منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، والحديث عن الصين يتردد في كثير من التصريحات، وهو ما يمثل استمراراً لسياسة الإدارة السابقة التي فتحت جبهة صريحة للحرب الاقتصادية مع بكين، فيما اعتبره البعض معركة تكسير عظام بين القوتين الأكبر في العالم. وفي ظل تلك المنافسة الشديدة تضغط كل قوة لفرض نفوذها على جبهات عدة لتحصيل أكبر قدر من النقاط، ويتجلى ذلك في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. وذكرت المحللة السياسية، جوديث بيرجمان، في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي، أنه بعد جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأخيرة في الشرق الأوسط التي استمرت أسبوعاً تقريباً، ليس هناك مجال للشك في أن الصين تسعى بنشاط إلى توسيع نفوذها في المنطقة، ليس فقط اقتصادياً ولكن أيضاً عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً، متحدية بشدة الدور الطويل الأمد للولايات المتحدة كقوة مهيمنة في المنطقة. تزايد النفوذ منذ سنوات ويتزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط منذ سنوات، لاسيما من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، وهي مشروع عالمي ضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية أطلقه الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام 2013. ويبدو أن هدفها هو بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية، تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، وما وراء ذلك. وتسعى هذه المبادرة الضخمة للتنمية والاستثمار بشكل كبير إلى تعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا، من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين. ويقول مؤلف كتاب «دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط» الدكتور موردخاي شازيز: «من الناحية الاستراتيجية، تكشف مبادرة الحزام والطريق عن كيفية سعي الصين إلى إسقاط الهيمنة الغربية الأميركية في منطقة (الشرق الأوسط) سلمياً». ويضيف: «العلاقة بين مبادرة الحزام والطريق والشراكات الاستراتيجية التي توجدها في المنطقة، تسمح لها بالسيطرة تدريجياً على المنطقة دون خلق توترات مع الولايات المتحدة أو الغرب. وبعبارة أخرى، فإن المبادرة هي خطة صينية متطورة لنقل الهيمنة من الغرب والولايات المتحدة إلى الصين، دون حرب أو صراع». وقال وانغ لقناة العربية خلال زيارته للسعودية، إحدى الدول الست التي زارها في جولته: «لقد وقعت الصين وثائق بشأن التعاون ضمن الحزام والطريق مع 19 دولة في الشرق الأوسط، وحققت تعاوناً مميزاً مع كل منها». وأضاف: «وفي الوقت الذي تعزز فيه الصين نموذجاً جديداً للتنمية، فإنها مستعدة لتقاسم الفرص السوقية مع دول الشرق الأوسط، والعمل مع الدول العربية للتحضير بنشاط لقمة الدول العربية مع الصين، وتعزيز التعاون عالي الجودة (ضمن مبادرة) الحزام والطريق، وتوسيع مجالات جديدة للنمو، مثل التكنولوجيات العالية والجديدة». والدول الأخرى التى زارها وانغ هي تركيا وإيران والإمارات وعمان والبحرين. أكبر شريك تجاري والصين هي بالفعل أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، بما في ذلك بعض شركائها الرئيسين: السعودية وإيران والإمارات. وكانت السعودية أكبر مورد للنفط الخام للصين في عام 2020، متغلبة على روسيا. وقد قامت الصين «بشراكات استراتيجية شاملة» مع كل من السعودية والإمارات، وكذلك إيران الآن، من خلال توقيع اتفاقية استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً حول التعاون الاقتصادي والأمني مع طهران. وتردد أيضاً أن الاتفاق يشمل توسيع نطاق المساعدة العسكرية والتدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، تعد الصين أيضاً أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة، حيث تبني بنية تحتية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. وعلى الرغم من أن مصر لم تكن جزءاً من خط سير سفر وانغ، إلا أنها تشكل أيضاً جزءاً مهماً من مبادرة الحزام والطريق للصين، بحسب جوديث بيرجمان. ووفقاً لجون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإنه «في السنوات الخمس الماضية، ومع تزايد اهتمام الصين بالعبور عبر قناة السويس، استثمرت الصين مليارات الدولارات في مصر. وتساعد الشركات الصينية في بناء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر في الصحراء خارج القاهرة، وتقوم بتطوير ميناء على البحر الأحمر، ومنطقة صناعية في العين السخنة. وقد قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بست رحلات على الأقل إلى بكين منذ توليه منصبه في عام 2014، مقارنة برحلتين فقط إلى واشنطن». قواسم مشتركة وتقول جوديث بيرجمان إنه للوهلة الأولى قد ينظر بعض القادة في الشرق الأوسط إلى الصين باعتبارها مناسبة تماماً للهيمنة على منطقتهم، التي تتألف إلى جانب إسرائيل من دول تشارك الصين وجهات نظرها بشأن سيادة الدولة وعدم التدخل وحقوق الإنسان. وقال وزير الخارجية وانغ يي في تلخيص رحلته: «إن الصين والدول اتفقت على ضرورة احترام الاستقلال السيادي والكرامة الوطنية لجميع الدول، وتعزيز سبل التنمية المستقلة والمتنوعة». ووفقا لوكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شينخوا) أوضح وانغ أنه تم الاتفاق على «معارضة التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى والافتراء على الدول الأخرى تحت ستار حقوق الإنسان، وحماية النظام الدولي لتكون الأمم المتحدة جوهر النظام الدولى القائم على القانون الدولى والتعددية والإنصاف والعدالة الدوليين». إن تعميق علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط خارج نطاق التجارة لابد أن يقلق الولايات المتحدة، خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذت أخيراً خطوات لتقليل الاهتمام بالمنطقة، وبالتالي فتح الباب أمام الهيمنة الصينية. وقال مسؤول كبير سابق في الأمن القومي ومستشار مقرب من بايدن لصحيفة بوليتيكو: «إذا كنت ستصنف المناطق التي يعتبرها بايدن أولوية، فإن الشرق الأوسط ليس ضمن المراكز الثلاثة الأولى». وأضاف: «إنها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ثم أوروبا، ثم نصف الكرة الغربي. وهذا يعكس إجماعاً بين الحزبين على أن القضايا التي تتطلب اهتمامنا قد تغيرت مع عودة المنافسة بين القوى العظمى (مع الصين وروسيا)». ومع تنافس الصين على المزيد من النفوذ الدولي لتصبح أكبر قوة في العالم بحلول عام 2049، عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً، من المرجح أن يصبح الشرق الأوسط حاسماً، سواء أعطته الولايات المتحدة الأولوية أم لا. - تعميق علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط خارج نطاق التجارة لابد أن يقلق أميركا، خصوصاً أن إدارة جو بايدن اتخذت خطوات لتقليل الاهتمام بالمنطقة. - خلال السنوات الخمس الماضية، ومع تزايد اهتمام الصين بالعبور عبر قناة السويس، استثمرت الصين مليارات الدولارات في مصر. - مع تنافس الصين على المزيد من النفوذ الدولي لتصبح أكبر قوة في العالم بحلول عام 2049، عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً، من المرجح أن يصبح الشرق الأوسط حاسماً، سواء أعطته الولايات المتحدة الأولوية أم لا. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :