في زمن بات فيه كل شيء ينبه الإنسان ويوقظه من نومه بدءاً من الساعة وانتهاء بالهواتف الخلوية، ظلت مهنة المسحراتي حاضرة بكل قوتها، تضفي على شهر رمضان نكهة مميزة. ففي مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، اعتادت الأزقة على وقع أقدام المسحراتي الستيني إبراهيم عرب خلال شهر رمضان، وصوته الجهوري الذي يصدح في حارات المخيم، يرافقه قرع الطبل وابتهالات، ليضفي روحاً لليل المخيم المعتم، وأجواءً رمضانية بامتياز، وهو يطوف بين الأزقة، ويمرّ بمحاذاة كل البيوت، ويضرب على طبل ضخم مشدود إلى كتفه مع عصا يترنم بالعزف عليها يشق من خلالها سكون الليل ليوقظ الناس على سحورهم للتحضير لتناول وجبة السحور. ربع قرن يشعر المسحراتي بالفخر، عندما يشاهد الأطفال يستيقظون ويرددون من شرفات منازلهم هتافه الرمضاني، فيما لا تغادر الضحكات وجوههم، يقول عرب لـ«البيان» أمارس هذه المهمة التي ورثتها عن والدي منذ 25 عاماً، لم أتغيب عنها يوماً حتى في أصعب الظروف التي عاشها المخيم، وجدت فيها روحي، لما أجده من محبة في قلوب الناس أثناء مروري في أوقات السحر لإيقاظهم. ولفت عرب إلى أن المقابل الذي يحصل عليه كل ما يجود به الناس من طعام أو عطايا أو نقود رمزية، رافضاً ما يردده البعض بأنه لا داع لوجود المسحراتي هذه الأيام، ماضياً بمهمته دون اكتراث. شهرة واسعة ويجمع المؤرخون أن أول مسحراتي كان عتبة بن إسحاق عام 228 هجرية بالدولة الفاطمية، حيث كان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور، وكذلك هو أول من أيقظ الناس على الطبلة. وازدهرت مهنة المسحراتي في العصر العباسي، ولعل أشهر من عمل بها «ابن نقطة»، فكان موكلاً إليه إيقاظ أسرة الحاكم العباسي، وكان صوته عذباً جميلاً يحفظ أبياتاً تحث على الزهد والتصوف، ولاقى شهرة واسعة في كتب النوادر والطرائف في ذلك العهد. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :