تجدد الحديث مؤخراً وبإيقاع أعلى من أي وقت سبق عن إمكانية طرح ضريبة القيمة المضافة في الإمارات مع بقية دول مجلس التعاون ضمن الاتفاق المسبق بينها في هذا الشأن. وأبرزت المؤسسات الدولية المعنية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي أهمية هذه الخطوة لدول المنطقة في ظل تراجع أسعار النفط، وما تفرضه من ضغوط على الموازنات المالية لها. ولم تقتصر هذه المؤسسات في توصياتها على فرض ضريبة القيمة المضافة بل لفتت إلى أهمية إصلاح النظم الضريبية لدول المجلس بما يتماشى والتطور المتواصل للقطاعات غير النفطية، وفي ظل تراجع عائداتها النفطية أيضاً، وتشمل الإصلاحات تعديل الضرائب على الشركات، وفرض ضرائب على الممتلكات، مع الحرص على أن يكون الطرح بصورة تدريجية بما يحمي التنافسية ويحد من التأثيرات الاجتماعية. اتفق الخبراء على أن ضريبة القيمة المضافة ربما تكون البداية الأنسب بالنظر لمحدودية تأثيرها في الاستثمار. وتعرف ضريبة القيمة المضافة على أنها ضريبة مركبة تفرض على فارق سعر التكلفة وسعر المبيع للسلع، فهي ضريبة تفرض على تكلفة الإنتاج، وهي ضريبة غير مباشرة ظهرت للمرة الأولى سنة 1954 في فرنسا بفضل موريس لوريه. وبكلمات أبسط تعرف القيمة المضافة في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية بأنها الفرق بين قيمة السلع المنتجة وقيمة المواد التي دخلت في إنتاجها وهو ما يعرف بالاستهلاك الوسيط في عملية الإنتاج: القيمة المضافة قيمة الإنتاج الاستهلاك الوسيط. تطوير نظم ضريبية كاملة للضرائب وأوصى خبراء الصندوق دول مجلس التعاون بفرض ضريبة القيمة المضافة وتطوير نظم ضريبية كاملة للضرائب غير الهيدروكربونية، وإن لفتوا إلى أن هذا سوف يتطلب وقتاً. وقالت الدراسة إن تطوير النظم الضريبية الشاملة في دول مجلس التعاون أصبح أكثر أهمية مع تطور القطاعات غير الهيدركربونية في أعقاب جهود تنويع قاعدة النمو الاقتصادي، وأضافوا مؤكدين الأهمية المتنامية لتدعيم إيرادات الموارد الطبيعية لدول المنطقة مع تزايد أعداد السكان وتراجع إيرادات الموارد الطبيعية بسبب انخفاض أسعار النفط أو نفاد الاحتياطيات. وقال خبراء الصندوق إنه من الممكن العمل على تطوير النظم الضريبية تدريجياً باستغلال الحيز الذي تتيحه إيرادات الموارد الطبيعية، بهدف تحسين العدالة والإنصاف. وأكدوا أنه على الدول التي تحقق قفزات تنموية أن تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق قواعد ضريبية واسعة مقترنة بمعدلات ضريبية موحدة في ضريبة القيمة المضافة، وضريبة دخل الشركات، والضرائب على التجارة الدولية، واستحداث ضرائب الممتلكات، وضريبة تصاعدية على الدخل الشخصي. وبحسب الدراسة يلزم البدء بوضع عدد قليل من الأدوات والقدرات الإدارية البسيطة. ومن حيث الأولويات، ينبغي على الحكومات النظر في البدء أولاً بتطبيق ضريبة على القيمة المضافة، حيث ينبغي النظر في تطبيق ضريبة على القيمة المضافة بمعدل منخفض كخطوة أولى طبيعية نظراً لكفاءتها واتساع قاعدتها الضريبية في حالة مراعاة إبقاء عدد الإعفاءات ومعدلات الضريبة عند أدنى حد ممكن. ولفتت الدراسة إلى أن مجلس التعاون الخليجي يدرس بالفعل اعتماد ضريبة على القيمة المضافة لكافة دوله الأعضاء. وثانياً يمكن لدول المجلس بحسب توصيات دراسة الصندوق البدء في تطوير ضريبة على دخل الشركات: فضريبة على دخل الشركات ذات معدل منخفض سيكون من السهل نسبياً تبريرها على أساس مبدأ الانتفاع (أي أن الشركات في البلدان المصدرة للنفط تستفيد من البنية التحتية، والتعليم، وغير ذلك من العوامل الخارجية التي تمنحها