قدم الدكتور هنيدي هنيدي عبدالجواد مدرس التفسير وعلوم القرآن وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تفسيرا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 9، 10] وقال: هاتان الآيتان تُبْرزان المنهج القويم للدِّين الإسلامي، وسِماته الرَّفيعة، وصلاحيته لكل زمانٍ ومكانٍ، وشُمُولية منهجه، وتوازن أحكامه، ومخاطبته للعقل والرُّوح والمادَّة، فلا يعتني بجانب ويُهْمِل الآخر، ولكنه وَازَن بين متطلبات الرُّوح والمادَّة واحتياجاتهما، فخلق نُفوسًا سويَّة، ومجتمعاتٍ متحضرةً، حال الأخْذ بأسبابها. وأشار إلى حضَّ الإسلام المؤمنين على الجمع بين أَداء العبادات والطَّاعات، والمحافظة عليها في أوقاتها، دون غَفْلةٍ أو تضييع، وبين الحِرْص على العمل بِجِدٍّ وكفاحٍ وإتقانٍ، دون تضييعٍ لأحدهما، كما ورد في الآيتين السابقتين من ترك العمل والسعي إلى صلاة الجمعة، وذكر الله - عزَّ وجل - والعودة إلى العمل والانتشار في الأرض طلبًا للرِّزق والكسب الحلال، بعد انقضاء الصَّلاة والانتهاء من الذِّكر والطَّاعة. وأكد أنه لا يليق بالمؤمنين ما نراه من سلوكياتٍ وعاداتٍ خاطئة طيلة شهر رمضان المبارك، من انتشار الكسل والخُمول، وكثرة النوم، نهار رمضان، وترك العمل بِجِدٍّ ونشاطٍ، وإهمال وتعطيل مصالح الناس، بحجة الصوم، ولو علم المؤمنون حقيقة الصوم لأدركوا أنه يحثُّ على الصَّبر وقوة الإرادة والعزيمة، وإتقان العمل، والجهاد في سبيل الله. أما قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: فيه نداء المؤمنين لاستثارة حرارة إيمانهم، لأن يمتثلوا لما أمرهم الله به. { نُودِيَ لِلصَّلَاةِ}: المراد به الآذان والإعلام بدخول وقت الصَّلاة. {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: عبَّر بلفظ السَّعي للدلالة على الجِّد والحِرْص على الحُضُور لصلاة الجمعة وترك شواغل الدنيا. والمراد بالذِّكر هنا: خطبة الجُمُعة وصلاتها، لاشتمال كلٍ منهما على ذكْر الله عزَّ وجل. ولفت إلى أن قوله تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ}: أي اتركوا ما يشغلكم عن حضور صلاة الجمعة من أي معاملة دنيوية. وقد خصَّ البيع من بين سائر المعاملات: لأنه أكثر المعاملات وجودًا أثناء الصلوات. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}: أي السَّعي للاستماع إلى خطبة الجمعة وأداء صلاتها أعظم أجرًا وثوابًا من شواغل الدنيا. وقوله:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }: "قُضِيَتِ الصَّلَاةُ": أي تم الانتهاء من أداؤها. "فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ": للعمل والكفاح. "وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ": أي احرصوا على طلب الرِّزق الحلال. "وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا": أي وداوموا على ذكر الله - عزَّ وجل - أثناء عملكم، ولا تغفلوا عنه، ففيه سعادتكم الدنيوية والأخروية. واختتم بتفسير قوله تعالى"لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ": أي لعلكم تفوزون بالنَّعيم المقيم، والثَّواب الجزيل، يوم الحساب، إذا ما داومتم على الجمع بين الدِّين والدُّنيا، والرُّوح والمادَّة، ووازنتم بينهما، فهذا هو سبيل المتقين المخلصين.
مشاركة :