قال أبو عبدالرحمن: عن أبي سعيد الخدري قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم).. رواه البخاري في صحيحه برقم (3649)؛ ولقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر هذا الحديث في إحدى فتاويه: ((لقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بصحبته، وعلق برؤيته، وجعل فتح الله على المسلمين بسبب من رآه مؤمناً به؛ وهذه الخاصية لا تثبت لأحد غير الصحابة؛ ولو كانت أعمالهم أكثر من أعمال الواحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم)).. انظر (مجموع الفتاوى) للإمام ابن تيمية 4/ 465.. ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى الفتح على يد من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل من بركة الصحابة أن من صاحبهم يفتح الله له؛ بل يفتح الله لمن صاحب من صاحبهم رضوان الله عليهم أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال أبو عبدالرحمن: وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: لا أدري أذكر ثنتين أو ثلاثًا بعد قرنه - ثم يجيىء قوم، ينذرون ولا يفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويظهر فيهم السمن).. رواه البخاري في صحيحه برقم (6695).. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ((المراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: الصحابة)).. انظر (فتح الباري) 7/ 5-6.. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((إن الصحيح الذي عليه الجمهور: أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة فهو من أصحابه، ورواية (خير الناس) على عمومها، والمراد منه جملة القرن، ولا يلزم منه تفضيل الصحابي على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا أفراد النساء على مريم وآسية وغيرهما؛ بل المراد جملة القرن بالنسبة إلى كل قرن بجملته.. قال القاضي: واختلفوا في المراد بالقرن هنا؛ فقال المغيرة: قرنه أصحابه، والذين يلونهم أبناؤهم، والثالث: أبناء أبنائهم، وقال شهر: قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني: ما بقيت عين رأت من رآه، ثم كذلك.. وقال غير واحد: القرن: كل أهل طبقة مقترنين في وقت، وقيل: هو لأهل مدة بعث فيها نبي، طالت مدته أم قصرت.. وذكر الحربي الخلاف في قدره بالسنين من عشر سنين إلى مئة وعشرين، ثم قال: وليس منه شيء واضح، ورأى أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد.. وقال الحسن وغيره: القرن عشر سنين، وقتادة: سبعون، والنخعي: أربعون، وزرارة بن أبي أوفى: مئة وعشرون، وعبد الملك بن عمير: مئة، وقال ابن الأعرابي: هو الوقت)).. ثم قال النووي: ((والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم: الصحابة، والثاني: التابعون، والثالث: تابعوهم)) .. انظر (صحيح مسلم بشرح النووي) 16/ 318- 319.. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).. رواه البخاري ومسلم.. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من سب أصحابي).. أخرجه الطبراني في (الأوسط) و(الكبير)، وحسنه الألباني، حديث رقم (5111) في (صحيح الجامع).. والأحاديث واضحة في دفاعه صلى الله عليه وسلم عن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ونهيه عن سبهم وانتقاصهم،وبيان أن عقوبة من سبهم وانتقص من قدرهم هي اللعة والطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى.. وعن أبي بردة عن أبيه قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء – قال – فجلسنا فخرج علينا فقال: (ما زلتم هاهنا)، قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: (أحسنتم – أو: أصبتم).. قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرًا مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).. رواه مسلم.. قال أبو حاتم رضي الله عنه: ((يشبه أن يكون معنى هذا الخبر: أن الله جل وعلا جعل النجوم علامةً لبقاء السماء، وأمنةً لها عن الفناء، فإذا غارت واضمحلت، أتى السماء الفناء الذي كتب عليها، وجعل الله جل وعلا المصطفى أمنة أصحابه من وقوع الفتن؛ فلما قبضه الله جل وعلا إلى جنته، أتى أصحابه الفتن التي أوعدوا، وجعل الله أصحابه أمنة أمته من ظهور الجور فيها؛ فإذا مضى أصحابه أتاهم ما يوعدون من ظهور غير الحق من الجور والأباطيل)).. انظر (صحيح ابن حبان) 16/ 235.. وقال النووي شارحاً الحديث في شرحه على صحيح مسلم: ((قوله صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد)، قال العلماء: الأمنة بفتح الهمزة والميم، والأمن والأمان بمعنى.. ومعنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقيةً فالسماء باقية؛ فإذا انكدرت النجوم، وتناثرت في القيامة، وهنت السماء فانفطرت، وانشقت، وذهبت.. وقوله صلى الله عليه و سلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فاذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون)؛ أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك.. قوله صلى الله عليه و سلم: (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، معناه: من ظهور البدع، والحوادث في الدين والفتن فيه، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم وغيرهم عليهم، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك.. وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبدالرحمن: عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه).. رواه مسلم في صحيحه برقم (673)؛ وفي هذا الحديث بيان فضل الهجرة في تفاضل الناس؛ بل إن أسبقية الهجرة يتفاضل الناس بسببها.. وعن سهل بن سعيد قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للمهاجرين والأنصار).. متفق عليه، وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم بالمغفرة، ومعلوم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب، فدعاؤه بمثابة الإخبار عن وقوع المغفرة لهم رضوان الله عليهم، وفيه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم يثني عليهم بهذا الدعاء؛ فهو دعاء وتزكية، وإلى لقاء مبارك إن شاء الله تعالى، والله المستعان. ** ** كتبه وحققه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -
مشاركة :