انتقلت فضيحة شركة فولكسفاجن الألمانية لمرحلة جديدة أكثر خطورة وتعقيدا، بعد أن دخلت الحكومة الألمانية على خط الأزمة. ووجه حزب الخضر الاتهام لوزير المواصلات، بأنه كان على دراية بعملية التحايل والغش التي تقوم بها الشركة منذ شهر تموز (يوليو) الماضي، وأن وزارته والخبراء العاملين فيها كانوا على علم بأن "فولكسفاجن" ثبتت برنامج كمبيوتر للتحايل على اختبارات الكشف على معدل العوادم المنبعثة من السيارات الديزل. واتهم الحزب حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها تعلم أكثر بكثير عن تلك الفضيحة مما تم الإفصاح عنه. وقد أحدثت تلك الاتهامات تغيرا نوعيا في مستوى الفضيحة، التي لا يعلم أحد حتى الآن المدى الذي يمكن أن تصل إليه، وهل يمكن أن تؤدي للإطاحة بوزراء ومسؤولين في الحكومة الألمانية أم لا؟ وعلى الرغم من التحسن الطفيف الذي حدث لأسهم الشركة في ساعات الصباح الأولى في بورصة فرانكفورت، إذ ارتفعت قيمة السهم بنحو 2.4 في المائة ليصل سعره إلى 108.5 يورو للسهم الواحد، مقابل 162 يورو قبل الأزمة إلا أن الشركة خسرت نحو 32 في المائة من قيمتها السوقية خلال اليومين الماضيين. ودفعت تلك التطورات بمجلس الإدارة إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمناقشة التطورات الجارية، وأصبح في حكم المؤكد الآن اتخاذ قرار بالإطاحة برئيس مجلس الإدارة مارتن وينتركورن. ويقول لـ"الاقتصادية"، ويل جيبسون مساعد رئيس قسم المعاملات الدولية في شركة "جاكور" البريطانية، إن فالكسفاجن باتت أكبر منتج للسيارات في العالم خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بعد أن تجاوزت شركة تويوتا اليابانية، مشيراً إلى أن مارتن وينتركورن قام بدور رئيسي في تطوير الشركة، لكنه حاليا يفقد دعم كبار المستثمرين بعد الكشف عن تلك الفضيحة. واعتبر جيبسون، أن مدى عمليات التحايل ضخم للغاية، إذ بلغ وفقا لبيانات الشركة 11 مليون سيارة، كما أن الشركة وضعت جانبا 6.5 مليار كتعويضات، لكنه من المرجح أن تبلغ التعويضات ثلاثة أضعاف هذا الرقم أو أكثر، ما سيؤثر حتما على سعر سهم الشركة مستقبلا، والمرجح أن تنخفض قيمة السهم بنحو 40 في المائة مع اتساع نطاق التحقيقات. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الشركة ستدفع تعويضات تبلغ 37 ألف دولار أمريكي عن كل سيارة تستخدم الديزل قامت ببيعها في الولايات المتحدة منذ عام 2008. وبالفعل فقد قام عدد من مكاتب المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا برفع دعوى قضائية ضد الشركة الألمانية، وطالبت إحدى تلك الشركات بتعويض قدره مليار دولار بالإضافة الى 100 مليون دولار أتعاب محاماة.. وحول تأثير تلك الفضيحة على مستقبل صناعة السيارات الديزل في العالم، يؤكد بل جابسون نائب المدير التنفيذي في "آستون مارتن" لصناعة السيارات، أنه لم تكن هناك فضيحة في مجال صناعة السيارات بهذا الحجم من قبل، ويمكن أن تؤدي تلك المشكلة إلى فقدان المستهلكين، خاصة في أوروبا للثقة بسيارات الديزل. وأضاف أن تلك المشكلة إذا ظلت محصورة في شركة فولكسفاجن فقط، فإن الطلب على منتجات الشركة من سيارات الديزل يمكن أن ينخفض بشدة، دون أن ينعكس ذلك على إجمالي الطلب على سيارات الديزل من الشركات الأخرى، أما إذا كشفت التحقيقات أن التحايل ليس حصرا على الشركة الألمانية، وأنه يمتد إلى منتجي سيارات الديزل الآخرين، فأعتقد أن ذلك لربما يؤدي إلى انهيار الطلب على سيارات الديزل على المستوى العالمي بنحو 80 في المائة. ويشير بعض المحللين إلى أنه أيا كانت نتائج التحقيقات بشأن فضيحة فولكسفاجن، فإنه من المتوقع الآن أن يتراجع الطلب الأمريكي على سيارات الديزل، فالمستهلك الأمريكي لأسباب عديدة يفضل السيارات التي تعمل بالبنزين، مقارنة بالتي تعمل بالديزل، لكن في السنوات الأخيرة بدأ المشهد الاستهلاكي يتغير نتيجة جهود شركة فولكسفاجن، التي طرحت في الأسواق الأمريكية سيارات رياضية صغيرة تعمل بالديزل، ولاقت نجاحا ملحوظا. وكان منتدى تكنولوجيا الديزل قد أجرى قبل عدة أشهر استطلاعا للرأي لمعرفة موقف المستهلك الأمريكي من السيارات الديزل، وكشفت النتيجة أن 40 في المائة من المستهلكين يرغبون في شراء سيارات تعمل بالديزل مقابل 13 في المائة فقط قبل عقد من الزمان، إلا أنه من المشكوك فيه الآن أن تجد سيارات الديزل ذات القبول التي كانت تجده من قبل في الأسواق الأمريكية. ويعرب بعض الاقتصاديين عن خشيتهم من أن ينعكس تأثير أزمة فولكسفاجن سلبا على الميزان التجاري الألماني، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تشهد فيه معدلات الطلب الصيني على المنتجات الألمانية وفي مقدمتها السيارات تراجعا ملحوظا. وأكدت لـ"الاقتصادية"، الدكتورة ماري بلوم أستاذة التجارة الدولية في جامعة أكسفورد، أن الأزمة تبدو ضخمة بمعايير شركة فولكسفاجن أو أي منتج للسيارات، لكن بالنسبة لمعايير الاقتصاد الألماني ككل، حيث يتجاوز فيه إجمالي الناتج المحلي 3.5 تريليون دولار ولديه فائض مالي أكثر من 300 مليار دولار، فإن إمكانية التغلب على تلك الفضيحة ممكن. وأشارت بلوم إلى أن اكتشاف تلاعب وتحايل الشركة الألمانية، يمكن أن يؤثر مع هذا سلباً على الميزان التجاري الألماني، خاصة أن صادرات السيارات الألمانية إلى الصين تشهد مزيدا من التراجع. وقالت بلوم إنه يجب الأخذ في الاعتبار البيانات الصادرة عن أداء القطاع الخاص الصناعي في منطقة اليورو الذي بلغ أدنى مستوى له خلال الأشهر الخمسة الماضية، متوقعة أن يشهد مزيدا من البيانات السيئة في الأشهر المقبلة نتيجة تلك الفضيحة.
مشاركة :