الدولة) والعوائد الريعية الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع بها بعض الشركات بسبب موقعها في هذه البلدان. ومثالياً، يتعين أن تُطبق ضريبة دخل الشركات على جميع الشركات العاملة في الاقتصاد المحلي (بما في ذلك الشركات المملوكة لأجانب) لتجنب دعم الشركات المحلية ولتحقيق التكافؤ بين الشركات، ولكن إذا كان ذلك ذا حساسية سياسية، يمكن للحكومات النظر في تطبيق ضريبة دخل على الشركات الأجنبية فقط كمشروع تجريبي لبناء ضريبة شاملة في وقت لاحق. ومن ثم يتم فرض ضرائب على الممتلكات وضرائب المكوس: فضرائب الممتلكات، التي عادة ما تُفرض على الأراضي والعقارات، سوف يكون تطبيقها بسيطاً نسبياً وسوف تعالج التفاوت في الثروة وبشكل غير مباشر عدم المساواة في الدخل في الفترة الانتقالية الطويلة المحتملة حتى تطبيق ضريبة على الدخل الشخصي تتسم بالفعالية. إضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات النظر في التوسع في تطبيق ضرائب المكوس على السلع الكمالية، كالسيارات الراقية مثلاً. وأخيراً وضع خطط لتطبيق ضريبة الدخل الشخصي مستقبلاً: فضريبة الدخل الشخصي لا تزال غير ملائمة من الناحية السياسية في العديد من البلدان المصدرة للنفط، وخاصة إذا ما تم تطبيقها على المواطنين. ولكن ينبغي على البلدان وضع خطط طويلة الأجل لاستحداث ضريبة على الدخل الشخصي. وفي البلدان التي توجد فيها ضريبة على الدخل الشخصي ولكنها مطبقة فقط على الأجانب، يتعين النظر إلى هذا باعتباره مرحلة مؤقتة يمكن أن تقدم دروساً مستفادة لضريبة تطبق على الجميع. أهمية بناء القدراتالإدارية والخبرات الضريبية ولفتت الدراسة من جهة أخرى إلى أهمية بناء القدرات الإدارية والخبرات الضريبية التي يمكن الاستعانة بها في وقت لاحق لتوسيع نطاق النظم الضريبية. وسوف تتطلب المقترحات أعلاه إقامة إدارة ضريبية ملائمة، بما في ذلك قواعد للبيانات ونظم للمعلومات. وسوف يسمح توافر إيرادات من الموارد الطبيعية والإيرادات الضريبية من العمالة المغتربة بتطوير القدرات الإدارية إلى أن تصبح الأدوات الضريبية المختلفة ذاتية التمويل. وينبغي على السلطات الوطنية الاعتماد على هذه البنية التحتية لتوسيع نطاق الأطر الضريبية مع استحداث أدوات إضافية عندما تسمح الظروف السياسية أو تتطلبها الظروف الاقتصادية. ومن جانبها ترى مجموعة الأبحاث والدراسات العالمية ديلويت أنّ حاجة دول مجلس التعاون الخليجي لتخفيف العبء عن موازناتها سوف تترجم في معظم، إن لم يكن في كل هذه الدول، عبر الاعتماد الواسع لضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات. وبحسب تقرير ديلويت، تصنف ضريبة القيمة المضافة على أنها فاعلة، وأقل كلفة من حيث التشغيل، وأقل عرضة للاحتيال، وأقل قدرة من غيرها من أشكال الضرائب المباشرة على التأثير سلباً في تشجيع الاستثمار. وتشدد ديلويت على أهمية النقطة الأخيرة باعتبار أنّ الحكومات لا تسعى إلى توليد الإيرادات على حساب استثمارات القطاع الخاص. في الواقع، واستناداً إلى أنّ معظم تكاليف ضريبة القيمة المضافة تقع مباشرة على المستهلك بدلا من المؤسسات التجارية، فإنّ هذه الضريبة قادرة على تحقيق التوازن بين تشجيع الاستثمار وزيادة الاستثمارات. وقالت المؤسسة إن قرار تطبيق ضريبة القيمة المضافة يعتبر استجابة منطقية لتلبية حاجة الحكومات الحالية لتوليد المزيد من الإيرادات. إلا أن هذا الاتجاه لا يستبعد احتمالية تبني أنواع أخرى من الضرائب مثل ضريبة الدخل على الشركات أو الضريبة على الدخل الشخصي، بل يعني أنّ ضريبة القيمة المضافة هي الأكثر ملاءمة