أبلة فضيلة: بابا شارو منعني من تقديم برنامج للأطفال

  • 9/25/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ستظل الحدوتة المصرية مرتبطة باسم فضيلة توفيق أو أبلة فضيلة، التي أثرت الإذاعة المصرية بالمئات من الحكايات والحواديت عبر أجيال متعاقبة، احتلت في قلوبهم ونفوسهم مكانة خاصة وهي تحكي للصغار عبر الأثير قصصها المسلية ذات القيم النبيلة بادئة بصوتها المميز الرائع جملتها الشهيرة كان يا ما كان، كان في زمان، مشوارها مع الإذاعة محض صدفة، أما مشوارها مع الأطفال فكان محض اختيار حيث آثرت التعامل معهم حيث البساطة والتلقائية والصدق، تلك السمات التي تتوافق مع طبيعتها وقناعاتها الشخصية. ولدت الإعلامية الكبيرة في 4 إبريل/نيسان عام 1929 الابنة الثانية لأسرة مكونة من أربعة أبناء علي، فضيلة، يسر وأخيراً الفنانة محسنة توفيق، تعود فضيلة توفيق بذاكرتها إلى أيام الطفولة لتحكي قصتها الخاصة. تقول أبلة فضيلة: كنا نسكن في شارع الملكة نازلي بميدان رمسيس، وكنت أجمع جيراني من الأطفال وأقص عليهم الحكايات التي كنت أستمع إليها من جدي الذي كان يحكي لنا عن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى غرس في قلبي وعقلي حبه والشوق إليه ما تعلمت منه أسلوب الحكي المشوق، كان جدي رئيس ديوان السلطان حسين، وكانت أمي تذهب بصحبته صغيرة إلى القصر فرأتها الملكة ملك زوجة السلطان حسين فعملت وصيفة لديها ولقبت فاطمة هانم التركية، حيث علمتها الملكة اللغتين التركية والفرنسية، فكانت تتحدث اللغتين بطلاقة، وحين تزوجت أمي آثرت التفرغ لزوجها وأسرتها الجديدة، حيث كان أبي توفيق عبد العزيز خريج كلية الحقوق متفرغاً لإدارة أملاكه وأملاك أسرته، كانت أمي تعاود زيارة الملكة بين الحين والآخر وتصطحبني معها وأذكر كم كانت هذه السيدة جميلة وكريمة تغدق علينا بالحلوى والهدايا وتصر على تعليمنا اللغة التركية، لكن أبي رفض حتى يظل الحديث داخل الأسرة باللغة العربية، تميز أبي بالشدة في غير قسوة وكان حازماً في مسألة العلم والتعليم، ويصر على تعليم البنات من دون تفرقة بين الجنسين، في حين كانت أمي تبدو كالأميرة جميلة وحنونة وهادئة كانت الأقرب لي فتأثرت بشخصيتها كثيراً تعلمت منها التسامح وحب الناس والعطف على الفقراء، حيث كانت تجمع خدام البيت والعمارة وتقدم إليهم الطعام والشراب وتقوم على حل مشكلاتهم، دافعت عن خادمة اتهمتها سيدتها بالسرقة زوراً وذهبت لقسم الشرطة لتبرئها بعد أن أدلت بشهادتها، كما علمتني فنون الطبخ، أما شؤون النظافة فكان يقوم عليها بعض الشغالين، التحقت بمدرسة الأميرة فريال الثانوية وهناك التقيت ناريمان التي أصبحت فيما بعد زوجة الملك فاروق، وتوجت ملكة على مصر، كما التقيت الفنانة الراحلة فاتن حمامة التي كان والدها يعمل سكرتيراً بالمدرسة وأصبحنا صديقتين طوال رحلة الحياة. بحلول عام 1950 حصلت على الثانوية العامة، وكنت أرغب في دخول كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، لكن أبي رفض وأصر على كلية الحقوق التي يدرس بها أخي الأكبر علي، وهناك التقيت زملائي د. أسامة الباز ود.