كانت سوق النفط العالمية تنظر إلى الهند باعتبارها محركا رئيسيا لتعافي الطلب على الطاقة مع إعادة فتح الاقتصادات العالمية بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، باعتبارها ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. لكن الأوضاع الصحية الكارثية لجائحة كورونا في الهند جعلت هذا الأمل مستحيلا، بحسب المحلل الاقتصادي جوليان لي. وأضاف جوليان لي في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن الجميع من تجار النفط إلى أكبر منتجيه في العالم يشعرون بالذعر من تداعيات الأوضاع في الهند. ويواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي انتقادات متزايدة بسبب ارتفاع أعداد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد، بعد وقت قصير من إعلان حكومته أن "البلاد وصلت إلى نهاية جائحة كورونا"، وسماحها بعقد تجمعات انتخابية كبيرة، وموافقتها على إقامة المهرجان الديني كومبه ميلا الذي شارك فيه نحو 5ر3 مليون شخص. وفي مقال نشرته وكالة بلومبرج قال الكاتب ديفيد فيلكينج إن الموقف الراهن في الهند يعني أن جائحة كورونا قد تقتل خلال العام الحالي عددا أكبر من ضحاياها في العام الماضي. ومن المحتمل أن يكون إجمالي عدد الوفيات الفعلية الناجمة عن الفيروس في الهند أضعاف الأرقام الرسمية المعلنة. وإذا كانت أرقام الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد في الهند مأساة إنسانية، فسيكون لها تأثيرات خطيرة على صناعة النفط العالمية أيضا. لقد كانت الهند واحدة من النقاط المضيئة بالنسبة لنمو الطلب على النفط، إلى جانب الصين التي نجحت في السيطرة على الجائحة، وكل من بريطانيا والولايات المتحدة اللتين تشهدان تسارعا في وتيرة التطعيم ضد الفيروس بما سمح باستئناف أنشطة السفر السياحي ببطء. كانت التوقعات تشير إلى عودة الطلب على النفط في الهند ثالث أكبر مستهلك له على مستوى العالم إلى مستويات ما قبل الجائحة أو تجاوزها خلال العام الحالي. ولكن في ضوء الموقف الراهن من المؤكد أن يتم خفض هذه التوقعات بحسب جوليان لي المحلل المتخصص في اقتصادات النفط. وبحسب تقرير إخباري نشره ديبجيت تشاكرابورتي وساكيت وسوندريا في وكالة بلومبرج فإن إجمالي استهلاك البنزين والديزل (السولار) في الهند خلال الشهر الحالي سيكون أقل من الشهر الماضي بنسبة 20% في ظل خلو الشوارع بالمدن الكبرى مثل نيودلهي وبومباي من الناس تقريبا بسبب الفيروس. كما أنه من المحتمل أن يتراجع الطلب على وقود السيارات بسبب الدعوات إلى البقاء في المنزل للحد من انتشار الفيروس. ومن المتوقع تراجع نشاط مصافي التكرير في الهند في ظل التراجع المنتظر للطلب على الوقود وهو ما سيؤدي إلى زيادة في مخزون النفط الخام مما سيؤثر سلبا على المشتريات المستقبلية للخام حتى إذا تحسن الطلب على الوقود . في الوقت نفسه من المتوقع تراجع مشتريات شركات التكرير الهندية من النفط الخام إذا استمرت الجائحة والقيود المرتبطة بها. وقد بدأت الدول الكبرى المنتجة للنفط تشعر بالقلق من تداعيات الموقف في الهند. وكان تجمع أوبك بلس للدول المصدرة للنفط والذي يضم 23 دولة منها السعودية وروسيا والعراق والإمارات العربية المتحدة يعتمد على نمو الطلب على الخام لزيادة الأسعار وتقليص التخفيضات المقررة للإنتاج. ولكن يبدو أنه سيكون على دول التجمع إعادة النظر في الأمر. ومن المقرر أن يعقد وزراء أوبك بلس اجتماعهم الشهري في وقت لاحق من الأسبوع الحالي. وعندما اجتمع الوزراء في بداية الشهر الحالي، اتفقوا على جدول زمني لتخفيف القيود على الانتاج خلال الشهور الثلاثة المقبلة. ولكن يبدو أنه يجب تعديل هذه الخطط قبل بدء تطبيقها. ووفقا لتلك الخطط يعتزم أوبك بلس ضخ2.14 مليون برميل نفط إضافية إلى السوق العالمية خلال الفترة من أيار/مايو إلى تموز/يوليو المقبلين. وكان التجمع قد درس خفض مستوى المشاركة في الاجتماع الوزاري ليكون على مستوى الخبراء. ولكن الأوضاع الحالية جعلت هذه الخيارات صعبة. وستكون الدول النفطية في الشرق الأوسط الأشد تضررا من تراجع الطلب الهندي على النفط. فشحنات النفط القادمة من الخليج العربي إلى الهند تستغرق 5 أو 6 أيام لتصل إلى الموانئ الهندية، في حين تحتاج الشحنات القادمة من خليج المكسيك في الولايات المتحدة إلى 5 أو 6 أسابيع. لذلك فإن تأثير قرار الهند خفض مشترياتها من النفط الأمريكي على كميات النفط القادمة إليها لن يظهر قبل حزيران/يونيو المقبل. أما إذا اتخذت الهند قرارا مماثلا بالنسبة للإمدادات من الشرق الأوسط، فسيظهر تأثيره بنهاية الشهر الجاري. كان تجمع أوبك بلس قد أجل تقليص خفض الإنتاج منذ كانون ثان/يناير الماضي على أمل عودة السوق العالمية إلى طبيعتها وتحسن الأسعار بحلول تموز/يوليو المقبل. ولكن تراجع الطلب الهندي على الخام سيجعل تحقيق هذا السيناريو أصعب وسيجبر دول أوبك بلس إما على تأجيل السماح بزيادة الإنتاج أو على المخاطرة بانهيار الأسعار، وكلاهما خيار مر.
مشاركة :