لست أتحدث عن رواية الشبيه نان اسكويث أو رواية الشبيه للروسي فيودور دوستويفسكي، بل أتحدث عن رواية (أنا والشبيه) للأديب البصري (قصي الشيخ عسكر) والتي تروي السيرة الذاتية للأديب والأكاديمي البصري (البروفسور صدام فهد الأسدي) وعلى وفق تكنيك فني يقوم على تجميع محطات سيرية مختلفة لتكوين عمل فني جديد أو بطريقة كولاجية كما جنسها المؤلف (رواية كولاج) والتي يتداخل فيها ما هو (شعري، سردي، سيري) ما بعد حداثوي ينقض الحدود الأجناسية ويعبر بالجنس السردي إلى مراحل الانفتاح والتطلع نحو نص مفتوح على المتلقي وهي الحرية التي يريدها المؤلف والأسدي معا في سطورهما، وأجمل ما في الرواية الصراحة في الكشف عن مراحل حياة الدكتور صدام فهد الأسدي على طريق السارد (المؤلف) صديقه المقرب قصي الشيخ عسكر، فتشعر أحيانا أن يتداخل المسرود فيما بينهما فكلاهما عاشا حقبة من المكاشفة والقرب ولوعة ومرارة الحياة وتقلباتها وتغيراتها، حتى بعد أن غادر عسكر العراق، الرواية تأخذنا إلى مدن وأماكن البصرة الجميلة وتتحدث عن الأزمة والمراحل التي عاشها الأسدي (القرنة، الحيانية، الفاو، التنومة) وغيرها من المدن التي عاش فيها أو حتى المدن التي عمل فيه والده (لواء العمارة) أو انتقالة الأسدي نحو (كربلاء المقدسة)، الرواية على ما تحتويه من البعد السيري إلا أنها أرخت لمراحل مهمة من التغيرات في تاريخ العراق المعاصر ولحقب مختلفة، الثيمة الأساس كان الاسم الشبيه للرئيس، وفيما بعد اسم الأبناء والإشكالية التي لازمت الأسدي طيلة حياته والتي وسم بها من (جدته) ومناداة أبناء مدينته له بالاسم قبل التسمية! الرواية تشتمل على عبق رائحة المكان، المكان الذي نحن إليه ويصوره لنا معا الروائي وبطل السيرة بحميمية كبيرة تجعلنا نقفز معه بأخيلتنا سنوات إلى الخلف لنعيش معه كل الأحداث المروية، الحياة التي غناها الأسدي أناشيد متغيرة وتحولات صارمة وسيرورة جمالية إبداعية ونقطة فارقة في حياة مربي حالم وشاعر اعتاد الصراحة في كل شيء حتى في سيرته الذاتية المروية، ويثير الروائي تساؤلات ضمن بنية الرواية تشكل علامات مهمة في حياة الأسدي السيرية، ولاسيما مراحل الانتقال من القرنة إلى التنومة أو غيرها، عسكر قسم الرواية إلى تنقلات حقيقية في حياة الأسدي ابتداء من القرنة وحتى مجلس عزاء أم أولاده الدكاترة والذي أنا شخصياً حضرته وشاهدت ألم ولوعة الأسدي على فراق أم أولاده، وهذه المراحل من التنقلات الحقيقية في حياة الأسدي، رغم إخفاء الكثير من الجزئيات في حياته والتي يعرفها بعض المقربين منه ومنهم أنا الذي أعده أستاذاً حقيقياً، وهي معاناته والظلم الذي تعرض له (شاعراً وأكاديمياً) وربما الاسدي وعسكر لم يكونا يرغبا بالحديث عن هذه الجوانب، رغم تضمن الرواية العديد من المواقف التي واجهت الاسدي وجعلته يخجل أحيانا من سوء الفهم الذي يلازمه مراراً، كما في اقترابه خلال مراحل مراهقته من بنت الدكتور الجامعي والتصرف السيء الذي أقدم عليه هذا الدكتور وجعل الأسدي يواجه العذاب والألم والتوبيخ من الأهل ومركز الشرطة معاً، فالاسدي في مفاصل حياته وعبر مبنى هذه الرواية ثمة سخرية ناقمة على العديد من المفاهيم المجتمعية، ورغم أنها رواية سيرية إلا أن السرد فيها عاطفي ذو ملامح شاعرية على وفق مراحل الحياة الملهمة التي عاشها الاسدي حتى مرحلة الآن (الحاضر)، صورها عسكر بطريقة إبداعية لا تشعر معها بأي ملل، وكأنك تقرأ سيرة تاريخ العراق من خلال (الإنسان) العراقي الذي عاش أغلب المتغيرات من طفولته وحتى اعتناقه الشعر ثيمة لحياته وترحاله ، إنها سيرة إبداعية قدمت بطريقة جمالية تستحق الثناء.
مشاركة :