عاطف صدقي ود.فتحي سرور كانت الدفعة تضم ما يقرب من 15 فتاة فقط، هناك تفتحت عيناي على حياة جديدة ومختلفة شكلت وجداني ووعيي السياسي، حيث كانت مصر تموج بالتغيرات والتنظيمات السرية التي تقاوم الاحتلال، كنت أراقب ما يحدث حولي من دون الانخراط في العمل السياسي نظراً لارتباطي بأخي داخل وخارج أسوار الكلية. تخرجت في الكلية عام 1953 حيث التحقت للعمل بالمحاماة في مكتب حامد باشا زكي الذي كان وزيراً للمواصلات آنذاك، كان يفوضني في مقابلة أصحاب القضايا لمعرفة طبيعة القضايا والمشكلات، ووجدتني حين ينتهي الخصم من عرض قضية أحاول الإصلاح عن طريق صيغة للتفاهم بين الطرفين فنجحت في التوفيق بين بعض الخصوم في عدة قضايا، حتى قام أحد زملائي بإبلاغ حامد باشا بما أفعله مع الزبائن حيث عاتبني بشدة قائلاً: مهنتنا تعتمد على خلافات الناس، أنت حتطفشي الزبائن، وطردني من المكتب، ثم عرض عليّ العمل في الإذاعة ووافقت، كان ينبغي إبلاغ أبي بتغيير وجهتي العملية، حيث رحب بالعمل في هذا المجال، ثم وافق على أن تلتحق أختي الأصغر مني يسر بمعهد الموسيقى لتنمية موهبتها في الغناء الأوبرالي فكان سعيداً بهذا الاختيار وأصبحت أختي إحدى مطربات السوبرانو الأوبرالي المتميزات وكانت تتمتع بقوة الشخصية جريئة في اتخاذ القرارات ففاجأت أبي برغبتها في السفر لإيطاليا لاستكمال دراستها وبعد سفرها تعرضت لأزمة صحية توفيت على أثرها هناك. أما محسنة توفيق أختي الصغرى فالتحقت بكلية الزراعة لكنها أحبت العمل في مجال التمثيل فخاضت التجربة وحققت نجاحاً ملحوظاً، وتعلق توفيق ضاحكة: نحن أسرة فنية أحببنا الفنون والأدب من العالم المحيط بأبي الذي رسم لنا هذه الحياة، والذي كان محباً لدعوة الأصدقاء من الأعيان والمثقفين حيث تأثرنا جميعاً بأفكارهم وتوجهاتهم. في عام 1953 تقدمت للامتحان بالإذاعة وكانت اللجنة مكونة من الإعلامية الكبيرة صفية المهندس والإعلامية تماضر توفيق ومحمد محمود شعبان بابا شارو زوج صفية المهندس، اجتزت الامتحان بنجاح وعينت مذيعة في العام نفسه، اخترت العمل مع بابا شارو الذي كان يقدم برنامج حديث الأطفال الأسبوعي بدأت صفية المهندس تدريبي على الإلقاء قبل إسنادي مهمة التقديم أمام الميكروفون ثم التحقت بمعهد الإذاعة لدراسة الإلقاء والقراءة لمدة أربعة أشهر، حيث كانت د. سهير القلماوي وكيل وزارة الثقافة تقوم بعمل دورة تدريبية في الشعر والإلقاء، عملت مع صفية المهندس كمساعدة، ثم قدمت برنامج س و ج مع المستمعين ثم قدمت برنامج منوعات، وظل حلم تقديم برنامج للأطفال يراودني إلا أن بابا شارو حال دونه لأنه كان الوحيد الذي يقدم هذا البرنامج ورفض اشتراكي معه على الهواء وبحلول عام 1959 بدأ التجهيز لبث التلفزيون فطلب د. عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً للإعلام والثقافة آنذاك من بابا شارو أن يتولى منصب رئيس التلفزيون ، فكانت الفرصة مواتية لتقديم برنامجه حديث الأطفال، وبعد مدة قصيرة عاد مرة أخرى للإذاعة فعرضت عليه أن يقدم برنامجه فرفض ثم تولى فيما بعد