الحج فرصة نادرة للتعارف والتآلف

  • 9/26/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في هذه الأيام المباركة، ومع ما نمر به من أحداث جليلة، وما يحيط بالأمة الاسلامية من الكثير من الأحداث، نحتاج إلى أن نستشعر بركة هذه الأيام وخيرها، ومن المعلوم أن لكل عبادة في الإسلام حكمة وهدفا، وقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هذه الحكم بكل وضوح، فليست العبادات أفعالا ظاهرية خالية من المقاصد والأهداف، بل هي أفعال تحمل في جوهرها الكثير من المصالح للعباد في المعاش إضافة لكونها سبب نجاتهم في المعاد. تعيش الامة الاسلامية هذه الايام اجواء الحج وشعائره المباركة التي تنقي النفوس، وتنير الأفئدة، وتطهر القلوب وتقوي المعنويات، وتوحد المسلمين على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. والظروف العصيبة التي تجتاح المجتمعات العربية والاسلامية واتجاه بعضها للفوضى وعدم الاستقرار، تستوجب أن تعمل الامة على أن يكون الحج فرصة لجمع شتات المسلمين، ومد يد التعاون والدعم وجعل الاخوة الإسلامية فوق كل اعتبار. ذلك ان روحانيات الحج العميقة التي لا يعلم سرها غير الله تعالى متعددة ويستشعرها الحاج عندما يأتي إلى هذه الاراضي المقدسة، حيث يرى نفسه عضوا في جسد أكبر وفردا في أمة عظيمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية، والحاج يشعر بارتباطه القوي المتين بالأمة الإسلامية عندما يطوف مع إخوانه المسلمين من مختلف البلاد بالكعبة المشرفة ويقف في عرفات ويبيت في منى والمزدلفة بالرغم من اختلاف الألوان والأجناس والثقافات واللغات. ويمكن أن يشكل موسم الحج مناسبة فريدة من نوعها لحل الأزمات الإسلامية بما يعود بالنفع والفائدة على المسلمين جميعا، وفي تاريخنا الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد أهم مؤتمر سياسي في موسم الحج، حيث تمت بيعتا العقبة الأولى والثانية في موسم الحج، واللتان تم فيهما إسلام وفد من أنصار المدينة المنورة ومبايعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصرة والمنعة إذا هاجر إليهم، وتعتبران أهم بيعة في تاريخ الإسلام، بل وأهم مؤتمر وحدث سياسي في تاريخ الدعوة الإسلامية. وعن الناحية الاجتماعية فالحج فرصة نادرة للتعارف والتآلف بين المسلمين في شتى أنحاء العالم, وإزالة الفوارق الاجتماعية القطرية والقومية. لقد آن للمسلمين، بل للدنيا كلها؛ أن تتعلم المساواة الحقيقية من هذه الفريضة الكريمة ومن مختلف شعائر هذا الدين القويم، وهذا هو اليوم الذي يأتي فيه حجاج بيت الله الحرام من كل فجٍّ عميق، بكل لغةِ ولون، يتوافدون على البقاع المقدسة الطاهرة، متناسين الخلافات السياسية بين الدول التي وفدوا منها، لا تحرِّكهم سوى قوة العقيدة والدين، الذي ينفذ إلى أعماق القلوب وأغوار النفوس؛ فيحركها نحو الوحدة الإنسانية الكبرى، البريئة من نزعات التعصب لجنس أو لون أو عرق، ويحذِّرها من الاستجابة لرغبات الأعداء في تفريقها وتمزيقها. إن موسم الحج هو اجتماع كل الأمة من عظمائها وبسطائها، وحكمائها وعلمائها وضعفائها، وأغنيائها، وجميعهم في البقعة المباركة في أرض الله الطاهرة، لا يفكرون في شيء إلا في العبادة وطلب الرحمة والدعاء للخاصة والعامة. ان الله تعالى شرع الحج للمسلمين حتى يجتمعوا في صعيد واحد على اختلاف أجناسهم ومذاهبهم وبعد بلادهم وأقطارهم، سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد مهما كانت مكانته ومنزلته إلا بالتقوى، ليتعارفوا ويحبوا بعضهم ويتذكروا سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والصحابة، رضوان الله عليهم، الذين جاهدوا في سبيل الله لنشر الدين الحنيف، ويقول الحق سبحانه: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق».

مشاركة :