علي سالم إلى رحمة الله!

  • 9/24/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الموت حق بل هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة. ويموت الإنسان على مراحل فيموت الطفل ليأتي الشاب ثم يموت الشاب ليأتي الرجل ثم يموت الرجل ليأتي الكهل. تذكرت ذلك وأنا أقرأ خبر وفاة الكاتب المصري الكبير علي سالم بعد رحلة عطاء طويلة وصراع مع مرض السرطان. كان علي سالم شخصية جميلة، عرفته عن طريق والدي عن قرب. كان ممن يطلق عليهم الشخصيات «الحقيقية»، كان قارئًا نهمًا حريصًا جدًا على الاطلاع على ثقافات الأمم الأخرى وخفيف الظل بشكل مدهش. وطبعًا عرف ككاتب مسرحي عبقري قدم خلال مسيرته أعمالاً ناجحة للغاية لعل أشهرها مسرحية «مدرسة المشاغبين» التي تعتبر أنجح مسرحية عربية في التاريخ وساهمت بشكل مباشر في إحداث نقلة في الكوميديا العربية، وقُدم من خلالها جيلٌ كاملٌ من عباقرة التمثيل مثل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي، واستمرت عبقرية هذه المسرحية تنتقل من جيل إلى آخر بمنتهى النجاح والإعجاب، وله بالإضافة إلى هذا العمل أعمال مسرحية أخرى مثل «بكالوريوس في حكم الشعوب»، وهي مسرحية عبقرية تروي بسخرية شديدة جدًا أساليب الحكم في دول العالم الثالث من استخدام الجيوش وتهريب السلاح وتمويل العصابات وشراء الذمم والاتجار بالدين، وقام ببطولة العمل أسماء مهمة مثل نور الشريف ووجوه جديدة مثل أحمد بدير ويحيى الفخراني وعلي الشريف وليلى علوي وكانوا جميعًا في بداياتهم، ولكن نظام الرئيس الراحل أنور السادات لم يتحمل جرأة هذه العرض المسرحي وتم إيقافها بعد نجاح غير عادي. وقدم أيضًا مسرحية «الكلاب وصلت المطار» وفيها كان يسخر وبقوة من تعامل حكومات عربية مع مواطنيها العائدين من الدول التي يعملون فيها وكيف يتم استخدام هؤلاء المواطنين إلى أبعد ما يمكن ومعاملتهم بلا أي حقوق أو كرامة. كان بالإضافة لكل ذلك كاتب رأي مهمًا له آراء جريئة دعم موقف السادات في الاعتراف بإسرائيل ودفع ثمن هذا الموقف بعد زيارته إلى إسرائيل ومقابلته للكثير من النماذج الاجتماعية فيها وأصدر كتابًا لافتًا عن هذه الزيارة، ولكن الرجل تمت مقاطعته ثقافيًا بشكل غير معقول وحجب عن كافة الفعاليات والكتابات والندوات في بلاده. وكذلك كان لديه مواقف واضحة وصريحة وقديمة من مسألة «الاتجار» بالشعارات الدينية فهو كان يرى الاستغلال المستمر للحركات الدينية للشعارات البراقة وتحريك الشارع السياسي من خلالها. وطبعًا جاءت أحداث الثورات المتتالية في مصر لتؤكد ما توقعه وهو عكس ذلك الرأي مرارًا في عموده المهم في صحيفة «الشرق الأوسط» التي كان أحد أهم الكتاب فيها. انفتح على عدد طيب من الكتاب السعوديين وأقام صداقات حقيقية معهم وكان رجلاً دمث الخلق كريم المعشر خفيف الظل بشوشًا لا تفارقه الابتسامة. أضاف إليه العمر حكمة لا يمكن إغفالها وكان يرى الصورة الكبيرة بينما كان يتعلق غيره بالتفاصيل الصغيرة، وبقدر ما كان المرض الخبيث مذكرًا بالموت بقدر ما كان علي سالم محبًا للحياة. أحترم جدًا مَن ترفع مِن مخالفيه في الرأي عن الدنو بالشماتة في موته وشاركوا الكثير من محبيه بالترحم عليه ولا أسف على من استغل هذا الموقف المهيب بالتشمت في موته وكأنهم يدافعون عن الدين بحسب رأيهم، متناسين أمر رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بأنه لا شماتة في الموت. رحم الله علي سالم رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم الجميع الصبر والسلوان والأدب والاحترام.

مشاركة :