تعتبر الموسيقى لغة التفاهم الوجداني والحضاري ورفيقة النفس البشرية وملجأ الإنسان من ضغوط العمل، وإحدى سبل تقوية العلاقات بين شعوب الأرض المختلفة. واهتمت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بدعم ورعاية المواهب الشابة منذ البداية، وكانت حريصة على افتتاح المركز الموسيقي المتخصص ومدرسة البيانو به في أبوظبي عام 2008 لرفد الموسيقى الإماراتية، واحتضان وتحفيز الإبداعات الشبابية، وإبراز المواهب الصغيرة بصورة تضاهي جميع شعوب العالم. يقول مارتين هارسيل، من جمهورية التشيك، مشرف على المركز ويعمل مدرساً فيه: المركز متخصص في تعليم أصول الموسيقى والعزف على آلة البيانو، وتمتد الدراسة فيه لمدة 5 أيام في الأسبوع، من الأحد إلى الخميس، ويبدأ الدرس من الرابعة حتى الثامنة مساء، وباب التسجيل مفتوح للمواطنين والمقيمين بالدولة، للتدريب على يد فريق من الموسيقيين من مدرسي الموسيقى الكلاسيكية ذوي المستوى العالمي. ومركز أبوظبي الثقافي، هو المركز الحكومي الوحيد الذي يدرس ويعلّم الموسيقى الكلاسيكية والعزف على آلة البيانو، بحسب هارسيل، الذي أشار إلى أن معظم الدارسين من الإماراتيين والجنسيات العربية وأن جميع الحصص التي يتلقاها الطلاب الدارسون مجانية. ويضيف: الإقبال كبير ويزداد عدد الدراسين كل يوم، فالمركز يدعم ويطور المواهب الإماراتية الشابة، وتخرج فيه عدد كبير من الطلاب الإماراتيين بعد صقل مواهبهم، وحققوا فوزاً كبيراً في بطولات دولية في العزف. ويوضح أن هنالك دارسين إماراتيين زاروا جمهورية التشيك ونالوا أفضل الدورات التدريبية خصوصاً في ما يتعلق بعزف الموسيقى الكلاسيكية، مضيفاً: نعمل على إعداد كادر مؤهل لتعلم موسيقى كلاسيكية عالمية، انسجاماً مع النهضة الثقافية والإبداعية التي تعيشها الدولة من ريادة في ميادين الثقافة والموسيقى والفنون. ويشير هارسيل إلى أن تعلم العزف على الآلات الموسيقية أمر ليس بالسهل خصوصاً بالنسبة لصغار السن، مؤكداً تفوق الطلاب في دراسة وتطبيق أساليب العزف على هذه الآلة رغم أن معظمهم دون سن الخامسة عشرة. إيمان سعيد، طالبة بجامعة الإمارات، وجدناها داخل القاعة، وعلى الرغم من أنها كانت مشغولة وتمارس العزف على البيانو، فكانت تبدو عليها علامات الفرح والإعجاب بهذه الآلة الرائعة. تقول: ظللت أعشق آلة البيانو منذ سنوات، ولكن بدأ الاهتمام بها مع الدراسة الجامعية، وبدأت التعلم عليها قبل 3 سنوات عندما شجعتني الأسرة على مواصلة موهبة العزف عليها. وتحرص سعيد على الذهاب إلى المركز كل يوم خميس وتجلس أمام الآلة الرائعة مع أحد الأستاذة لفترة ساعتين لتطبيق ما تعلمته على البيانو، وتشير إلى سعادتها بالالتحاق بالمركز، قائلة: أضاف لي الكثير من الخبرات والمواهب وحقق لي تقدماً ملحوظاً وسط زملائي في الجامعة، فهو يمتلئ بالمواهب والمبدعين، وأنا أتدرب ساعتين أسبوعياً، لقصر المدة المتاحة أمامي بسبب