تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها “النداهة” التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال فى شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها. شهدت القاهرة عصرًا مزدهرًا فى فترة حكم الفاطميين لا سيما فترة المعز لدين الله، فقد كان حريصًا على أن تكون القاهرة مدينة ذات فخامة وترف وغني، وكانت القاهرة عامرة بالمنسوجات النفسية، ذات الزخارف بالغة الروعة. فأنشأ المعز لدين الله دارا سماها دار الكسوات، وكانت تأتى إليها المنسوجات المختلفة المصنوعة فى دار الطراز، أو الواردة من أنحاء العالم، وكان يتم تفصيل الكسوات الصيفية والكسوات الشتوية لرجال القصر وأولادهم ونسائهم وأفراد أسرهم. كما كانت تضم أيضًا الزى الذى كان يخلع على الأمراء والوزراء وكبار الموظفين من الثياب الحريرية المطرزة بالذهب، وكانت الرسوم الخاصة بكل زى مميزة، حيث وضعت لذلك رسوم وتقاليد تم اتباعها، فكانوا- على سبيل المثال- يخلعون على الأمراء ثياب «دبيقية» نسبة إلى مدينة «ديبق» بدمياط، والتى كانت تتميز بصناعة المنسوجات الموشاة بخيوط الحرير والذهب، والعمائم المطرزة بالذهب. وكان الخليفة يمنح الأمراء والأميرات والأتباع وموظفى القصر الثياب فى المواسم والأعياد و«التشريفة»، وكانوا يسمون العيد أحيانًا «عيد الحلل»، وذلك لأن الثياب كانت توزع فيها، كما كان للقواد نصيب وافر من الملابس التى كانت تصنع خصيصًا لهم. وكانت خزانة الكسوة عامرة بالملابس المزخرفة والمطرزة بخيوط الذهب، وكان المشرف على خزائن الكسوات من أصحاب الرتب العظيمة، وكانت مقسمة إلى قسمين الأول الخزانة الباطنة، وكانت مخصصة لملابس الخليفة، وتتولاها سيدة يطلق عليها «بزين الخزان»، ويعمل تحت إمرتها ثلاثون جارية، ولا يقوم الأمير بتغيير ملابسه إلا عندها، وكانت الخزانة لها ملحق خاص به بستان من أملاك الخليفة والمتواجد بالقرب من شاطئ الخليج، وتتم فيه زراعة الزهور، والتى تحمل يوميا إلى الخزانة لتعطير ثياب الخليفة، أما الخزانة الظاهرة فكان يتولاها أكبر حاشية الخليفة، وكانت فيها كميات كبيرة من شتى أنواه النسيج الفاخر، وكان يأتى إليها ما يصنع فى دار الطراز بدمياط والإسكندرية، وبها رئيس الخياطين أو «صاحب المقص» كما كان يطلق عليه فى تلك الفترة، ويعمل معه عدد من الخياطين الذى خُصصت لهم أماكن للتفصيل والخياطة، وبعدها يتم نقل الكسوات إلى الخزانة. وكان أهم ما أمر به المعز هو حياكة كسوة الكعبة، والتى كانت مربعة الشكل من ديباج أحمر، وطرزت على حافتها الآيات التى وردت فى الحج بحروف الزمرد الأخضر، والتى وصفها ابن ميسر بأنها: «وفى يوم عرفة نصب المعز الشمسية التى عملها للكعبة على إيوان قصره، وسعتها اثنى عشر شبرا فى اثنى عشر شبرا، وأرضها ديباج أحمر، ودورها عشر هلالا ذهبا، فى كل هلال أترجه ذهب مشبك، وجوف كل أترجة خمسون درة كبارا كبيض الحمام، وفيها الياقوت الأحمر والأصفر والأزرق، وفيها كتابة دورها آيات الحج زمرد أخضر، وحشو الكتابة در كبار لم ير مثله، وحشو الشمسية المسك المسحوق فرآها الناس فى القصر ومن خارج القصر لعلو موضعها وإنما نصبها عدة فراشين لثقل وزنها».
مشاركة :