نجاحات الرؤية.. خمسة دروس من الخمس سنوات الماضية

  • 4/26/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ خمس سنوات انطلقت رؤية المملكة ٢٠٣٠، كلمح البصر مرت لتقود ما تشهده بلادنا الحبيبة من تغيير وتطوير شمل أكثر المجالات الحيوية، تغيير أصبح متطلباً رئيساً على أجندة كل مواطن ومسؤول، وبدأنا بالفعل ومنذ السنوات الأولى نشاهد بزيادة مضطردة آثارها الإيجابية على حياتنا ومجتمعنا، ومع الوقفة الاحتفالية التي نعيشها اليوم ويقف لها الوطن تقديراً لهذه الرؤية الطموحة وما حققته قيادتها المميزة بفرق عملها المختلفة في معظم القطاعات، تبرز عدد من دروس فاعلية التغيير التي من الممكن رصدها وتعلمها من تجربة السنوات الخمس الماضية. أول هذه الدروس هو ما يمكن اختصاره بـ "الاستراتيجية أولاً"، فرؤية ٢٠٣٠ طبيعتها استراتيجية، كانت لها مبادراتها العملية والتنفيذية المباشرة التي تمثلت في برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠، ولكن في إطار استراتيجي شامل ممتد في مستهدفاته حتى نهاية العقد الحالي، مع معالم إنجاز واضحة على مسار الطريق. وانعكست هذه الطبيعة الاستراتيجية للرؤية على أولويات برامجها، فكان اعتماد الاستراتيجية في خطوة أولى أهم صفات تلك القطاعات التي حققت نجاحات ملموسة وسريعة في السنوات الخمس الأولى، كالثقافة والسياحة والإسكان على سبيل المثال لا الحصر. وكانت خطوة الاستراتيجية أساساً للخطوات التالية في تحسين هذه القطاعات وإعادة هيكلتها، إعادة هيكلية واقعية في إعادة ترتيب القطاعات بما يخدم أولويات ومستهدفات خططها الاستراتيجية مع اعتماد منهجيات الإدارة الرشيقة ورفع كفاءة الإنفاق وزيادة الإنتاجية، بدلاً من مشاريع الهيكلة التي تكرس الأوضاع البيروقراطية الكامنة. كما تعلمنا تجربة السنوات الخمس درساً مهماً في أهمية البدء في تغيير الفكر وطريقة التفكير حول المشكلات والقضايا الوطنية، فلا زلنا نتذكر التندر الذي لاقته كلمة أحد المسؤولين عندما تحدث عن أن المشكلة في قطاعه هي مشكلة فكر، ولكن المعالجات العميقة التي قدمتها وزارته لهذا القطاع في السنوات التالية منطلقة من تغيير الفكر أثبتت نجاحها ونجاعتها. ومثل ذلك تكرر في عدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فبدلاً من معالجات التشوهات الفكرية وتجميلها وتحسينها وإعادة تقديمها بأسماء جديدة، سعت بعض القطاعات بشجاعة الى قلب طاولة التغيير العميق للأفكار والممارسات القائمة من جذورها، وتقديم حلول إبداعية تعتمد على الانفتاح والتعلم من أفضل الممارسات العالمية وتوظيفها في النسيج الوطني بحرفية عالية. وفي كلمة أطلقها سمو سيدي ولي العهد في إحدى المناسبات حول "العلاج بالصدمة"، تعكس طبيعة هذه الرؤية وبرامجها وخططها، وهي تشير إلى مبادرات التغيير والتطوير الجريئة و المفاجئة، ليس فقط من حيث توقيتها، ولكن من حيث قوة ما تتناوله من جوانب كان يظن أنها لا تمس، وكذلك في تتابعها المستمر، والتناسق والتكامل فيما بينها. وهذا درس مهم من دروس السنوات الخمس الماضية، فسياسات التدرج والتوليف والموائمة مع الأوضاع القائمة توقياً لممانعة متخيلة، ليس لها من نتائج إيجابية في صناعة التغيير، إلا في تأخيره وإطفاء وهجه، وفي أحيان