لاحتياجات الحكومات في الوقت الراهن. ومن جهته أكد الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر السعيدي في دراسة حديثة له حول الإصلاحات الضريبية في دول مجلس التعاون على أهمية تطوير النظم الضريبية لدول المنطقة، وقال إن صندوق النقد الدولي حذر من إمكانية تراجع الفائض الضريبي الحالي المتراكم لدول المجلس من 275 مليار دولار عام 2014 إلى 100 مليار دولار هذا العام في ظل التراجع المستمر في أسعار النفط العالمية. وقالت الدراسة إنه من الجدير بدول المجلس بهدف زيادة العائدات وتحقيق استدامة ضريبية، أن تعطي الأولوية للإصلاحات الضريبية وأن تضع سياسات تسمح بتنويع مصادر العائدات الحكومية بهدف خفض تأثر الأخيرة بأسعار النفط وأسواقه. واقترح في دراسته فرض نظام ضريبة داخلية على التبغ في دول مجلس التعاون من خلال ضريبة انتقائية جديدة. كما أكد أهمية توحيد السياسات بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بما يساعد على تفادي الخسارة المحتملة في العائدات الضريبية. كما دعا إلى إنشاء هيئة ضريبية موحدة والحرص على أن تكون السياسة الضريبية أيسر على الإدارة والتقدير والرصد. الآثار الاقتصادية والاجتماعية أكدت وزارة المالية مؤخراً أن الإمارات تدرس إمكانية فرض ضريبة القيمة المضافة، وأوضحت الوزارة في بيان أصدرته الشهر الماضي أن مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة مازال قيد الدراسة، خاصة في ظل عدم التوصل إلى الاتفاق النهائي بين دول المجلس على نسبة ضريبة القيمة المضافة وقائمة الإعفاءات الخاصة بها. وقالت الوزارة إنها قامت بإعداد دراسات حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق الضرائب في الدولة وذلك خلال الأعوام 2008 و2010 و2012 وآخرها كان عام 2014 والتي أنجزت مطلع عام 2015، وذلك حرصاً منها على توضيح التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تطبيق الضرائب في الدولة وعدم التأثير سلباً في عجلة النمو الاقتصادي في المنطقة ومكانتها التنافسية العالمية. وأشارت الوزارة في بيان إلى أنه حال توصل دول مجلس التعاون إلى اتفاق نهائي على المواضيع المتعلقة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، فإنه سيتم الإعلان عن ذلك بشكل مباشر وستعطى القطاعات المعنية بتطبيقها مهلة زمنية لا تقل عن 18 شهراً للتحضير للتطبيق واستيفاء متطلبات الالتزام بالضريبة، وذلك في ضوء مصادقة الدولة على مشروع القانون الإطاري النظام لضريبة القيمة المضافة على مستوى دول المجلس. وجدد صندوق النقد الدولي في الشهر الجاري توصياته لدول المنطقة بفرض ضريبة على القيمة المضافة من خلال دراسة قام بها خبراء الصندوق حول إصلاح الأنظمة الضريبية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبحسب دراسة الصندوق تعد مداخيل الضرائب في دول المجلس الأقل بين دول منطقة الشرق الأوسط، بالنظر لأن هذه الدول لا تفرض ضرائب على الدخل، حيث قدر بما يعادل 4.8% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. وبحسب الدراسة يصل دخل الدولة من ضرائب الشركات إلى 1.4% من إجمالي الناتج المحلي، ومن الضرائب على التجارة إلى 1.1%. ووصل دخل السعودية من الضرائب إلى نحو 2.4% من الناتج المحلي. وبلغت حصة الإيرادات الضريبية في البحرين ما لا يزيد على 0.8% من الناتج المحلي، مقابل 2.2% في الكويت و6.4% في سلطنة عُمان. وتعد حصة الإيرادات الضريبية من الناتج المحلي في قطر الأعلى على مستوى دول مجلس التعاون حيث تصل إلى 12.9%، مع حصة 12.1 من الناتج المحلي للضرائب على دخل الشركات.
مشاركة :