نحتفي اليوم بمرور خمس سنوات على إطلاق الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لرؤية 2030، ومنذ انطلاقة الرؤية حققت المملكة قفزات نوعية ونهضة تنموية شاملة أسهمت في دعم شتى القطاعات التي تعكس ميزتنا التنافسية والأهمية الاستراتيجية لموقعنا الجغرافي. ففتحنا أبواب الاستثمار الخارجي على مصراعيها ونجحنا في استقطاب أقوى الاستثمارات العالمية، وأعدنا تعريف صناعة السياحة وأنجزنا سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والثقافية المهمة، التي كانت من المستحيل بمكان تخيل إمكانية حدوثها قبل عقدٍ من الزمن. ولإدراك المملكة الحاجة لكسر الاعتماد الاقتصادي على النفط وتنويع مصادر الدخل وتنمية رأس المال البشري في المملكة، كان من الضروري إجراء تغييرات تضمن المضي قدماً في مسيرة نموّنا وتطورنا المستقبلي. فنجحنا في تحقيق إيرادات غير نفطية قياسية العام الماضي شكلت 46.5 في المائة من الإيرادات الإجمالية للدولة، بعد أن كان الاعتماد على النفط بنحو 90 في المائة من الدخل. ولأن قطاع السياحة أحد المقومات الرئيسية لتحقيق رؤية 2030، حظي قطاع السياحة بدعم لا محدود من القيادة الرشيدة، وشهدت صناعة السياحة نمواً واضحاً في ظل رؤية السعودية 2030 والمتابعة المستمرة من ولي العهد. فصدر أمر ملكي بإنشاء وزارة السياحة، بهدف الاهتمام بالقطاع السياحي بجميع جوانبه في المملكة العربية السعودية، وتنظيمها وتنميتها وترويجها، بالإضافة إلى تعزيز دور قطاع السياحة وتذليل عوائق نموه بالاستناد إلى المقومات الهائلة التي تتمتع بها المملكة. وقد تحقق عدد من المنجزات الطموحة، اتخذنا مجموعة من الإجراءات المهمة لتطوير القطاع، بداية من تقديم برامج رؤية السعودية 2030 حلولاً مبتكرة للتأشيرة الإلكترونية مكنت بموجبها سياح 49 دولة من الحصول الفوري على التأشيرة، وإصدار أكثر من 440 ألف تأشيرة حتى مارس (آذار) 2020، لتستحق المملكة العربية السعودية بجدارة تسمية المجلس العالمي للسفر والسياحة بالوجهة السياحية الأسرع نمواً في العالم، منذ إطلاق التأشيرة. وأثمرت جهودنا بأن يرتفع مؤشر حجم الإنفاق السياحي من 130.5 مليار ريال في عام 2015 ليصل إلى 164.6 مليار ريال في عام 2019، بزيادة 26 في المائة. كما جرى إطلاق منصة «روح السعودية» التي تحتوي على روزنامة لمختلف الفعاليات والأنشطة. أنشئ صندوق التنمية السياحي برأس مال يبلغ 15 مليار ريال لجذب الاستثمارات وتمويل المنشآت السياحية، وجرى إقراض أكثر من 67 مشروعاً سياحياً بقيمة أكثر من 200 مليون ريال. ونسعى لأن يكون القطاع السياحي محركاً أساسياً للتنمية الاقتصادية وتنمية رأس المال البشري، بما يوفر فرص الاستثمار والوظائف الجديدة، حيث نُخطط لإضافة مليون فرصة عمل بحلول عام 2030، ونعمل حالياً على إطلاق برامج تدريب وتأهيل على مستوى قطاعي السياحة والضيافة. وأطلقنا حملة «مُستقبلك سياحة» في مارس 2021، التي ساهمت في توفير 100 ألف وظيفة جديدة للكوادر الوطنية بحلول نهاية هذا العام. وتقوم وزارة السياحة بتنفيذ إصلاحات تنظيمية لتبسيط إجراءات مزاولة الأعمال التجارية، تشمل أنظمة الترخيص والتصنيف لقطاع الفنادق، مما يضمن سهولة إصدار التراخيص واعتماد الحلول الرقمية. وبالرغم مما تحقق من نجاحات، فإن وزارة السياحة ما زالت في بداية الطريق، وتستعد لصناعة مستقبل سياحي يليق بتطلعات قيادة المملكة