زاد التوتر بين الفريق المفاوض النووي واللجنة البرلمانية الخاصة بالاتفاق النووي في الأيام الأخيرة، مع اقتراب اللجنة من نهاية عملها ورفع تقريرها النهائي إلى البرلمان بشأن الاتفاق. وتوجد خلافات عميقة بين الجانبين حول نص التقرير، وصفتها وسائل إعلام مؤيدة للتوافق النووي بـ«تخبط برلماني». ومن جانب آخر، لم يهدأ الضغط الداخلي على الرئيس الإيراني حسن روحاني وفريقه المفاوض منذ إعلان الاتفاق النووي في فيينا، إذ إن الموقف من الاتفاق عمق الخلافات وأعاد الوضع المتشنج بين التيارات والجماعات السياسية بعد هدوء نسبي شهدته البلاد منذ انتهاء فترة أحمدي نجاد الرئاسية الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية. وفي وقت تتجه الأنظار في العالم الآن إلى إيران بعدما نجح الرئيس الأميركي باراك أوباما في اختبار الكونغرس، ما زال مصير التوافق غامضا في إيران وبحسب افتتاحية صحيفة «وطن أمروز» الأصولية فإن نهاية الطريق في واشنطن بداية الطريق في طهران. وما يرفع حساسية اتخاذ القرار بشأن الاتفاق النووي في طهران الاستحقاقات الانتخابية (البرلمانية ومجلس خبراء القيادة) المقررة بعد أقل من ستة أشهر. حاول روحاني توظيف التوافق النووي داخليا لتخطي الحواجز التي تمنعه من تنفيذ وعوده المعطلة بحجة المفاوضات مع 5+1 لا سيما الانفراج السياسي، الذي تطالب به التيارات المؤيدة لسياسات الحكومة المعتدلة. لكنه يواجه بالمقابل برلمانا تسيطر عليه تيارات أصولية تحاول منع تكرار هزيمة الانتخابات الرئاسية في الانتخابات المقبلة، وبهذا دخلت البلاد في أجواء انتخابية قبل الموعد مما دفع ذلك لاتهام كل طرف الآخر في استغلال أهم الملفات الإيرانية لغايات انتخابية. من جانبه يعتقد محلل الشؤون الإيرانية رضا عليجاني أن الضغوط الشعبية على خامنئي والأصوات التي حصدها روحاني في الانتخابات الرئاسية السابقة مقابل الأصوات القليلة التي ذهبت إلى السياسي سعيد جليلي ساهمت في التوصل إلى اتفاق نووي في فيينا. وأوضح المحلل: «هذا يظهر أن أكثر المشاركين في الانتخابات كانوا يطالبون بحل الصراع النووي، وبالمقابل أقلية أخرى كانت تفضل البقاء على الاتجاه والسياسة النووية السابقة». وأضاف: «الآن نجح روحاني وفريقه في إنهاء المفاوضات بعد عامين من المفاوضات، وبدعم من خامنئي لا بد من الإشارة إلى أن علي أكبر صالحي في حوار مع صحيفة (إيران) أكد أن المفاوضات بدأت قبل رئاسة روحاني بدعم من خامنئي وأحرزت تقدما كبيرا بوساطة من سلطنة عمان». وأفاد المحلل أنه «عندما وصل روحاني إلى منصب الرئاسة تسلم الملف النووي بأوامر من خامنئي وكان مندهشا في البداية من التقدم المحرز في المفاوضات على أي حال نجح فريق ظريف القوي في إكمال المفاوضات، وبذلك تمكن روحاني من تحقيق وعده الذي قطعه للمحتجين على الأوضاع الاقتصادية الذين يشكلون شريحة واسع من المجتمع». وأكد عليجاني: «لا ننسى أن أغلب من صوتوا لصالح روحاني كانوا من بين المحتجين على الأوضاع الاقتصادية في كل إيران حتى من المدن الصغيرة والقرى التي تعتبر المعقل الانتخابي للتيارات المقربة لخامنئي. عدا المحتجين على الأوضاع الاقتصادية لدينا المحتجون على الأوضاع السياسية الذين طالبوا بتحرير السجناء ورفع الحصر عن قادة التيار الخضر وتغيير مناخ البلد من الأمني إلى السياسي التي كانت أيضا من وعود حسن روحاني الانتخابية». ويضيف عليجاني أن النجاح الذي أحرزه روحاني في المفاوضات النووية يعتبر نقطة إيجابية سيوظفها روحاني وتياره في الانتخابات البرلمانية المقبلة وأفاد: «من دون شك سيقدمون على ذلك، لكن الجهة الأخرى تعرف أنه امتياز كبير لخصومهم المعتدلين والإصلاحيين في الانتخابات ونقطة إيجابية