في يوم عظيم تخشع فيه القلوب والأبصار. في يوم عظيم لا تشهد الكرة الأرضية مثله على الإطلاق إلا فيه! يوم يجمع بين الكرب والحب، وبين النَّصَب والمشقة والقوة والطاقة، وبين همس المشاعر وفرطها ودغدغة الوجدان، وبين صراخ الدعاء المتعالي المدهون بألوان الدمع وبكل لون! يوم لا مثيل له وأنت ترى ملايين البشر يطوفون عكس عقارب الساعة حول الكعبة الشريفة في يوم مهيب، فيبدون للعين المجردة بصورة مذهلة تخلد في الأذهان كما في صورة دوران الكواكب وهي تدور حول المجرة في ديمومة لا نهائية، لأنها تكتسب منها طاقة تحملها على البقاء والمداومة! يوم يختلط فيه الكرب والرَّهب، والأمل والفرحة باللقاء والطمع في كنوز المغفرة والفوز بالجنة وأشياء متداخلة لا يحتمل هذا المقال ذكرها، لكنها تلخص لنا في لمحة واحدة ضعف البشر وقوتهم في ذات اللحظة، ضعفهم وهم يلوذون بالرحمن رجاء للمغفرة والحب والقرب والفوز وكل ما يحتاجه الإنسان في لحظة واهنة "متآينة" المشاعر من فرط الحب! ولكن على النقيض في الطرف الآخر من القوة والبطش والانتصار والدحر والزهو وكل ألوان النصر في حرب ضارية تنتهي في هذا اليوم بهزيمة العدو وسحقه (حرب) نعم حرب وانتصار على عدو أخرجنا من الجنة، عدو يراوغ في كل ساعة، عدو يلاحقنا سرا وعلانية (فتحق عليه اللعنة) ويتم الانتصار ولذا يعقبه يوم العيد، عيد الانتصار والفرحة بالفوز، وللانتصارات مذاق آخر لا يعرفه إلا من تذوقه! ولذلك ارتبطت الأعياد بالانتصارات وبالفوز على العدو وإعلان هزيمته، ولا أعتقد أنه سيأتي عيد لليوم الوطني أبهى وأجمل وأرسخ وأقوى من عيده هذا وفي هذه الأيام، بتواكبه مع عيد الأضحى وهو عيد الفداء والتضحية بشكل خاص. هنا أربط بين العيدين، أحدهما عقائدي ديني، والآخر وطني وجداني إلا أنه يجمعهما رابط واحد وهو الفداء والتضحية وكل المترادفات التي ذكرناها سلفا، بؤرة في الوجدان تتحرك بنفس القدر! إن اليوم الوطني هذا وفي هذا التوقيت جاء بعد عدة معارج كانت اختبارا للوطن ولساسته وخاصة في ظل الأعاصير التي تعصف بالمنطقة: (تسلم الحكم، ترتيب البيت الثقافي والسياسي والتعليمي وكل تراتبية الدولة، عاصفة الحزم، رحلة خادم الشريفين إلى الولايات المتحدة وخطابه التاريخي). -انسيابية الانتقال: فمما كنت أتابعه وأقرؤه من مقالات وأبحاث من مراكز دولية وعالمية عن مصير المملكة بعد رحيل الملك عبدالله -رحمه الله- أن هذه الدراسات وقادة مراكزها أمعنوا في تخرصاتهم السوداء! ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وأشغلهم في نفوسهم وهدأت أرضنا بعدما شهد العالم كله العبقرية والانسيابية في الانتقال، ففغر العالم فاهه مشدوها لا يلوي على شيء سوى أن يضرب كفا بكف! لكنه لم يكن غريبا علينا نحن أبناء المملكة فنحن نعرف أبناء عبدالعزيز وكما عهدناهم وتعلمنا منهم كيف تكون الإدارة في صمت. وطبيعة الحال تلقى تلك الدراسات التي كلفت المال والجهد إلى سلة المهملات مع رؤوسهم الملقحة بالتغييب والشطط. -إعادة هيكلة: وفي ذات الانسيابية والحزم أيضا، يتم ترتيب البيت الوطني من الداخل منذ الساعات الأولى، وأنا أرى أن تلك الساعات القلائل هي عاصفة الحزم الأولى من وجهة نظري! -عاصفة الحزم: بطبيعة الحال المملكة في قلب العالم العربي والإسلامي أيضا. ولكل ما يحدث من حولها من هزات وعنف وحروب يشكل عينا جاحظة على المملكة من الداخل ومن الخارج، ومرت أعاصير الثورات من حولها وهي راسخة رسوخا لم يكن يفهمه البعض أو يراه. وإنما أعلنت المملكة عن نفسها كالطود العظيم داخل هذه الأعاصير، فلم يتحرك فيها لا شجر ولا حجر وفغر العالم فاهه للمرة الأخرى! لكن الحراك من تحت الماء دائم وبأشكال متغيرة ولذا كانت حرب اليمن. تلك الهجمة الشرسة على البلاد والعباد من عناصر متمردة لا هم لها سوى الاستحمام بحمام دافئ من الدم الدافق! فتأتي عاصفة الحزم تنبئ في شكلها وفي مضمونها أيضا عن عصف بكل رؤوس من كان يعتقد أن المملكة تصمت على ما يحدث في اليمن، أو تصمت على أي تهديد يهدد أرضها وشعبها، وفي لحظة مباغتة يفاجأ العالم كله بعاصفة الحزم، وقرار الملك الحازم، وفي لحظة تركت آثار الدهشة في العالم أجمع. رجال، أسلحة، تقدم علمي ومعرفي واستراتيجي، أبطال بواسل، تقنية وحرفية! وفي هدوء كما عهدناه وبدون ضجيج يعرف العالم كله حجم المملكة وحجم قادتها وحجم رجالها، وحجم عقيدتها التي تشكل كل الضمير الجمعي على مستوى العامة والخاصة! -زيارة الملك للولايات المتحدة الأخيرة:- وفي هذه الزيارة المتزنة المتكافئة الشامخة لدولة وشعب وملك أعادت لنا صورة هزيمة اليهود في حرب 73 مع الفارق أننا لسنا في حرب مع آخر ولا حتى أميركا. إلا أن خطاب الملك سلمان -المتزن والراسخ على أسس وطنية وعقائدية- أفصح عن استقلالية وشموخ واستغناء عن أي حليف إذا لزم الأمر. فباتت المملكة تشكل ندا على الساحة العالمية في مثل هذه الأمور، ويذكرنا أيضا بموقف الملك فيصل -رحمه الله- في حرب أكتوبر وكلمته الشهيرة نحن شعب يأكل التمر ويشرب اللبن! فشرب العالم كله من لهب النفط واعتدل الميزان. واليوم يا وطني عيدك عيدان (وحدة الوطن) و(وحدة الله) في وقت واحد فهنيئا لنا.
مشاركة :