رئاسة الإذاعة. كانت أمي بعد وفاة أبي وأخي وأختي تنتقل للعيش بيني وبين أختي محسنة، ثم توفيت فجأة وتركت فراغاً كبيراً حيث كانت الأم والصديقة والراعية لكل هموم ومشكلات العائلة ، والغريب أنني حلمت بوفاتها أيضاً وعرفت أنها ستودع الدنيا خلال أيام وأخبرت زوجي الذي كان يتعجب من تكرار أحلام الوفيات في العائلة قبل حدوثها، وشيئاً فشيئاً بدأت أشعر بالخوف من هذه الأحلام بعد أن أصبحت مصدراً للقلق والاضطراب. تنظر فضيلة توفيق بعينين دامعتين لتختتم حديثها وتسألني هل تعتقدين أنني سأحلم بوفاتي؟ عملي سلوتي قبل 6 سنوات سافر زوجي إلى دبي، وهناك أصيب بمرض، فعاد للعلاج في مصر، ثم جاءني نفس الهاتف في المنام ليخبرني بأنه سيموت ففزعت وأصبحت لا أستطيع النوم، وأطيل إليه النظر حتى عرف زوجي من نظراتي ما أشعر به وسألني: أنت حلمتي إني حاموت، فبكيت بشدة ثم توفي زوجي بالفعل، وبرغم تمهيد الحلم بالوفاة، إلا أني أشعر بالحزن الشديد، ووحدة قاتلة بعد رحيله، وسفر ابنتي الوحيدة، لكن من نعم ربي أنني ما زلت أذهب لعملي 3 مرات أسبوعياً لتقديم البرنامجين، رغم بلوغي سن التقاعد منذ أكثر من ربع قرن، فأنا الوحيدة من بين جيلي وأجيال أخرى، التي تجدد لها مدة سن المعاش حتى هذه اللحظة، فأجد في عملي سلوتي الوحيدة، حيث أعطاني حب الناس وتقديرهم وحب الأطفال الذين منحوني البراءة والطيبة والتسامح، كما أعطاني الفرصة لشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الاكتفاء وعدم الاحتياج لأحد. صدفة أدت إلى زواج عن الصدفة التي قادتها للزواج من المهندس الإذاعي إبراهيم أبو سريع، تقول أبلة فضيلة: بمرور السنوات تدرجت في المناصب الوظيفية حتى أصبحت رئيسة للبرنامج العام، كانت إدارتي تعتمد على اعتبارنا أسرة واحدة، فلا يحال أحد للتحقيق بل نحاول إيجاد حلول لإنهاء الخلافات من دون تصعيد، فلم يشعر أحد من المذيعين أو الفنيين أن هناك فرقاً بين الرئيس والمرؤوس، في هذه الأثناء قدمت برنامجي الثاني يومياً غنوة وحدوتة في أوائل السبعينات، إلى جانب حديث الأطفال الجمعة من كل أسبوع، في أحد الأيام حدث عطل بإحدى الماكينات قبل التسجيل، فجاء كبير المهندسين إبراهيم أبو سريع، لإصلاح العطل، وتعجبت لأنه لم يرسل أحد مساعديه، وكان يتميز بقوة الشخصية والجميع يهابه، ثم حدث تقارب وإعجاب متبادل انتهى بالزواج، بعد الزواج اكتشفت شخصية جديدة لزوجي، حيث كان يخفي حباً كبيراً وحناناً ورقة لا يلمسها أحد في العمل، غمرني زوجي بعطفه، فكان داعماً ومساعداً لي في أعباء المنزل، وخاصة بعد إنجاب طفلي الأول الذي توفي بعد عامين على إثر مرض، والغريب أنني حلمت بوفاة ابني قبل مرضه، وتكرر الحلم حتى تيقنت أنني سأفقده، فكنت أنظر إليه وهو يلعب وأبكي، وأصبت بانهيار عصبي بعد وفاته، ثم سافرت مع زوجي إلى إحدى الدول العربية للاستجمام، ونصحني الأطباء بعدم الإنجاب مرة أخرى، لكن الله سبحانه وتعالى أكرمني بابنتي ريم، التي تزوجت وهاجرت مع زوجها إلى كندا، وأنجبت ابنتي ثلاثة أولاد بإلحاح مني ليكونوا تعويضاً لي عما حرمت منه.

مشاركة :