في السلة الانتخابية وهم ينقسمون هنا إلى قسمين، قسم من الأصوليين أو المحافظين المعتدلين الذين لا يعارضون الاتفاق النووي ولكنهم خصوم هذا التيار في الانتخابات. ومن الطبيعي سيقولون إن المفاوضات لم تثمر لولا دعم خامنئي ويحاولون أن يكونوا شركاء في النجاح المحرز لكن القسم الثاني الذين هم من الأصوليين المتطرفين سيحاولون التقليل من شأن الاتفاق النووي ويتهمون الحكومة بالمساومة وسيلجأون إلى خامنئي في ادعائهم بأن الاتفاق ينتهك الخطوط الحمر المرسومة من المرشد وطبعا سيتجاهلون أن خامنئي كان متابعا لتفاصيل المفاوضات أولا بأول وبموافقته تم التوصل إلى الاتفاق وفي النهاية يمكن التنبؤ بأن غالبية الشعب الذي صوت بإيجابية لحل المشاكل هذه المرة سيعطي الأفضلية للتيار الإصلاحي والمعتدل وليس على التيار المنافس سوى القبول بالاتفاق النووي والسعي في مشاركة المعتدلين والإصلاحيين بما تحقق لكيلا يخسر أو يعول على نقاط الضعف الأخرى للحكومة مثل المشاكل الاقتصادية والمشاكل الأخرى في سلته الانتخابية». وكان الفريق المفاوض النووي الذي أبدى انزعاجه من معارضي التوافق كسر حاجز الصمت في الشهر الأخير، ورد في عدة مناسبات على اتهامات تجاوز خطوط خامنئي والضغوط الأخرى عبر اتهام الطرف المقابل بالمزايدة في الاتفاق النووي لغايات انتخابية. وبذلك فتح الباب للأصوليين لتوجيه الاتهام ذاته لإدارة روحاني والتيارات المؤيدة لسياسته. وبدورها وجدت حكومة روحاني نفسها مجبرة على التعاون مع اللجنة البرلمانية الخاصة بالاتفاق النووي بعد تأكيد خامنئي على دور البرلمان لكنها متمسكة بما تحقق بعد عامين من المفاوضات. وأشار وزیر الخارجیة محمد جواد ظريف إلى غايات انتخابية في الهجوم على الفريق المفاوض النووي في حوار مع أسبوعية «طلوع صبح» في يونيو (حزيران) الماضي. وتبعه بعد ذلك بشهرين مدير المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي الذي تحدث عن غايات ونوايا خاصة وراء التظاهر بالقلق من التوافق النووي واتهم منتقديه بالسعي لإقصاء المنافسين في الانتخابات المقبلة مطالبًا بتفضيل «المصالح الوطنية» على «المصالح الحزبية» والابتعاد عن الصراع الحزبي والسياسي فيما يخص موضوع الاتفاق النووي. وحذر رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني «المتطرفين المعارضين للمصلحة الوطنية والشعبية من المماطلة في اتخاذ القرار بشأن التوافق النووي لغايات انتخابية». واخترق تحذير خامنئي الأخير بشأن «تجنب وصف المتطرفين لأوفياء الثورة»، واختار لذلك حسينية جماران (المكان الذي كان يطل منه خميني)، وقال: «إذا يريد المتطرفون الاستمرار بالموافقة ورفض التوافق النووي حتى موعد الانتخابات فبراير (شباط) الماضي الشعب سيشارك مرة أخرى ويلقن المتطرفين درسا كبيرا مثل الانتخابات الرئاسية الأخيرة». ورغم أن الحكومة والتيارات المؤيدة لها تعلن رفض استغلال الاتفاق النووي، لكن من دون شك، لا تمانع من توظيفه في الانتخابات المقبلة. وفي هذا السياق رحبت أسبوعية «صدا» الإصلاحية بحضور سعيد جليلي في جلسات اللجنة البرلمانية الخاصة بالاتفاق النووي. واعتبرت معارضة جليلي للاتفاق النووي في صالح الإصلاحيين وضد الأصوليين في الانتخابات المقبلة، وتابع التقرير «إن العملیة الانتخابية بدأت منذ هذا الأسبوع ودشنت أولى جلساتها في البرلمان والتلفزيون». بدوره، أشار رئيس مركز دراسات البرلمان الإيراني كاظم جلالي إلى استغلال الملف النووي لتصفية حسابات بين الأحزاب ووسيلة انتخابية لا سيما بين أعضاء اللجنة البرلمانية الخاصة وعدّ دخول الاتفاق النووي إلى الأجواء الانتخابية «لعبة سياسية» تضر بالوحدة والمصالح القومية وأمن البلد.
مشاركة :