندوات" والخاصة ببرمجتها للموسم الرابع والتي تستقصي الخطاب الشعري، ندوة "الشعر والصوفية"، والتي عرفت مشاركة النقاد والباحثين: خديجة توفيق ومنير عشقي ومحمد محي الدين، للحوار والنقاش واستقصاء سمات هذا الحوار الدائم المفتوح بين الشعر المغربي والصوفية. واحتضن مقر الدار (بالمركز الثقافي الداوديات)، فعاليات هذه الندوة العلمية المهمة عصر الجمعة 16 أبريل/نيسان الماضي، في انطلاق هذه البرمجة الرمضانية والتي ستستمر من خلال تنظيم فقرات جديدة.  شاركت في اللقاء الناقدة والباحثة الدكتورة خديجة توفيق التي ترى أن ارتباط الشعر بالتصوف، يحيل على ارتباط أسبق في اتجاه معكوس، يتجسد في عودة التصوف الى ما سبقه من تراث شعري وعربي. التقارب بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية، ما يؤلف بين التجربتين من خصائص ومن أوجه التناظر، مع محافظة كل تجربة على تميزها وعلى إثراء خاص، كلاهما يعتمد على إدراك خيالي بل إن الخيال في الصوفية يتحول إلى حقيقة وجودية وقوة رؤياوية مؤسسة للفعل المعرفي.  التجربة الصوفية، تؤكد خديجة توفيق، تحولت لمعين وافر للشعر الغربي والعربي الحديثين، درجت مجموعة من الشعراء على اتخاد التصوف صاحبا ومصاحبا، باعتبارها رجا لمعنى العالم من خلال ما يشيده من رؤية وجودية، وما يعتمده من خيال معرفي وما يقدمه من أجوبة خصيبة، عما يطرحه الشعراء. لقاءات الشعر والصوفية من الرومانسية إلى الرمزية والسوريالية، وهو تشخيص للناقدة توفيق تراه مدخلا لتمثل علاقة اليوم، والبحث عن جواب أسئلة المآل الروحي، وانفتاح على الخطاب الصوفي ومن داخل الحداثة الغربية، أما لقاء الإبداع العربي والشعر خصوصا بالصوفية، لم يتم في البداية من داخل الثقافة العربية، بحكم أنه مكون أصيل داخلها، بل كان منقولا ضمن سلطة رمزية مارستها على الشعراء العرب وقراءات موجهة (مستشرقون أو أدباء). واختار الناقد الدكتور منير عشقي، منظورا فلسفيا تحكم في رؤيته إلى علاقة الشعر والصوفية، إذ يرى تشابكا بين الخطابات الثلاث وتجاذبا، لا قطيعة بينهم. لذلك اختار مداخلة فلسفية، من خلال الاشتغال الفلسفي على التصوف يمكن أن يكون أرضية لفهم العلاقة بين (الشعر والتصوف)، وهو ما يضعنا أمام علاقة ثلاثية.. إذ لا تعارض، يرى الناقد عشقي، بين الفلسفة والتصوف، فالحاجة الى انعقال الفيلسوف وتعقل المتصوف، هو مدخل ممكن ليصبح الفيلسوف الحقيقي قادرا أن يعي حدود العقل، والانفتاح على الفضاء الرحب للتجربة الصوفية، في مقابل الحركة التعقلية للمتصوف. وهناك حكيم ثالث هو الشاعر، بحكم علاقته الخاصة باللغة، واختراقها. فلا تصوف إلا داخل اللغة، والتجربة الصوفية تجربة لغوية في الأساس. وإذا كانت بداية التفكير الفلسفي للوجود، شعرا من خلال الشذرة (شذرات هيراقلديس). فلا يمكن للمتصوف إلا أن يكون شاعرا، التجربة الروحية تفرض هذه اللحظة، لذلك اقترح الناقد عشقي مفاهيم: البرزخية والسفر والكلمة، وهو ما يربط التجربة الشعرية بالصوفية. البرزخية تستوجب السفر، وهي المقام الأنطولوجي للإنسان. والشعر يميل الى تكسير القوالب، ويتضمن إشراقات من نوع صوفي، ما يجعل مهمة الشاعر والصوفي اختراق المحجوب، معا يختزنان طاقة حيوية نابعة من الروح، ومساءلة جوهرية لحقيقة الوجود. المتصوفة يضطلع بمهمة شعرية، الكائن المرهون لكشف حقيقة الوجود. واتجه الناقد الدكتور محمد محي الدين إلى التوقف عند حضور الصوفية في الإبداع الإنساني، بحكم أن الصوفية تلهب خيال كل مبدع، في الرسم والنحت والموسيقى. والشعر العربي لا ينفصل على هذا المدد الغيبي والسماوي، منذ أن فتحت رابعة العدوية باب القول، إلى ابن عربي والحلاج والسهرودي. لقد استطاع التصوف أن يلهب ويلهم الشعر العربي، وشكل منبعا ثريا للعديد من التجارب الشعرية (الفيتوري، أدونيس، صلاح عبدالصبور، محمد السرغيني، أحمد الطريبق، آيت وارهام، أمينة المريني..).  ويميز الناقد محي الدين، بين فئتين في الشعر المغربي، فئة عاشت تجربة دينية وروحية انعكست على إنتاجها الشعري (ايت وارهام الطبال والأمراني..)، وفئة ثانية لم تعشه كتجربة واستمدوا من الصوفية المعرفة الباطنية. توقف الناقد عند سؤال التجنيس، إذ كيف يمكن تصنيف قصيدة أنها تستمد مرجعياتها التخييلية من التصوف؟ سؤال المقاربة وسؤال المنهج؟ لذلك يقترح الناقد محي الدين البحث في الاحتمال، ومبدأ التناص والتداخل النصي، كمقاربة قابلة للاشتغال على المنجز النصي. أما عن جدوى علاقة الشعر بالتصوف في واقعنا المادي، فالشاعر، يراه قادرا على تغيير وعينا بالعالم (ولا يغير العالم). ليتوقف الناقد محمد محي الدين عند لقاء الشعر بالتصوف، في تجربة الشاعر آيت وارهام، من خلال سمات محددة أبرزها: حضور المعجم الصوفي بثقله وكثافته الرمزية، استثمار الآيات القرآنية باعتماد توليد دلالات جديدة، استحضار تجربة السفر (المعراج)، توظيف أسلوب السجع وتوظيف الحوار والمخاطبات، استلهام النفري ومخاطباته، واستخدام الأشكال الكاليغرافية والحروفيات. وترى الناقدة خديجة توفيق أن التجربة الصوفية تختص بالإنسان، إذ لا مناص من اللجوء إلى الصوفية، أبعد من التجربة الشعرية. والتي تلقي التصوف كنص جمالي، انطلق هذا المنحى مع الرومانسية والتي اشتغلت على الذات. الممارسة النظرية تلبست أحيانا بالخطاب الصوفي، والشاعر عموما. فهناك من عضدها وهناك من قام بتقويضها. القسم الثاني من ورقتها خصصته الباحثة للتجربة الشعرية المغربية، بصيغة الجمع، حيث تتعدد الأجوبة والأمكنة وآفاق الانتظار، مع ضرورة الانتقال إلى تجارب خاصة للوقوف على تمثلها لتجربة التصوف. إن تلقي النص الصوفي، يقترن بميسم التشعب، واعتماد الشعر المغربي المعاصر على المتخيل الصوفي، من خلال إنشاء علاقة نوعية مع اللغة واعتماد رؤية متفردة للوجود، ومسألة الانفصام، انبنت عليها جل التجارب الصوفية، مع ميول للانعزال والرغبة إلى تحقيق الانفصال. وقد اختارت الباحثة، وفق هذا المبحث، أن تسم هذه العلاقة وتحولها بـ: تلقي من التعضيد إلى التحويل، ثم من التحويل إلى التقويض المعضد، عبر تجارب ونماذج توقفت عندها الناقدة لتحديد سماتها.  وانتهى الناقد منير عشقي، في مبحثه عن إلغاء الفواصل ونفي القطيعة بين الخطابات الثلاث بين الشعر والفلسفة والشعر. إلى عنصر السفر، وهو مصطلح صوفي وخيار وجودي، ولا يعقل شيء من سر الوجود. رحلة المتصوف يكون في اللغة ومع اللغة وباللغة، تحول باستمرار. التجربة الصوفية تجربة شعرية منفتحة على تجربة خلاقة في تأسيس القول والخطاب، اللجوء الى مأوى الشعر، يسمح بتسييس العبارة وترويض اللغة "ليس كل شيء يفشى". العنصر الثالث الكلمة، حيث  انتقال من لغة تواصل إلى لغة تواجد، اللجوء إلى لغة الإشارة والإلغاز والإخفاء والتضليل والصمت.  إن التعامل مع النص الصوفي والشعري، من خلال مبدأ التواجد يشير الناقد عشقي، لن يتحقق ما لم تكن مشاركة وجدانية بين ذات مؤسسة للخطاب وذات متلقية. هناك اندغام التجربة الشعرية بالتجربة الصوفية، هذه الأخيرة محكومة بأغوار النفس الخفية وهو ما يجعلها تتقاطع دوما مع الشعر، هما معا كشفا وسفرا والمعنى الأصيل للعالم، والتماهي بينهما يسمح بانبثاق أرقى صور الجمال. لقد سعت ندوة دار الشعر بمراكش إلى تمثل حضور الخطاب الصوفي في التجربة الشعرية المغربية اليوم، على ضوء ما تراكم من منجز شعري وعلى اعتبار تاريخية هذا الحضور للصوفية في الشعري المغربي. إن تأكيد علاقات التواشج والصلات، بين الشعر المغربي والمرجعيات الصوفية، على مختلف تجلياتها وتجاربها، أفضى إلى استخلاص العديد من السمات المحددة اليوم، في القصيدة المغربية. حيث قدرتها على تخصيب أفق نصوصها وإعطائها ميسما خاصا، يرنو إلى الإقامة في اللانهائي حيث تسمو تجربة الشاعر، و"بلاغتها المتفردة"، في تشكيل النص الشعري برؤى وانشغالات معرفية عميقة، حيث اللغة والوعي الشعري المتقد، والذي يسمو إلى عمق الشعر وحقيقته الداخلية. إن سمو هذه العلاقة، وقدرتها على فتح كوة جديدة للقصيدة المغربية الحديثة، بل ونسج أفق مختلف نحو إقامة في القصيدة، بكل ما تحمل الكلمة من رمزية واستعارة التشكيل النصي والرؤيوي، هو ما يجعل من جدوى إعادة تمثل هذه العلاقة اليوم، بين الشعر والصوفية، وعلى ضوء من نسجه الشعر المغربي من منجز وتجارب شعرية، سؤالا راهنيا ممكنا يفيد في تمثل سمات هذا الحضور وأبعاده المعرفية نقديا. هي علاقة تتكامل أحيانا، بين الشاعر والصوفي، في قدرتهما على إنتاج رؤى وجودية واستنباط بواطن الأشياء وروحها، والذهاب بعيدا في اللانهائي. 

مشاركة :