أكملت الوكالات السياحية والإدارة المحلية في ولايات وبلديات الصحراء الجزائرية استعداداتها لموسم سياحة الخريف والشتاء الذي ينطلق في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وغيرت المطارات، خاصة في ولايات غرداية وتمنراست وأليزي وأدرار، برامج رحلاتها بما يناسب رحلات السياح الذين ينزل معظمهم في مدن الشمال أولاً كوهران وعنابة والعاصمة قبل مواصلة الرحلة جنوباً. كذلك، تهيأت الفنادق والمخيمات التقليدية التي يفضلها السياح وبيوت الشباب وعشرات من المرافقين والمرشدين الذين يسهرون على راحتهم. ووفق بشير جيريبي، رئيس اتحاد الوكالات السياحية، فإن التحضيرات اكتملت والموسم سيكون ناجحاً. وقال ل الخليج: إن الوكالات تنسق مع كل الجهات ذات الصلة بالنشاط السياحي، كما أصدرت وزارة الخارجية تعليمات إلى السفارات والقنصليات لتسهيل إجراءات التأشيرات السياحية، ودعت بعض القنصليات في ألمانيا وفرنسا و السويد والنمسا، وهي البلدان التي يكثر سياحها بصحراء الجزائر هذه الأيام لتوفير المعلومات الكاملة للسياح بحيث يحصل كل طالب تأشيرة على كراسة تعرف بالجزائر والمناطق التي يزورها. وبدأت طلائع الزوار قبل أيام، لكن الافتتاح الرسمي للموسم السياحي الصحراوي يكون في أكتوبر/تشرين الأول بإشراف وزارتي السياحة والثقافة. وجهزت السلطات الأمنية خرائط سياحية لكل الولايات المعنية، وحددت بدقة المسالك والمناطق التي يمنع زيارتها لأسباب أمنية خاصة في منطقة جانت على الحدود مع ليبيا ، حيث الجبال العالية والأودية والغابات الصخرية التي يصعب ضمان الأمن للوفود فيها. ومنعت الجهات الأمنية ارتياد المواقع السياحية القريبة من مالي في ولاية تمنراست. أما ولاية غرداية فمع أنها عرفت قبل شهور مواجهات بين بعض السكان، فإن السلطات لم تمنع زيارة أي مكان بها، وأعلنت أنها تضمن أمن السياح، سواء داخل المدن وأحيائها العتيقة أو الأرياف والمواقع الأثرية. وكذلك الشأن بالنسبة لولاية أدرار التي تزخر بمعالم سياحية نادرة يتهافت عليها السياح وفي مقدمتها الفقارة، وهي طريقة السقي القديمة بواسطة عشرات الآبار المتصلة بقنوات تمتد تحت الأرض على مئات الكيلومترات. ويطلب السياح في ولاية تمنراست زيارة مناطق داخل حظيرة الأهجار وهي أكبر متحف عالمي مفتوح على الطبيعة ومصنفة ضمن التراث الطبيعي الإنساني، وتحتوي على نقوش ورسوم من مرحلة ما قبل التاريخ بعضها داخل كهوف وبعضها الآخر على الصخور وتروي في مجملها الحياة الاجتماعية والمعيشية. ويطلب السياح كثيراً زيارة ضريح الملكة تين هينان ملكة الطوارق، أو أم الطوارق كما يسميها أحفادها. وهي امرأة وحدت قبائل الطوارق في أمة واحدة قادتها وأنهت خلافاتها وقتال رجالها المزمن. ويعتقد أنها عاشت وحكمت في القرن الخامس الميلادي، وضريحها عبارة عن 11 غرفة غير منتظمة بنيت بصخور بيضاوية على هضبة. واكتشفت الموقع في عام 1925 بعثة أمريكية فرنسية مشتركة. ومن أروع ما يزور السياح في منطقة جانت بولاية اليزي موقع البقرة الباكية، وهي صخرة عملاقة نقش عليها الإنسان قبل نحو خمسة آلاف سنة رسوماً لقطيع من البقر الوحشي تنهمر الدموع من عيون أفراده. والسبب أن المنطقة كانت مروجاً وحقولاً ومراعي شاسعة تتخللها جبال وروابٍ خضراء تنزل منها الأودية والجداول تلتقي في غدران وبحيرات منبسطة تروي الأرض ومن عليها. وفي موسم الهجرة السنوية غادر القطيع إلى وجهته المعتادة ولما عاد بحسب الوقت المبرمج عليه غريزياً وجد الوديان والجداول جفت، والبحيرات والغدران اختفت وابتلعتها الأرض، والجبال والروابي تعرت من غطائها النباتي وغطت الرمال المروج والحقول وأتت على الكلأ، فتاه القطيع وضيّع معالم المكان فسالت الدموع. الإنسان وقتها أرّخ بهذه النقوش على الصخر قصة تحول تلك الأرض من الوفرة والنعيم إلى القحط. وتوجد في الصحراء مئات المواقع التي تستحق المشاهدة وسماع محاضرات المرشدين السياحيين حولها، لكن الوضع الأمني، خاصة بعد الذي حدث في ليبيا ومالي، وما حمل ذلك من أخطار على المناطق الحدودية بصحراء الجزائر قلصت مواقع الزيارات إلى بضع عشرات. ومع ذلك يستمر توافد البعثات السياحية حتى آخر مارس/آذار المقبل وتبدأ بعده مواسم الزوابع الربيعية التي توقف الحركة لعدة أيام. ويكثر السياح خاصة في ديسمبر/ كانون الأول ويناير / كانون الثاني، إذ يحضر عشرات الآلاف من الأوروبيين لاحتفالات أعياد الميلاد في العراء ، ويتسلق عدد كبير منهم قمة جبل اسكريم الذي يرى منه أجمل شروع على الأرض.
مشاركة :