كلَّما سارت بنا الخطى في مكة المكرمة وتوقفنا أمام محال تجارية أو مساكن خاصة بالحجاج، أو أوقفتنا زحمة حركة السير، برز بين الجميع أحد الشباب ممَّن استهواهم الانشغال بخدمة الحجيج، فنرى أحدهم يوزع الماء البارد على الحجاج بالمجان، وآخر يقف حاملاً حبات تمر بين يديه، وآخر يقوم بتوزيع وجبات غذائية للحجاج بالمجان، وحينما تسأل عن هوية هؤلاء الشباب تجد أنَّهم أبناء مكة المكرمة، الذين تربوا على خدمة الحجيج، كما تربى آباؤهم وأجدادهم على ذلك من قبل. وأثناء مرورنا وسط أحياء مكة المكرمة استوقفتنا لوحات لمكاتب ومجموعات الخدمات الميدانية التابعة لمؤسسات الطوافة، حيث ساقنا الفضول الصحفي للتوقف أمامها ومعرفة ما اذا كان لأبناء المطوفين دور في خدمة الحجيج، أم أنَّ الآباء وحدهم هم من يقومون بهذا العمل، خاصة أنَّ تعليمات وزارة الحج لا تسمح لمن يقل سنه عن (18) عاماً بالعمل داخل هذه المكاتب والمجموعات. مهنة مكتسبة وأوضح أحمد بن صالح حلبي -مطوف- أنَّ خدمة الحجيج ليست وظيفة تؤدى، لكنَّها خدمة تقدم، مُضيفاً أنَّه حينما ننظر لواقع أعمال المطوفين كمهنة مكتسبة، فإنَّنا نجد أنَّهم يسعون إلى ترسيخ مفهوم خدمة الحجاج لدى أبنائهم من خلال عدة برامج دون النظر لأعمارهم، مُشيراً إلى أنَّ أطفال المطوفين -على سبيل المثال- تكون من خدماتهم المقدمة للحجاج تقديم الهدايا ووجبات التغذية الخفيفة، مُبيِّناً أنَّ كثيرا من المطوفين يسعون الى متابعة حجاجهم بشكل واسع. وأضاف أنَّهم حينما يعلمون أنَّ لديهم أطفالا بصحبتهم، فإنَّهم يسارعون إلى معرفة أعمارهم، لشراء هدايا تتناسب مع مستوياتهم العمرية، إلى جانب أنَّ بعض المطوفين يستخدمون وسائل الجذب لأبنائهم نحو خدمات الحجاج من خلال منحهم مكافآت مالية، حيث انَّها خطوة محفزة لهم للعمل في خدمة ضيوف الرحمن، موضحاً أنَّ بعض مؤسسات الطوافة لجأت الى تحفيز أبناء المطوفين لخدمة ضيوف الرحمن، وذلك من خلال تنظيم ملتقيات تعرف بمهنة الطوافة منذ بدايتها. وأشار في هذا الصدد إلى أنَّ مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأميركا وأستراليا نفذت هذا العام لأول مرة ملتقى يتناول تاريخ الطوافة كمهنة والمراحل التطويرية التي شهدتها على مدى العصور والأزمان. بناء سليم وأكَّد حلبي على أنَّ أبناء المطوفين قادرون على تولي مهام آبائهم، لافتاً إلى أنَّ البناء السليم والأساس القوي قادر على مواجهة كافة الصعوبات، وإن نجح المطوفون من خلال مؤسساتهم في إعداد الجيل القادم من المطوفين، فيمكن القول انَّ الطوافة ستسير بشكل سليم وستشهد تطوراً في مستوياتها، مُبدياً قلقه من أن ينساق أبناء المطوفين صوب مهامهم الوظيفية وأعمالهم التي يمارسونها طوال العام ويبتعدون عن مهنة لها جذورها التاريخية. ودعا الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف كمظلة