الدراسة. وتضيف: أرغب أن أكون من بين الطلبة المتفوقين وأحترف العزف على البيانو، خصوصاً أن كثيراً من الشباب الإماراتيين وصلوا إلى القمة، مؤكدة مواصلة تدريباتها للحاق بهم. وتذهب سارة عامر، السورية والطالبة في الصف التاسع، أسبوعياً إلى المركز للتعلم والتدريب على يد الأساتذة المتخصصين. تقول: التحقت بالمركز منذ عام 2010، وكنت متلهفة لتعلم العزف على البيانو، ووجدت الدعم المعنوي من الأسرة خصوصاً والدتي التي ظلت تشجعني كثيراً، وأنا معجبة بالكثير من أساطير الموسيقى في العالم إلا أن موزارت، وهايدن المفضلان لدي. وتضيف عامر: أعجبت كثيراً بهذا الفن الراقي الجميل وقررت الاستمرار في التعلم، لأن تلك الآلة الساحرة تفجر ما لدي من طاقات ومواهب وتدفعني كثيراً على التدريب المستمر، ففي كل مرة أجلس أمامها أشعر بطاقة غريبة تعتريها وتكاد أن تتفجر بداخلها. وتؤكد أنها ستستمر في التعلم، قائلة: ما زلت صغيرة وفي بداية طريقي، فأنا أتعلم منذ خمس سنوات، وحتى الآن أشعر بأني في حاجة إلى مدة من الزمن لكي أصل مرحلة الاحتراف والشهرة. إلا أنني أسعى إلى التوفيق ما بين الدراسة وتعلم العزف، وحريصة على النجاح في كليهما. التشيكية إزدينا هرشل، المدرسة في المركز، تقول: ندعم طلابنا ونحاول إبراز مواهبهم الإبداعية وصقلها، وندربهم لبناء كادر موسيقي متخصص ومحترف، فالموسيقى لغة عالمية تصل إلى كل البشر على اختلاف لغاتهم وأعراقهم. ويقول الطالب محمد الجهوري، من كلية الهندسة المعمارية بجامعة الحصن، إنه يعشق الفن والموسيقى منذ الصغر وظلت تراوده الأحلام للعزف على البيانو ويزداد حبه كل يوم، خصوصاً بعدما التحق بصفوف الدراسة، ويشير إلى أنه في عام 1999 بدأ التعلم في المركز الموسيقي العالمي في منطقة الخالدية في أبوظبي، وكانت بداياته مع آلة الأورغ، إلا أنه انتقل إلى آلة أعظم فكانت رحلته مع البيانو الساحر. ويوضح أن أسرته حين رأت موهبته وقدراته تزداد كل يوم شجعوه على المواصلة، مع التركيز على الدراسة. ويضيف: عندما افتتح المركز قررت الالتحاق به وأصبحت اكتشف كل يوم نوعا آخر من التدريب والإبداع والموهبة، وأنا أدين بتعلمي للعزف على البيانو لأستاذه مارتن هارسيل في المقام الأول، وجميع المدرسين في المركز الذين استطاعوا تدريب الطلبة بصورة احترافية أكاديمية. ويشير إلى أنه حقق فوزاً من قبل بمسابقة عام 2012 بهذا الخصوص على مستوى الدولة، وأصبح اليوم ضمن الكوادر والأساتذة في المركز الذين يدربون الدارسين، كما أنه لديه شهادة من المعهد البريطاني في البيانو. ويؤكد الجهوري أنهم يستقبلون أعداداً كبيرة من الشباب خصوصاً الإماراتيين الذين يرغبون في تعلم العزف على الآلة، على الرغم من صعوبتها. ويرى أن إقبال الشباب الإماراتي على كل أشكال الفنون يدل على الوعي المتنامي للجيل الحالي والإدراك الكامل بأن الفنون تسهم في نشر الثقافة والتبادل المعرفي بين المجتمعات والشعوب.
مشاركة :