أنت شريك النجاح! ربما تكون مرت على مسامعك هذه الجملة التي تخطف أنفاسك لمدة لا تتجاوز الدقيقة؛ فأنت الآن شريك لنجاح صاحب العمل أو أهم المدراء في المؤسسة، أو هذا ما يؤكده لك مدير الموارد البشرية. عندما تطلع على أهم إنجازات رواد الأعمال حول العالم ستعرف بالضرورة أهمية هذه الكلمات “أنت شريك النجاح”، فهي الجملة التي لم يستمعوا لها أبدًا، أو بالأحرى هربوا فرارًا منها. والآن تخيّل معي أنك الآن الموظف الجيد بل الممتاز الذي يعطي فوق طاقته، دون أن يبخل بجهد أو وقت أو معرفة على عمله، قد تكون دوافعك لذلك تعود إلى السعي وراء استثمار طاقاتك فيما تجيده بشكل مثالي، وبالتالي تطوير ذاتك على نحو ممتاز، أو يمكنك العمل بكد؛ من أجل المال، _ولن ننكر أن العائد المادي هو السبب الرئيسي لشغل الوظائف وإلا لكانت كل الأعمال تطوعية بدون مقابل_ فهناك الفواتير الشهيرة والمسؤوليات التي تتكاثر مع الأيام، ودون أن تدرك فالوقت يمر بك في هذه المؤسسة التي تجيد مكافأتك على الأصعدة كافة، المعنوية كانت أم المالية؛ فأنت شريك النجاح. تحسين كفاءة بيئة العمل.. جهود تعززها الإدارة وبعد مرور الشهر تلو الآخر، والسنة تلو الأخرى، تجد نفسك في مكانك الخاص بالمؤسسة التي تعمل على دعمك طوال الوقت؛ من أجل الحفاظ على وتيرة الإنتاج الخاصة بك، فتروس عقلك ممنوع عليها الراحة، وقد يغدو يومك مكونًا من 24 ساعة عمل متواصل، تتغذى كالكائنات الطفيلية على دقائق سعادتك التي تحاول اقتناصها وسرقتها من الزمن، وتجد أن الثواني المخصصة للطعام أو الشراب أو المهام المنزلية مليئة بالفكر السلبي حول العمل، وكأن الحياة حرّمت عليك البطاقة الحمراء لتخرج من لعبة العمل المتواصل هذه، ومع تحقيقك للهدف تلو الآخر ستجد المشجعين في المدرجات يهتفون لك: “ها هو شريك النجاح”! يعيش الكثير من الموظفين –ويا لها من كلمة شاملة: فأنت حينما تعمل في مجالات الترجمة، الكتابة، الإبداع، والتصميم ما زلت موظفًا في المؤسسة التي تتبعها– حالة شريك النجاح هذه، ومع مرور الوقت فإن مرادهم يبدو سرابًا في صحراء المؤسسات. شريك النجاح الحقيقي إن شريك النجاح الحقيقي في المؤسسات التي تعترف بقوة رأس المال البشري لها لا يعرف أنه هكذا أبدًا؛ فتلك الكلمة لا تُقال بل إنها تتخذ طريقًا لتعزيز شعوره بالانتماء، وزيادة راتبه مع مرور الوقت، فضلًا عن المكافآت المعنوية والحوافز المادية التي يمكنها أن تعطيه القوة في وقت الوهن الجسدي، والترقيات لأصحاب الموهبة والكفاءة. لكن ما يحدث في الكثير من الحالات أن إدارة الموارد البشرية أو أصحاب العمل يعتمدون كلمة “أنت شريك النجاح” من أجل بعض المنافع التي يمكن للموظف وحده أن يدرها على المؤسسة/ الشركة، بداية من الوقت المبذول في العمل –عن طريق ساعات إضافية في اليوم– أو معرفة حصل عليها مع مرور الزمن، سواء لغة جديدة أو تقنيات مهمة في دنيا التكنولوجيا الحديثة، أو أفكار متجددة يمكنها أن تساعد الشركة في زيادة أرباحها. تحفيز إلهام الموظفين.. حيل إدارية لا غنى عنها بالطبع كل تلك الأمور السالف ذكرها يمكنها أن تساعد الموظف في الحصول على مال وفير نظير وقته الإضافي؛ حيث يتخلى عن حياته الشخصية واهتمامه بأسرته في سبيل العمل، أو مهاراته الناعمة التي تعلمها خصيصًا من أجل تحسين حالته الاقتصادية، أو عصارة الفكر الإبداعي الذي ينفرد به كل شخص دون الآخر. وفي الوقت الذي يرسم فيه لوحة خيالية نحو مستقبل مشرق تظل شركته محاقًا في سماء التوقعات، “أنت شريك النجاح” كلمة من شأنها أن تخاطب الضمير بالمقام الأول، فهل يمكن لشريك النجاح أن يُقصر في عمله يومًا؟ هل يمكن لشريك النجاح أن يتمتع بإجازة رسمية أو اعتيادية؟ هل يمكن لشريك النجاح أن يبخل بمعلوماته على من يثق به تمام الثقة ويجعله شريكًا له في النجاح؟ وهناك أيضًا العديد من المخاوف؛ ففي حال فشل المؤسسة سيقع السبب على عاتقك وكما كنت شريك النجاح بالأمس فأنت شريك الفشل والسبب فيه اليوم. وعلى جانب آخر فإن هذه الجملة تعزز من تطلعاتك المستقبلية المعنوية والمادية على حد سواء، فأنت اليوم يا شريك النجاح ربما تنتظرك السعادة العملية المرتقبة التي تعتمد على تطوير ذاتك بمنصب مريح يعزز من قدراتك ويتوافق معها، أو ستُفتح لك أبواب الأرباح المادية بزيادة في الراتب، أو إجازة على حساب مؤسستك العظيمة التي تعترف بك شريكًا في نجاحها، وغيرها من الأمور التي تتمكن من خيال الموظف الذي يعتبر في أشد الحاجة لبعض الأمور التي تبدو عادية في مؤسسات تحترف المهنية. للأسف فإن الموظف يستيقظ من كابوس شريك النجاح بضياع سنوات من العمر، وإهدار طاقته المعرفية، ووقته ومجهوده دون جدوى، ولا يبقى له في سيرته الذاتية حتى هذه الكلمة الدارجة لتثبت أحقيته بالعمل في مؤسسات أخرى. تطبيقات إدارة الموارد البشرية.. أهميتها في العمل تطلعات الموظف لا شك أن الكلمة رائعة في مضمونها، ونتائجها إن صح تعامل أصحاب العمل، وإدارة الموارد البشرية معها، أو تطبيقها حرفيًا، ستدر الأرباح على الشركة قبل الموظف، فالاعتراف بأهمية عنصر القوى العاملة ورأس المال البشري هو أهم ما يجب أن يعلمه أصحاب الشركات. قد نكون انخرطنا في عصر الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار، إلا أنه لم يتم استبدالنا بالإنسان الآلي بعد –وهل يمكن للروبوت أن يصدق كلمة شريك النجاح هذه؟– والحق يقال إن العنصر البشري هو من اخترع هذه الأمور البرمجية التي تخطو بنا إلى عالم المستقبل. أما عن الموظف البسيط الذي دخل في دوامة العمل فلا يمكن أن ينقذه سوى الاعتراف بقدراته، وتشجيع موهبته، ومراعاة حالته النفسية؛ وإن كان رواد الأعمال يتسمون ببعض الصفات التي تهتم بالكادر الوظيفي فلا بد أن يعززوها ويعملون على إتقان التعامل معهم؛ فالتطور مقترن برأس المال البشري. وفي النهاية أنت لست شريك النجاح في مؤسسة ما، بل إن مواهبك وقدراتك وكفاءتك هي شركاء نجاحك الفعلي، وإن كنت كذلك فلن تواتي إدارة الموارد البشرية أو أصحاب العمل الجرأة على قول ذلك، بل ستجد الدليل ملموسًا ومنعكسًا على حالتك الاقتصادية، والنفسية على السواء، فلا تنخدع بسهولة، ولا تنسق وراء الابتزاز العاطفي لاستدرار موهبتك واستغلالها باحترافية. اقرأ أيضًا: توقعات إدارة الموارد البشرية.. مهارة لا بد منها مدير الموارد البشرية.. خيار مهني محتمل بناء الثقة في مكان العمل.. الطريق للتغلب على مشكلة أزلية
مشاركة :