«حقير».. هكذا وصفت صحيفة وطن أمروز المحافظة على صدر صفحتها الأولى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على خلفية الحوار المسرب الذي أكد خلاله أن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني كان يهيمن على السياسة الخارجية لبلاده، وأن الحرس الثوري يتولى مقاليد الحكم بشكل رسمي في طهران.لم تكتف الصحيفة الإيرانية بالوصف الصادم الذي جاء باللون الأحمر والمكتوب بالفارسية، لكنها وضعت صورة كبيرة للوزير الذي تلقى سيلا من الهجوم باللونين الأبيض والأسود، في إشارة إلى أنه خرج عن النص وفضح المستور. وتوالت ردود الفعل عنيفة داخل إيران، واهتزت الأرض بقوة تحت أقدام نظام الملالي بعد تسريب ظريف، الذي كشف بشكل فاضح الخلافات العاصفة التي تحدث من خلف الكواليس داخل دولة القمع والإرهاب.هجوم المحافظينهجوم المحافظين على ظريف بعد التسريب لم يتوقف على صحيفة (وطن أمروز) التي وصفت الوزير بالحقير (أي الدنئ)، فقد اعتبرت صحيفة (كيهان) أنه في حال كانت الأجزاء المثيرة للجدل من هذه التصريحات صحيحة، فقد أخطأ ظريف بحق الثقة وهذه ليست جريمة صغيرة.في المقابل، قارنت صحيفة (جوان)، بين تصريحات ظريف عن سليماني، واغتيال الأخير بضربة جوية أمريكية في بغداد في يناير 2020 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب، وكتبت أن سليماني اغتيل جسديا بناء على أمر رئيس الولايات المتحدة، لكن وزير خارجية بلادنا، بزعمه هذه الأمور لأسباب غير معروفة، اغتال شخصيته.على الصعيد الآخر، ركزت الصحف الإصلاحية على معرفة مصدر تسريب التسجيل، وعنونت صحيفة (شرق) على صفحتها الأولى (من سربه؟)، (من استفاد؟).مؤامرة كبيرةلم يتجاهل الرئيس الإيراني حسن روحاني قضية ظريف التي تشغل إيران حاليا، بل أعلن أمس أنه وجه بالتحقيق فيما وصفها بـ(مؤامرة)، حيث أثار التسريب الصوتي جدلا واسعا، وفق ما أفاد المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي في مؤتمر صحفي متلفز أمس.قال ربيعي «نعتقد أن سرقة المستندات هي مؤامرة ضد الحكومة، وضد النظام، وضد نزاهة المؤسسات المحلية الفاعلة، وأيضا مؤامرة على مصالحنا الوطنية»، وأضاف «أمر الرئيس وزارة الأمن (الاستخبارات) بتحديد الضالعين في هذه المؤامرة»، معتبرا أن «ملف مقابلة ظريف، ولأسباب واضحة تمت سرقته ونشره من قبل أشخاص يتم تحديد هوياتهم»، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية بشأن هذه الأسباب.جدل واسعوأثار التسجيل الممتد لنحو ثلاث ساعات والذي نشر للمرة الأولى الأحد في وسائل إعلام خارج إيران، جدلا في البلاد، اذ يتحدث فيه ظريف عن قضايا عدة من أبرزها الدور الواسع لقاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، في السياسة الخارجية، وحديثه عن أولوية نالها (الميدان) على حساب الدبلوماسية.. وفقا لقناة (الحرة) الأمريكية.ولم ينف المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده صحة التسجيل، لكنه أكد أنه اقتطع من حوار امتد سبع ساعات ولم يكن معدا للنشر، وتضمن مواقف (شخصية) لظريف الذي يشغل منصبه منذ العام 2013 بعد تولي حسن روحاني منصب رئاسة الجمهورية.تعليق ظريفولم يعلق ظريف مباشرة على الجدل، لكنه نشر تسجيلا صوتيا مقتضبا عبر حسابه الرسمي على انستقرام.ويقول ظريف في التسجيل «أعتقد انه لا يجب أن تعمل من أجل التاريخ، أقول إنني لا أقلق كثيرا من التاريخ، بل ما يثير قلقي هو الله والشعب».وأثارت التصريحات المسربة انتقادات من سياسيين ووسائل إعلام محافظين، لا سيما أنها طالت سليماني الذي يعد من أبرز مهندسي السياسة الإقليمية الإيرانية، ويحظى بمكانة كبيرة خصوصا بعد مقتله في ضربة جوية أمريكية في العراق في مطلع العام 2020.وتصدرت قضية التسجيل الصفحات الأولى لغالبية الصحف الإيرانية الثلاثاء، مع توجيه المحافِظة انتقادات لاذعة لظريف، في حين سألت الإصلاحية عن هدف التسريب.خلاف عاصفوقال مراقبون «إن التسريب الذي نشره موقع (إنترناشيونال) فضح الخلاف العاصف بين التيار المعتدل الذي يتزعمه الرئيس الإيراني حسن روحاني، والآخر المتشدد الذي يمثل (الحرس الثوري) عموده الفقري، ويضم مجموعة من العسكريين والشخصيات السياسية والأمنية والدينية».وقالت قناة (العربية) في قراءة للجدل الواسع الذي يشهده إيران، «إن التيار المتشدد في إيران على تنوع توجهات أفراده ومجموعاته، إلا أنه يؤمن بأهمية القوة العسكرية كلاعب رئيس في السياسة الخارجية، وأنها يجب أن تكون صاحبة حضور فاعل، يفوق الدور الذي تمارسه وزارة الخارجية الإيرانية.وأشارت إلى أن التسريب يؤكد أن ظريف ضاق ذرعا بالتدخلات المتتالية من قبل الأصوليين، وسياساتهم الممنهجة في إضعاف وتشويه حكومة حسن روحاني.مبررات روحانيوقال التقرير «إن هذه التسريبات تقول للإيرانيين إن الفشل الذي تتهم به حكومة روحاني، ليست الأخيرة هي سببه، بل ذلك نتيجة العقبات الدائمة التي واجهت العمل الحكومي، وتدخل العسكر في شأن لا يفقهونه، والدليل الضرر الكبير الذي أحدثوه في العلاقات الخارجية مع دول الخليج العربية.وأشارت إلى أن البعض يقرأ التسريبات، كبداية معركة انتخابية، يريد التيار المعتدل أن يخوضها باكرا ضد خصومه، بأن يكشف شيئا عن (توغلهم) غير المبرر في العمل السياسي الخارجي، ورغبتهم الجامحة في الاستئثار بالسلطة.من جهة أخرى، قد يرى مراقبون، أن حديث وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وتسريبه في هذا الوقت، قد يضر به، ويظهره ضعيفا لا حول له ولا قوة، وبالتالي، سيجعل حظوظه في الترشح أقل، وإذا ترشح، لن ينتخب الإيرانيون رئيساً «مكبل اليدين»!يد المرشدواعتبر التقرير أن هذه ليست المرة الأولى التي يبدى فيها ظريف عدم رضاه من الوضع القائم في بلاده، ففي فبراير 2019، قدم ظريف استقالته عبر حسابه على منصة «انستقرام»، بعد أن وجد نفسه خارج ترتيبات زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران، حيث التقى مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وكان ملف الزيارة بيد القائد السابق لفيلق (القدس) قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في يناير 2020.لم يكن لظريف أي علم بزيارة الأسد إلى طهران حينها، وهو الأمر المخالف لبروتوكولات الزيارة الدبلوماسية الرسمية، وشكل تجاوزا للأعراف المعمول بها، وإظهارا لمدى قوة ونفوذ سليماني، الذي كان بمثابة وزير خارجية الظل، واليد اليمنى للمرشد خامنئي، الذي يثق به ويعتمد عليه، أكثر من أي شخص آخر في حكومة حسن روحاني.ماذا كشفت تسريبات ظريف؟ عسكرة جميع مفاصل الدولة في إيران. قوة وسيطرة الأصوليين ونفوذهم الطاغي على كل الأصعدة. اقتراب ممثلهم إبراهيم رئيسي من خلافة روحاني في رئاسة إيران. غالبية مؤسسات إيران صارت ذات توجه (محافظ متشدد). الإصلاحيون ويمثلهم روحاني وظريف باتوا أكثر ضعفا وأقل فاعلية. التصريحات تبرر إخفاق حكومة روحاني وتكشف ضعفهم أمام العسكر.
مشاركة :