ورؤيتها. واكتسبت المملكة العربية السعودية شهرة كبيرة لما أطلقته من مشاريع عملاقة مثل «نيوم» و«أمالا» و«البحر الأحمر» و«القديّة» و«بوابة الدرعية» التي توفر مخططاً متكاملاً للاستدامة ونمط العيش، والتي يتم تطويرها لتكون نماذج تُحتذى حول العالم. وتعد مدينة «ذا لاين» الذكية ضمن مشروع «نيوم»، التي ستكون مدينة خالية من السيارات والشوارع والانبعاثات الكربونية، نموذجاً ريادياً جديداً، مما سيسهم في تشجيع السياحة، وتوفير خيارات ترفيه راقية للسعوديين والمقيمين لتكون المملكة أحد أفضل الأماكن للعيش في العالم. أما برنامج «جودة الحياة» فيحرص على توفير فرص جديدة للمواطنين للاستمتاع بالأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. فعملنا على إحياء حفلات موسيقية وإعادة افتتاح دور السينما، واستضفنا سباق الدرعية للفورمولا إي، الذي أقيم للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط. واحتضن مشروع «بوابة الدرعية» في الرياض بطولات الملاكمة للوزن الثقيل وجولات التنس الدولية، التي استقطبت حتى اليوم حوالي 1.2 مليون زائر. وفي قطاع الصناعات العسكرية نسعى إلى تطوير الإمكانات التصنيعية للمعدات العسكرية ذات القيمة العالية والتقنيات المتقدمة، الأمر الضروري لتعزيز القاعدة الصناعية للمملكة، وتحقيق اكتفائنا الذاتي. وسنعمل من خلال الشركة السعودية للصناعات العسكرية على تحقيق وعد ولي العهد بتوطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري للمملكة بحلول عام 2030 مقارنة مع 2 في المائة حالياً؛ حيث نتطلّع لأن نكون من بين أفضل 25 شركة للصناعات العسكرية على المستوى العالمي. وتلتزم الشركة بتطوير سلسلة التوريد الخاصة بها، من خلال المشاريع المشتركة عبر وحدات أعمالها الخمس واستثماراتها في المجالات الاستراتيجية، مما يضمن لقطاع الصناعات العسكرية السعودي المساهمة بمبلغ 14 مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، فضلاً على توفير 40 ألف وظيفة جديدة للمواطنين والمقيمين. ويمثل المشروع المشترك، الذي تم توقيعه هذا العام مع شركة «لوكهيد مارتن»، إنجازاً بارزاً يدعم هذه الطموحات، مما يعكس التزام المملكة بتطوير منظومة متكاملة للصناعات الدفاعية من خلال شراكات عالمية. من جهة ثانية، وقع الصندوق السعودي للتنمية 714 اتفاقية منذ إنشائه عام 1975 بقيمة تصل إلى 61 مليار ريال سعودي، لنساهم بذلك في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتمويل مشاريع وبرامج تنموية في 83 دولة حول العالم. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، استضفنا اجتماعاً افتراضياً لقادة مجموعة العشرين في مشروع «نيوم»، نتج عنه إصدار إعلان الرياض. وشكّلت استضافة القمة علامة فارقة أخرى في إطار جهود المملكة لتعزيز التواصل والحوار مع بقية دول العالم، وأنا فخور جداً بأن أكون جزءاً من تلك الجهود. ونقف الآن على منعطف يحتم إعادة تقييم أدائنا وخططنا، لا سيما مع استعداد المملكة والعالم للخروج من تحت ظلال الجائحة والانطلاق قدماً في رحلة التعافي بإذن الله. فالآن الوقت الأنسب للدراسة والتقييم واستخلاص الدروس والعبر. ونتطلع قدماً لمواصلة مسيرة الازدهار الطموحة للمملكة وبناء مستقبلها بالاعتماد على إمكانات كوادرنا الوطنية والمحافظة على سلسلة النجاحات التي تم تحقيقها خلال هذا الوقت القياسي.
مشاركة :