رصد البابا تواضروس الثاني في عظته اليوم بمناسبة احد الشعانين أربع علامات أو صفات لا تتكرر في سائر قداسات العام كله. اولها مجى شعب الكنيسة وهم حاملين شيئًا بأيديهم السعف. ٢. يتم عمل موكب نلقبه بـ "دورة السعف" أو "دورة الشعانين"، فيه نطوف الكنيسة في نظام معين. ٣. هذا هو القداس الوحيد الذي نقرأ فيه نفس الحدث من البشائر الأربعة، بمعنى أن البشيرين الأربعة؛ متى، مرقس، لوقا ويوحنا سجلوا نفس الحدث، ونحن نقرأ ما كتبوه وسجلوه. ٤. في نهاية القداس، يُصلى طقس خاص يسمى بطقس الجناز العام. وشرح البابا العلامات الأربعة: أولى علامات هذا الصباح المبارك، أننا نأتي إلى الكنيسة حاملين السعف في أيدينا، وهذا تعليم أو وصية ألا تأتي إلى الكنيسة بأيدٍ فارغة. سعف النخيل هو الشيء الذي استقبلوا به السيد المسيح مع أغصان الزيتون، وفي الطريق فرشوا القمصان؛ بمعنى أنهم فرشوا ملابسهم الخارجية على الأرض كنوع من الاحتفال والترحيب بدخول السيد المسيح. وكما نعلم أن سعف النخيل هو من النباتات الطويلة والعالية جدًّا التي تشير إلى السماء، كما تشير إلى الإنسان الذي يهتم بالسماء. وثمر النخيل الذي هو البلح بأنواعه الكثيرة فيه غذاء كبير جدًّا. وسعف النخيل نفسه بملمسه الناعم وشكله الجميل وخطوطه المتوازية، يُعلمنا كيف يملك الإنسان القلب الرحيم كما السعف بملمس الشمع اللين يُمكن تشكيله بأشكال كثيرة كنوع من الترحيب والفرح بدخول المسيح لأورشليم. ففي حمل السعف تعليم ووصية، ألا وهو ألا تأتي إلى مسيحك بيدك فارغة، بل يجب أن تكون يدك قد فعلت شيئًا، وهذا الفعل المقصود به أعمال الرحمة الواسعة جدًّا. فعندما نصلى ونحن حاملين هذا السعف الصغير، نتمنى أن نكون مثله؛ في أن تمتد حياتنا نحو السماء، وننمو روحيًّا وأيدينا تصنع الرحمة. فتكون مثل النخل الذي قيل عنه في المزمور: "اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو" (مز ٩٢: ١٢). فسعف النخيل يعطينا درسًا، أن تكون لنا قامة روحية عالية كقامة القديسين المعاصرين لنا والذين سبقونا التي هي عالية جدًّا أمام الله. فحين نمدح شخصًا ونقول له: "أنت رافع راسنا في السماء"، نقصد أنه عمل أعمالًا يُفتَخَر بها. فحياتك أيضًا يجب أن تكون فيها الأعمال التي تفتخر بها كأعمال الرحمة التي ترفع رأسك وحياتك إلى السماء. ثاني علامات هذا الصباح، أننا نعمل موكب الشعانين في الكنيسة، نقف في ١٢ محطة أمام أيقونات القديسين مثل: أمنا العذراء مريم، الملائكة، الآباء الرسل والشهداء. وفي كل محطة يتم تكرار ٤ أفعال. الأول: قراءة جزء من مزمور، الذي يمثل أبرار العهد القديم. الثاني: قراءة جزء من الإنجيل، الذي يمثل أبرار العهد الجديد. فكأن العهدين القديم والجديد مجتمعان معنا. الثالث: الوقوف أمام أيقونة من أيقونات القديسين؛ كأيقونة السيدة العذراء مريم، أو أحد السمائيين باختلاف أنواعهم. الرابع: حضورنا نحن الأرضيين المتعبدين لله في هذا الزمان. فكأن هذه الأركان الأربعة تشكل صليبًا من أربعة اتجاهات: السمائيين مع الأرضيين، وأبرار العهد القديم مع أبرار العهد الجديد. فهؤلاء يجتمعون معًا في كل محطة أثناء صلاتنا بدورة الشعانين. و هذا الموكب الكبير يُلقب بموكب النصرة، كما قال بولس الرسول: "وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ" (٢كو٢: ١٤). وهنا السؤال: هل لك مكان بهذا الموكب العظيم الممتد من الأرض للسماء، الذي يشمل قديسي العهدين؟ هل حجزت مكانًا في موكب السمائيين كما تحجز مكانًا في الكنيسة الآن لسبب ظروف الوباء والمرض المنتشر في العالم كله؟ يجب أن تنتبه لذاتك، وأن يكون لك نصيب في موكب النصرة، الذي يقوده السيد المسيح الممتد من الأرض للسماء. فهذا هو موكب الإنسان الذي انتصر على ضعفاته وخطاياه، الذي عاش في البر والتقوى والمخافة والمحبة. الذي عاش حياته كلها يتمم مسؤولياته على الأرض ولكن فكره وقلبه متيقظان للسماء. فمن منا لا يشتهي أن يرى أمنا العذراء والسمائيين، فما بالك حينما تقف معهم في هذا الموكب؟ ففي هذا الموكب، أُناس قديسون وصلوا للسماء، ونحن هنا على الأرض نجاهد روحيًّا لكيما يكون لنا نصيب معهم في السماء. نحن لا نحتفل بشكل من أشكال الطقوس فقط، فالألحان التى نسمعها ونرددها، وأيضًا الطقس الذي نعيشه، كل هذه وسائل لكي تساعدنا في نمو وتقدم حياتنا الروحية. فالمهم هو أن تعيش بداخل الطقس ومعناه المُعزي. فكما ذكرنا أولًا تأتى إلى الكنيسة حاملًا السعف، لكي ترفع رأسك للسماء، وأما هذا الموكب فهو موكب النصرة المتجه إلى السماء. ثالث علامات هذا الصباح، أننا نقرأ من الإنجيل المقدس نفس الحدث كما سجلوه الشهود البشيرين الأربعة، فكما هو معروف أن الشهادة تثبت على فم اثنين أو ثلاثة، ونحن لدينا أربعة. وكما قلنا من قبل أن هذه هي المرة الوحيدة الفريدة في السنة التي نفعل فيها هكذا في القداس الإلهى. ففي هذا الحدث التاريخي، دخل المسيح أورشليم راكبًا على حيوان مسالم وهو الجحش، واستقبله أهلها جميعًا صغار مع كبار ببساطة شديدة وقالوا بالألحان: "أوصنا في الأعالي.. أوصنا لملك إسرائيل"، وهذه الصورة ليست كصورة الفاتحين الذين يكونون على صورة فارس راكبًا حصانه فاتحًا البلاد بالحرب. فالبعض كان يظن أنه داخل إلى أورشليم، مدينة الملك العظيم داود النبي، لكي يحررها من الاستعمارالروماني، حينما كان بيلاطس البنطي هو الوالي المُعين من قبل السلطات الرومانية من عام ٢٦م -٣٦م الذي صلب السيد المسيح عام ٣٣م. فنحن نقرأ من البشائر الأربعة، باعتبار أن السيد المسيح قد جاء إلى أركان الأرض الأربعة، وأيضًا اشتركت في استقباله في هذا الحدث كل المراحل العمرية (الأطفال - الشباب - الرجال - النساء - الشيوخ)، فالكنيسة تقول لنا أن نعيش بالوصية في كل مراحل عمرنا ونفهمها، فكل ما كُتب قد كُتب لأجلنا ولأجل خلاصنا. ففي هذه البشائر الأربعة نجد عمل الله من أجل خلاص العالم كله، كما قال بولس الرسول: "عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" ( في١: ٢٧). اعرف.. ادرس.. تأمل.. ادخل للعمق.. تكلم بكلمة الإنجيل واحيَ بها ليلًا ونهارًا لكي تكون حاضرة أمامك لتعطيك استنارة، كما نقول في المزمور: "وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا" (مز١: ٢). وتطرق البابا في عظته للتعامل في البيت وقال في بيتك استخدم في حديثك آيات ومواقف من الإنجيل المقدس فمثلًا: عندما نقوم بغسيل الأطباق نتذكر السيد المسيح عندما غسل أرجل تلاميذه، وأيضًا عندما تتقابل مع أحد أصدقائك وتتحدث معه تذكر تلميذي عمواس عندما رافقهما السيد المسيح إلى القرية. فبذلك يصير فكرك نقيًّا وطاهرًا. لذلك اجعل إنجيلك معاشًا وعمليًّا بشكل يومي في حياتك. وأما العلامة الأخيرة من علامات هذا الصباح، هو ما يتم بعد نهاية القداس الإلهي وهو صلاة التجنيز أو الجناز العام، فهدفها الرئيسي هو الاستعداد لمغادرة الأرض بما أننا سوف نبدأ في صلوات أيام البصخة لأسبوع الآلام المقدس، وبالطبع هذه الأيام لا يوجد بها أهم من صلوات تذكار السيد المسيح، فلا توجد بها مناسبات ولا يرفع فيها بخور. لذلك رتبت الكنيسة عمل جناز عام يحضره جميع الشعب وينتهي برش الماء، فإذا سمح الله وانتقل أحد في هذه الأيام، يحضر صلاة من صلوات البصخة ويُرش بماء صلاة الجناز. وأوضح البابا الأهداف الثلاثة لصلاة الجناز ثلاثة أهداف: ١. تدفعنا للتوبة؛ فإذا عرفت أنك ستُغادر الحياة، ستتوب. ٢. رفع القلب بالصلاة والقول: "ارحمني يا الله كعظيم رحمتك". ٣. استعداد الفكر والقلب داخليًّا وخارجيًّا بالصلوات المعزية. فنبدأ بعدها صلوات البصخة المقدسة انتهاءًا بصلب المسيح يوم الجمعة العظيمة ثم القيامة المجيدة فجر الأحد. فهذا الجناز العام له طقس فريد لا يتكرر كباقي علامات هذا الصباح التي لا تتكرر في غير هذا القداس طوال أيام السنة. إذًا فكما ذكرنا من قبل: أولًا: نأتى بالسعف في أيدينا. ثانيًا: نشترك في موكب النصرة. ثالثًا: نعيش الوصية من خلال الإنجيل المقدس. رابعًا: نستعد من خلال طقس الجناز العام. ولذلك فهذا اليوم دسم مليء بالنعمة والبركة. فنشكر الله أنه أعطانا أن نأتي إلى هذه الساعة المقدسة ونصلي في هذه الكنيسة التي دُشنت في أكتوبر الماضي، ولكننا نصلي بعدد أقل من العدد الطبيعي لأن الإجراءات الصحية الواجبة تُحتم هذا بدلًا من إغلاق الكنائس، فنحضر بعدد محدود ونعتمد على وسائل نقل التليفزيون. واختتم البابا عظته بطلب صلاه وقال.نرفع قلوبنا بالصلاة لكي يرفع الله عنا هذا الوباء وعن بلادنا وعن كل العالم، ويجب علينا أن ننتبه إلى تصريحات المسؤولين والمنظمات العالمية للصحة؛ لأن هذه الموجة الثالثة عالية جدًّا فيجب علينا الحرص بتجنب الأماكن المزدحمة والمغلقة ومراعاة التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وغسل الأيدي باستمرار. الرب يحفظ ويبارك حياتكم جميعًا، ويحفظ ويبارك بلادنا وكنيستنا في كل مكان ويعطينا أن نمجده في حياتنا. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.
مشاركة :