يرقد حسين الحاج في غرفة العناية المكثفة في مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي في قطاع غزة وفيما يجاهد لاستنشاق الهواء وهو موصول بجهاز التنفس الاصطناعي، يحاول الكلام بصعوبة ليقول إن التطعيم ضد فيروس كورونا «ضروري» بعد اكتظاظ وحدات العلاج المكثف الذي ينذر بكارثة صحية. تمتلئ وحدة العناية المكثفة في المستشفى والتي أنشئت قبل نحو شهرين لعلاج الحالات الحرجة من مصابي كورونا، بالشاشات التي تعتلي أسرة المرضى وتومض باللونين الأخضر والأحمر، بينما ترتفع أصوات التنبيه من أجهزة قياس نسبة الأكسجين في الدم ومعدل ضربات القلب. يقول الحاج وهو رجل سبعيني «سآخذ التطعيم بعد أن أتعافى». ويضيف وقد غلبت أصوات الأجهزة الطبية على صوته «نعيش هنا بلا صلاة ولا زيارة، أجد هنا العناية الطيبة وآمل أن تنتهي بعودة البسمة إلى وجوهنا». أحصى قطاع غزة المحاصر برا وبحرا وجوا من قبل إسرائيل منذ أكثر من 14 عاما، حوالي 98 ألف إصابة بالفيروس و857 وفاة. ومن المتوقع أن يرتفع العدد خلال الأسبوع الجاري إلى أكثر من مئة ألف إصابة. مع تفشي فيروس كورونا، واجهت إسرائيل أعداد إصابات ووفيات مرتفعة، في حين كانت الإصابات معدومة على الجانب الآخر من الحدود في قطاع غزة الذي تحاصره الدولة العبرية منذ 14 عاما. لكن المشهد تغير في آب/أغسطس، بعد الإعلان عن أول إصابات محلية بالفيروس وازداد الوضع سوءا مؤخرا مع الارتفاع المطرد في أعداد الإصابات في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عن العودة إلى حياة شبه طبيعية. اليوم، يمكن وصف الحالة الصحية في قطاع غزة بأنها ضعيفة جدا وهناك نقص كبير في الأجهزة والمستلزمات الطبية والأسرة في وحدات العناية المكثفة وهي أمور تفاقمت مع تفشي الفيروس. - إخراج مريض - يعمل سامر منصور في قسم العناية المكثفة إلى جانب ستة عشر ممرضا وعشرة أطباء، ويشير إلى أنهم شرعوا بتجهيز المستشفى قبل شهرين. ويقول الممرض البالغ من العمر 32 عاما، «استقبلنا أربعين حالة، تتراوح أعمارهم ما بين الخمسين والسبعين عاما، توفي منهم سبعة». ويضيف «نضطر لإخراج مريض إذا استقبلنا حالة أخرى أكثر خطورة» ويؤكد أن هؤلاء المرضى المصابين «بحاجة إلى عناية خاصة ولدعم النفسي وهذا يشكل عبئا علينا». يقع مستشفى «الصداقة الفلسطيني التركي» الذي أنشئ في عام 2017 بدعم تركي على بعد مئات الأمتار من موقع تدريب للجناح العسكري لحركة حماس وقرب أحواض تكرير مياه الصرف الصحي. ويحاط مبنى المستشفى بتدابير أمنية احترازية مشددة نظرا للحالة الوبائية، ولا يسمح سوى لأعداد قليلة جدا من الزوار بدخوله لمنع انتقال العدوى. طلبت إدارة المستشفى من طاقم وكالة فرانس برس الذي سمح له بالدخول بعدم إظهار وجوه المرضى أو إزعاجهم. خلف الأجهزة يراقب ثلاثة ممرضون حالة الحاج وستة مصابين آخرين بالفيروس يمكثون معه في الغرفة وقد وصلوا جميعا بأجهزة التنفس. يشير الحاج وهو مدرس متقاعد إلى أنه نقل إلى المستشفى التركي قبل نحو أربعة عشر يوما، وبقيت زوجته المصابة بالفيروس أيضا قيد الحجر الصحي في منزلهم في خان يونس. - تحذير من كارثة - يخشى مدير وحدة مكافحة العدوى في وزارة الصحة في قطاع غزة رامي العبادلة أن يتحول الوضع «الحرج» الذي يعيشه اليوم القطاع إلى «كارثي». وترد هذه الخشية لدى الطبيب إلى اللقاءات الاجتماعية التي يزداد حجمها في شهر رمضان في ظل كثافة سكانية عالية. ويرى العبادلة أن ظهور «الطفرة البريطانية من الوباء والتي تعتبر الأسرع انتشارا» ساهم في الازدياد المطرد لأعداد الإصابات. وسجل القطاع الأسبوع الماضي أعلى عدد وفيات يومية بواقع 23 وفاة خلال 24 ساعة فقط، رافقها ومنذ ثلاثة أسابيع إصابات يومية تزيد عن ألف إصابة. يقول العبادلة «عندما يكون عدد الإصابات 1000 فهذا قد يعني أن العدد الحقيقي هو خمسة آلاف حالة يوميًا». ويعزو مدير وحدة مكافحة العدوى ذلك إلى «عدم توجه كثير من المواطنين إلى المستشفيات أو المراكز الطبية لإجراء فحص كورونا، وأنهم لا يأبهون بالأعراض لديهم، بل يتجولون في الشوارع والأسواق، وهذا يزيد من تفشي المرض». وبالنسبة للعبادلة فإن «إصابة نحو خمسين في المئة من المواطنين البالغين بالفيروس في الأشهر الأولى من انتشار الوباء في القطاع جعل الوضع الصحي تحت السيطرة نوعا ما إذ أصبحت لديهم مناعة». ويضيف «نعمل ما في وسعنا لمنع تفشي المرض بشكل أكبر وحتى لا نفقد السيطرة». استلمت وزارة الصحة في قطاع غزة نحو 110 آلاف جرعة من اللقاحات من مصادر متعددة، وجرى حتى الآن تلقيح حوالي 35 ألف مواطن. ويحتاج سكان القطاع بحسب العبادلة إلى نحو 2.6 مليون جرعة من اللقاحات. وفي محاولتها لاحتواء الحالة الوبائية، فرضت حكومة حماس حظر تجوال ليليًا اعتبارًا من السابعة مساءً حتى صباح اليوم التالي، وأبقت على الحظر الشامل ليومي الجمعة والسبت في نهاية كل أسبوع.
مشاركة :