تنطوي تحتها مؤسسات الطوافة الست والمؤسسة الأهلية للأدلاء بالمدينة المنورة ومكتب الوكلاء الموحد ومكتب الزمازمة الموحد إلى العمل على صياغة برامج تحفيزية للأبناء تجذبهم نحو العمل داخل هذه المؤسسات، وذلك بمكافآت مالية ودعم معنوي يؤهلهم للعمل مستقبلاً، مُعرباً عن خشيته من أن ينصب تفكير أبناء الجيل القادم صوب المراكز القيادية، كعضوية مجلس الإدارة أو الإشراف على قطاع بعينه داخل المؤسسات، وينسوا المهمة الأساسية المتمثلة في خدمة ضيوف الرحمن. خبرات عملية ولفت حلبي إلى أنَّ أولئك هم قلة قليلة لا تقارن بواقع عملي، لكنهم يشكلون عبئاً على تطور أعمال مؤسسات الطوافة، مُشدداً على أهمية أن تكون وزارة الحج أكثر واقعية في هذا الجانب، فلا يصل لعضوية مجلس الإدارة إلاَّ من كان مؤهلاً علمياً لتولي القيادة، أمَّا الاستعانة بمن يبحثون عن منصب فيجب استبعادهم لغياب نتاجهم، مُبيِّناً أنَّ على الوزارة ألاَّ تعتمد إلاَّ على الخبرات العملية للشخص وما يحمله من أعمال قدمها لضيوف الرحمن. وبيَّن أنَّ الإجابة عن التساؤل بشأن هل سعت مؤسسات الطوافة لتنمية قدرات أبناء المطوفين من الناشئة والشباب لخدمة ضيوف الرحمن، ممكنة في حال أدرك رؤساء وأعضاء مجالس إدارات المؤسسات أنَّ رئاسة أو عضوية المجلس ليست وجاهة اجتماعية، لكنَّها خدمة يجب أن تقدم بشكل سليم وصحيح، إلى جانب أنَّها غير ممكنة في حال اعتبار أبناء المطوفين مجرد أطفال أو ناشئة لا يحق لهم ممارسة أيّ عمل داخل المؤسسات إلاَّ بعد بلوغهم السن القانونية وحصولهم على أيٍّ من الدورات التدريبية، التي ينظمها مركز تدريب العاملين في الحج والعمرة بوزارة الحج. تحفيز الأبناء وقال عادل بن أمين حافظ –مطوف-: "إنَّنا منذ القدم نتوارث مهنة الطوافة من الآباء والأجداد، كما أنَّنا نقوم بتعليمها لأبنائنا، حيث يكون جميع العائلة كباراً وصغاراً في استقبال الحجاج، حيث نستقبلهم في كل عام بالحفاوة والتكريم وبماء زمزم والورود، كما أنَّنا نكون معهم حتى أداء المناسك، قبل أن نودعهم بالحب والهدايا التذكارية"، موضحاً أنَّ أبناءه يقومون حالياً بخدمة الحجيج بعد أن تمَّ تعليمهم مهنة أبائهم وأجدادهم. وأضاف أنَّ أبناءه يتشرفون بخدمة حجاج وضيوف بيت الله الحرام، مشيراً إلى أنَّ الأبناء الصغار لديهم فرحة كبيرة وهم يستقبلون الحجاج ويخدمونهم ويشعرونهم بأنَّهم في بلادهم بين أهلهم وذويهم، مؤكِّداً على أنَّ جميع المطوفين يحفزون أبناءهم للمنافسة على خدمة الحجاج، حيث يعد ذلك وسام شرف لنا بأنَّنا خدام لضيوف بيت الله الحرام، لافتاً إلى أنَّ جميع المطوفين والمطوفات يقدمون خدمات جليلة لضيوف بيت الله الحرام منذ قدومهم للمملكة وحتى مغادرتهم إلى أوطانهم بعد أداء فريضة الحج وهم سالمون غانمون، حاملين معهم أجمل الذكريات عن المملكة ومكة المكرمة بشكل خاص.
مشاركة :