كثيرة تعظيم مخاطر استيعابه في الممارسات والهياكل القائمة. ولعل ذلك من أبرز الدروس المستفادة من قصص النجاح في برامج الرؤية ومشاريعها هي قصص "الشراكات الوطنية"، فأنجح المبادرات الحكومية انطلقت من شراكات جمعت وزارات وقطاعات مختلفة للعمل على تحقيق أهداف استراتيجية مشتركة في إطار من ممارسات فرق العمل المرتبطة بمشاريع ذات مستهدفات وخطط عمل وجداول زمنية واضحة، وليست بالصفة التقليدية للجان الدائمة واللجان المنبثقة عنها من ما اعتدنا عليه من شبكات بيروقراطية. وما هو أكثر إبهاراً هو قصص النجاح التي تبلورت من خلال شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، شراكة تنبع من العمل على صعيد متساو في التخطيط وتحديد الأهداف وتوزيع الأدوار ومتابعة الأداء، تجاوزت الأطر التقليدية من علاقة الحكومة مع القطاع الخاص في إطار الممول والمقاول، أو الأطر التجميلية التي لا تتجاوز فيها الشراكة حدود وريقات الاتفاقيات أو أوقات الاجتماعات. رأينا هذه الشراكة ولمسنا آثارها في الوقفات المتكررة التي وقفتها الحكومة مع شركائها في القطاع الخاص خلال الجائحة في دعمه والشد من أزره خلال هذه الجائحة. وخامس دروس هذه السنوات الخمس يبرز في أهمية التركيز على المنجزات لتستدعي اهتمام المجتمع والإعلام بمختلف أشكاله وقنواته. فإذا كان هناك من تحفظ على قصص النجاح الكبيرة التي حققتها عدد من برامج رؤية ٢٠٣٠ في أعوامها الخمسة الأولى، هو أنها لم تعط حقها في إبراز منجزاتها إعلامياً. ولكن الحقيقة أن هذه البرامج بذلت الوقت الأطول في التخطيط والتنفيذ للتغييرات العميقة والتحولية التي صنعتها في قطاعاتها المختلفة، بدلاً من صناعة الإعلام وإدارته حولها. فأصبحت لاحقاً محل اهتمام ومتابعة المجتمع والإعلام محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأصبحت بعض المبادرات السعودية مؤشرات مرجعية وممارسات متميزة إقليمياً وعالمياً تستدعى في المناسبات والمؤتمرات ويستشهد بها. وتحولت بالتالي هذه البرامج والمبادرات من مشاريع الرؤية من الحاجة إلى الحملات الإعلامية لصناعة المنجزات إلى الحملات التعريفية لما تم تطويره فعلياً من سياسات أو الترويج لمزيد استفادة وتوظيف لما تقدمه خدمات. وعلى الصعيد الوطني، بدلاً من حملات العلاقات العامة بما لها وما عليها، جاءت رؤية ٢٠٣٠ بمجموع برامجها ومبادراتها الوطنية والإقليمية جاذبة للاهتمام العالمي، بل ومؤثرة في التوجهات الدولية. ومع تأكيد سمو ولي العهد "أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتوجب القيام به على مختلف الأصعدة لاستمرار العمل لتحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠ على النحو المأمول والمطلوب"، تبقى تجربة السنوات الخمس بقصص النجاح الملهمة، والإنجازات الاستثنائية المحفزة، حافلة بكثير من الدروس والممارسات التي ستعزز الاستفادة منها القدرة والكفاءة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة بشراكات قوية، وجرأة في صناعة التغيير وإحداث الأثر. لقد نقلتنا الأعوام الخمس الماضية من ردود الفعل إلى الاستباق والاستشراف، ومن تسيير الأعمال إلى الكفاءة والتنافسية، ومن المقارنة بالمشابه إلى المنافسة مع دول مجموعة العشرين.

مشاركة :