في غياب الجودة تبرز الأسئلة المتعلقة بالفساد كما يحصل بعد هطول الأمطار الغزيرة وتحول بعض الشوارع الى بحيرات. ومن حق المواطن أن يطرح الأسئلة، وأن يسأل عن الجودة ليس في بناء المنشآت والطرق والأنفاق فقط وانما في كل موقع عمل. من حقة أن يقيم الأداء ويشخص الواقع ويبحث عن الدواء. هذا الدواء المتمثل في الحلول يجب ألا يقتصر على التحقيق والمحاسبة والتعامل مع النتائج، لا بد من تحديد الأسباب التي أدت الى تلك النتائج ثم وضع حلول جذرية واستراتيجية. في هذا الصدد أجدني أتفق مع طرح الزميل الأستاذ عيسى الحليان في مقاله بعكاظ بعنوان: (استراتيجيتنا وكيف تكتب) المقال عن مكافحة الفساد ويستشهد فيه الكاتب برأي خبير المدرسة الفرنسية للإدارة (باتريس دو فور) الذي يرى أن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد هي الطريقة المبدئية فقط في معالجة الفساد، إذ تتطلب مكافحته استراتيجية متعددة الجوانب تضم جملة من التدابير منها اصلاح السياسات الاقتصادية كالضرائب والميزانية، واجراء اصلاحات مؤسسية في أجهزة الجمارك والخدمة المدنية، وتفعيل الخصخصة واجراء اصلاحات قانونية وقضائية كإعادة الهيكلة وتفعيل القوانين، واصلاح الرقابة المالية كمراجعة الحسابات والمشتريات والنظام المالي، واصلاح آليات المساءلة ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني وايجاد الهيئات المستقلة وعمل الدراسات والتغطيات الاعلامية اللازمة. السطور السابقة نقلتها نصا من مقال الزميل الحليان لقناعتي بهذا الطرح وأن احدى مشكلاتنا في التطوير والتغيير والإصلاح أننا أحيانا نتعامل مع الأعراض وننسى الأسباب والحلول الوقائية المتمثلة بالعمل المؤسسي بكل تفاصيله، ومن أهمها ما أشار اليه الخبير الفرنسي. إن قضية الفساد ليست مرتبطة بمجتمع معين فهي موجودة أينما وجد الانسان، وتعمل الدول على وضع الأنظمة والسياسات التي تحد من الفساد حتى لا تشكل عائقا في مسيرة التنمية. الجودة التي هي عنوان هذا المقال وهي التي نبحث عنها في الأداء والخدمات والمنتجات حين نكتشف أنها غائبة فهل نكتفي بالمحاسبة أم نراجع معايير الجودة لتطويرها، وتطوير آلية متابعة تنفيذها.؟ قد تكون الأنظمة موجودة ولكن الجودة تغيب أحيانا حتى عن هذه الأنظمة كونها تقاوم التغيير والتطوير وهكذا حين نواجه مشكلة جديدة ونرجع للنظام للتعامل معها نكتشف أن النظام لم يتطرق اليها. يقال في الادارة أن العمل الذي لا تستطيع قياس نتائجه لا تستطيع ادارته وهذه هي احدى مشكلاتنا الادارية التي نبتعد عن جذورها ونتعامل مع أعراضها فقط. ومن الملاحظ أن كثيرا من الأجهزة والمؤسسات غارقة في أعمالها ومهامها اليومية ولا تجد الوقت لقضايا التطوير ومراجعة أولوياتها، والتخطيط للمستقبل بما يتفق مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وأمامنا حالات كثيرة تعبر عما سبق سواء في تعثر تنفيذ البرامج والمشاريع أو تنفيذها بمستوى جودة ضعيف يتبعه مستوى صيانة أضعف.
مشاركة :