بعيدا عن ضغوط العمل وضجيج الحياة وزخم الأحداث، كانت النفس بحاجة إلى استراحة قصيرة للاسترخاء والتفكر والتدبر والتأمل وتفريغ الطاقات السلبية وتحرير المشاعر. وبالفعل، سنحت لى فرصة للذهاب فى إجازة روحانية قصيرة لمدة 3 أيام مع مجموعة الأصدقاء لمدينة سانت كاترين الساحرة وذلك قبل بداية شهر رمضان المبارك بعدة أيام. بدأت متعة الإجازة مع بداية الرحلة لسانت كاترين برا، حيث تحول الطريق إلى لوحة فنية بديعة تمزج بين سحر الطبيعة وعظمة البناء والتعمير الذى يتحقق فى كل شبر على أرض مصر. وفوق كل هذا، لم يستغرق الطريق لمدينة سانت كاترين سوى 5 ساعات فقط تخللها الوقوف مرتين فى استراحتين، استغرقت كل مرة 15 دقيقة تقريبا، حتى وصلنا إلى سانت كاترين وسط حفاوة استقبال بالغة من الشيخ موسى صاحب الفندق الكامن وسط الجبال الشامخة فى مشهد يبهر الأعين من روعة الجمال. وبمجرد وصول مدينة سانت كاترين، تشعر براحة العقل وطمأنينة القلب وهدوء النفس وسمو الروح، وسط سلاسل من الجبال شاهقة الإرتفاع وبينها جبل موسى الذى شهد التجلى الأعظم لرب العزة جل وعلا، وعليه ناجاه كليم الله موسى عليه السلام. كما تضم المدينة مقام النبى هارون الذى يضفى على المدينة المزيد من الأجواء الروحانية. كان الجو ممتعا ومثاليا لعبادة الروح، وتنوعت الأنشطة اليومية بين تمارين اليوجا والمشى وتسلق الجبال، والنشاط الأهم هو التنفس! نعم التنفس بالطريقة الصحية الصحية، حيث أكتشفت أثناء ممارسة تمارين التنفس بعمق أن أغلب المجموعة لا يعرفون الطريقة الصحيحة للتنفس حتى أنا! لم أكتشفها إلا من سنين فقط حيث لا بد أن يملء الشهيق البطن وتفرغ أثناء الزفير. وكانت وجبة الإفطار فى حد ذاتها متعة مع الشاى بالحبق بعده ولا أنسى أبدًا وجبة المندى الشهية التى يصعب أن تستطعم بعدها أى لحم! كما تحدثت كثيرا مع أهل المدنية من البدو واستمتعت بحياتهم الثرية وبالعادات والتقاليد، حيث تعيش القبائل البدوية على العديد من القيم الإيجابية كالشجاعة والكرم وحب الضيافة، واشترينا العسل الجبلى المتميز وزيت الزيتون وبعض الأعشاب كالزعتر والمرمرية. وأدركت من الزيارة سر اختيار الرئيس الراحل محمد أنور السادات لسانت كاترين ليتخذ بها استراحة خاصة للإعتكاف والتأمل! إنها المكان المثالى للتخلص من التوتر والإجهاد قبل اتخاذ قرارات مصيرية. وفى كل نشاط بسانت كاترين، كنت دائما أتسائل.. كم نحن كمصريين محظوظون ببلدنا المباركة، وللأسف كثيرون لا يعرفون قدرها. فما أجمل الإحساس الذى شعرت به أثناء أقامتى هناك! وما أروع سحر جبالها التى تتحول إلى قمم من الثلوج فى الساعات الأولى من الصباح أيام الشتاء! وما أعظم هذه المدينة التى تعيش فيها المعنى الحقيقى للأمن وأسمى معانى السلام. وفى سانت كاترين حدث التجلى الأعظم، فهى البقعة الوحيدة فى العالم الذى تجلى فيه الله عز وجل على جبل المناجاة، الذى تلقى موسى عليه السلام الوصايا العشر، ليجعل من هذه الأرض المصرية بقعة مقدسة لا تقل فى قداستها عن أرض مكة المكرمة والقدس الشريفة، فهى مهد كنيسة سانت كاترين التى تعد أحد أكبر مراكز الحج الدينية فى العالم منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا وبالتالى تعتبر لها قيمة دينية وأثرية وتاريخية عظيمة، كما أنها تحتوى على آلاف المخطوطات الأثرية باللغات اليونانية والعربية وغيرها. وشاهدت أيضا الشجرة العليقة المباركة، وهى الشجرة المقدسة التى رأى عندها نبى الله موسى نارًا تشعل فرع الشجرة فيزداد خضرة فالنار لا تحرق! وعندها سمع صوت الله سبحانه وتعالى. لقد كان التجلى الأعظم فى أرض سيناء رسالة إلهية إلى سكان هذه الأرض الطبية أنها محفوظة ومحمية دائما بأمر الله وعلى يد العظماء المخلصين من أبناء هذا الوطن. وما رأيته من تعمير فى هذه الرحلة جعلنى على يقين أن رسالة التجلى الأعظم ستظل باقية فى مصر أبد الدهر، فمثلما كانت مهدا للأنبياء والصالحين، ستحيا مصر دائما مهدا للأديان وأرضا للأمن والأمان والسلام.
مشاركة :