الروايات السعودية المترجمة أكثر واقعية وأقرب إلى المباشرة في لغة السرد

  • 9/26/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال الرواية السعودية محل جدل بين القارئ والناقد، وكلما كثرت الإصدارات الروائية زادت الأسئلة عن هذا المنجز الجدلي. والدكتور والناقد سعد البازعي أحد أهم الأسماء النقدية التي قدمت الكثير من الرؤى عن الرواية السعودية وفي هذا الحوار لثقافة اليوم نرصد بعض من تأملات وأراء الدكتور سعد البازعي عن الرواية السعودية: * قبل عدة سنوات كانت نار الرواية السعودية حامية. هناك كثافة إصدارات وهناك ناقد يرصد ما ينتجه الروائي السعودي وهناك قارئ يقرأ بدوافع مختلفة تلك الروايات. لكن الآن ومع وجود بعض الانجازات التي تحققت للرواية السعودية. إلا أن الناقد انشغل عنها والقارئ أصبح عازفاً عن القراءة.. كيف تقرأ وترصد حالة الرواية السعودية الآن؟ - لا أدري كيف يمكن رصد تحولات الرواية أو تحولات الكتابة عنها. لا شك أن ذلك ممكن بدراسة مكثفة ومتابعة ميدانية إن صح التعبير. لكني لا أعرف أحداً قام بذلك. ومع ذلك سأفترض دقة الفرضية التي قام عليها السؤال. سأقول إنه إن كان هناك تراجع في الكتابة عن الرواية على الرغم من كثرة نتاجها فقد يعود هذا إلى أحد العوامل التالية: الكثرة نفسها ربما جعلت من الصعب على البعض رصد ما ينشر، والكثرة تعني اختلاط الغث بالسمين وضبابية الرؤية، في حين كان القراء الجادون أو النقاد في الماضي يترقبون صدور رواية ما للتمعن فيها. ربما يكون ذلك، مع أن الرد واضح على الإجابة، وهي أن مهمة النقد هي الفرز. لكن هذا يقودني إلى الاحتمال الثاني: تراجع الصحافة الثقافية عن أداء دورها في استكتاب النقاد حول روايات معينة، وتراجع اهتمام المؤسسات المعنية بذلك، كالأندية الأدبية، أو بالأحرى بعضها، بالأمر. كثير من النقد الذي أنتج في الثمانينات الميلادية كان بهاجس صحفي: كان للملاحق الثقافية دور حيوي في تنشيط الساحة بالاستكتاب، وهذا الدور أراه تراجع كثيراً، فالملاحق الآن تمارس دوراً سلبياً، بمعنى أنها تنتظر ما يرسل دون أن تبادر إلى طرح قضية مثل هذه، وهذا هو المهم، الطلب من نقاد معينين متابعة الإصدارات بطريقة مهنية، كما يحدث في الغرب حيث هناك ناقد للرواية وناقد للشعر وهكذا ووظيفته متابعة المستجد. ولكن متابعة المستجد إحدى مهام الناقد. المهمة الأخرى والأهم في نظري هي الرصد الشامل، ويجب ألا ننسى أن هذا الرصد يحتاج وقتاً لتتضح الرؤية. لكننا حين ننظر من هذه الزاوية سنكتشف أن لدينا إنتاجاً نقدياً قام بالكثير من الرصد والمتابعة وسأضرب مثالاً مبدئياً بما نشره د. سحمي الهاجري حيث رصد وحلل أكثر من مئتي رواية سعودية في كتاب صدر قبل سنتين أو ثلاث على ما أذكر. وإلى جانب ذلك هناك جهود بارزة لنقاد آخرين مثل د. معجب العدواني و د. حسن النعمي وأ. محمد العباس ود. حسن حجاب الحازمي وطامي السميري وغيرهم، إلى جانب رسائل ماجستير ودكتوراه كثيرة في السنوات الأخيرة. كما أن من الأندية الأدبية من دعا إلى ندوات حول الرواية أو عني بمناقشتها مثل ناديي جدة وحائل وتبوك. هذا كله يستدعي تحويل الفرضيات إلى بحوث استقصائية ترصد ما أنتج فعلاً من نقد فلربما تغيرت الفرضية أو قلبت تماماً. النقد الأدبي ليس مجرد انطباعات وتقييمات سريعة غير موثقة بشواهد. النقد عملية ذهنية وشعورية واشتغال ثقافي مركب * ألا تعتقد أنه بوجود مواقع التواصل الاجتماعي تراجع دور الناقد والمؤسسة الثقافية وكذلك الملاحق الأدبية، أصبح القارئ هو من يلعب دور الناقد بل وأحيانا يلعب دوراً تسويقياً. القراء أصبحوا يشكلون لوبياً ثقافياً وغالباً هم من يشيرون إلى ضعف فنية الرواية السعودية؟ - لا شك لدي في أن لشبكات التواصل دورها وتأثيرها في تشكيل الثقافة، ولكن لاشك لدي أيضاً في أن معظم ما يكتب في تلك الشبكات هو امتداد للثقافة الشعبية التي تبدو مثل شفاهية مكتوبة، أي كلام انطباعي وأحكام سريعة مقولة بلغة تقترب من الدارج ولكنها تكتب وتنشر على الملأ. النقد الأدبي ليس مجرد انطباعات وتقييمات سريعة غير موثقة بشواهد. النقد عملية ذهنية وشعورية واشتغال ثقافي مركّب، في حالاته المتطورة طبعاً. صحيح أن للأحكام السريعة مكانها، لكنها ليست مما يعول عليه في بناء رؤى نقدية عميقة ومؤثرة على المدى البعيد. أما الإشارة إلى ضعف فني فيعتمد على ما إذا كان مجرد إشارة أو كان حكماً ذا موثوقية ومدعوم بشواهد نصية. الحكم سهل ولكن القرائن صعبة. * الروائي السعودي متهم بمطاردته للقضايا الاجتماعية ولكل ما هو مطروح على سطح المجتمع، لذا نجد بعض الروايات اقرب إلى الخطاب الاجتماعي. بينما الجانب النفسي للإنسان شبه غائب. وهذا الغياب جعل الشخصية الروائية تغيب عن ذاكرة القارئ. حيث اننا نتذكر أسماء الروايات لكننا لا نذكر أسماء أبطال تلك الروايات؟ - الروايات المتميزة قليلة بطبيعتها، ومع كثرة الإنتاج فإن الغث يملأ الأفق ويكاد يسد منافذ الرؤية. الآن كثيرون يجربون حظهم في الرواية والقلة القليلة توفق في إنتاج نصوص يعتد بها سواء اجتماعياً أم نفسياً. لكن الوصف الاجتماعي يظل الأسهل، وكذلك هو الوصف النفسي إذا ظل في إطار الوصف. المتوقع من الرواية الجادة أن تتجاوز الوصف إلى التحليل المعمق وهذا قد يكون اجتماعياً أو نفسياً والأغلب أن يجمعهما. * عندما نقرأ دوستوفيسكي، كونديرا، ماركيز، يوسا، با موق وغيرهم، نجد أننا مع رواياتهم نتعرف على الحياة من جديد، ونقرأ رؤى مبتكرة عن الأشياء. فالروائي في تصوري هو كائن لديه أكثر من معنى للحياة لذا فهو يكتب الرواية. ومن هذا التصور هل لدينا نماذج من الروائيين والروائيات ممن استطاعوا أن يقدموا لنا هذا التصور المختلف للحياة؟ - قدرة الرواية أو الأدب عموماً على تحقيق ما نضعه له أو يضعه لنفسه من معايير تظل نسبية، فليس من عمل أدبي حقق القدر الكامل في ذلك، وتظل الأعمال الأدبية متفاوتة سواء عند دوستويفسكي أو باموق أو لدى نجيب محفوظ أو أي روائي عربي سعودي. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقول إن لدينا روايات حققت قدراً لا بأس به من التصور المختلف للحياة وإلا لما كانت روايات أصلاً. المهم هو مقدار الاختلاف، أو مقدار التميز في تصوير المختلف. هنا يتفاوت الروائيون وتختلف الروايات. الأعمال الروائية التي حققت قدراً كبير من الانتشار أو نالت الجوائز هي في الغالب من النوع الذي أقنع القراء بتصوراته المختلفة للحياة، وليس شرطاً أن يكون ذلك التصور قد تحقق بالمستوى الذي تحقق به في "الجريمة والعقاب" أو "مئة عام من العزلة". * ما هو تصورك في مسألة غياب الأب السردي في الرواية المحلية؟ وما هو تأثير هذا الغياب على الروائي الشاب؟ وهل هناك إشارة إلى اسم روائي قد ترى انه قد يتشكل في مستقبل الأيام كأب سردي لروايتنا المحلية؟ - لاشك أنه ظهر لدينا جيل رائد في كتابة الرواية (دمنهوري، إبراهيم الناصر، الخ) لكن إلى أي حد كان أولئك "آباء" للرواية التي ازدهرت في فترة لاحقة، سؤال ليس من السهل الإجابة عليه ويحتاج إلى دراسة شاملة للرواية السعودية من هذه الزاوية. لكني لا أظن أن من الإنصاف أو الدقة فصل الرواية المحلية عن سياقها العربي، بل وحتى العالمي. فالأب السردي قد يكون عربياً (محفوظ، منيف، جبرا، الخ) أو عالمياً (ماركيز، كونديرا، الخ) وفي ظني أن تأثير أولئك على تطور الرواية أظهر من تأثير الكتاب المحليين من الرعيل الأول. أما أسباب ضعف ذلك، على افتراض أنه صحيح، فقد يعود إلى شتات الإنتاج أو ضعفه مقارنة بالنتاج العربي بشكل عام. * الروائية السعودية غالباً ما تنتصر للمرأة وغالبا ما تكون صورة الرجل في رواياتها صورة سلبية. في تصورك هل الروائي يقوم بذات الدور في رسم صورة سلبية للمرأة في علاقة الحب؟ - ما أعرفه من الرواية المحلية، وأظنها مدار السؤال، يؤكد الجزء الأول من السؤال، أي انتصار المرأة لقضية المرأة. وهو انتصار أرى وجاهته طالما استمر الوضع القائم الذي يهمش المرأة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. المرأة بحاجة إلى من ينظر في وضعها ويبرز جماليات وجودها ومشروعية نضالها، وليس أقدر من المرأة الروائية على رؤية ذلك والكتابة عنه. أما الجزء الثاني فلا أظنه صحيحاً بإطلاق. هناك بالطبع من رسم صوراً سلبية لكن ما مدى انتشار ذلك؟ أظنه محدوداً ولكني لا أصدر عن مسح شامل للرواية المحلية لكي أقول ذلك بثقة تامة. من الأعمال الروائية الجيدة ما انتصر للمرأة أو لم يصورها سلبياً وأظن أن في أعمال تركي الحمد وعبده خال ويوسف المحيميد، ضمن آخرين، ما يؤكد ذلك. من ناحية أخرى، أعرف أن صورة الرجل وصورة المرأة درست كثيراً وهي موضوع رسائل جامعية بعضها في مستوى الدكتوراه ولربما أن منها ما نشر لكن مشكلة الرسائل الجامعية أنها غالباً تنتهي بمجرد الحصول على الدرجة. * بالنسبة لحضور المرأة في روايات تركي الحمد لم يكن لها ذلك الحضور فهو مشغول بتدوين قضاياه الفكرية والسياسية أما عبده خال فهو لديه نموذجان الأم الحكاءة أو الأنثى المعشوقة والتي يطاردها العاشق طوال الرواية، يوسف المحيميد منذ رواية القارورة وهو لديه نموذج المرأة العابثة. هذه النماذج المقدمة هل تراها الصورة الايجابية للمرأة؟ - لا أدري إلى أي حد يمكن تعميم الحكم الذي يتضمنه السؤال على أعمال أي من الكاتبين. أعرف أن لدى الخال على الأقل شخصيات أنثوية مهمشة قدمت بتعاطف كبير. لكني دون شك لن أدعي أن أياً من الكاتبين يكتب وفي ذهنه قضية المرأة والدفاع عنها، لكني لا أظن أن تهميش المرأة أو تصويرها سلبياً هي المحصلة النهائية لتناولهما إياها. * ألا تعتقد أن الروائية السعودية وهي تستثمر النص الروائي للنضال الحقوقي جاء ذلك على حساب الفن الروائي. لذا نقرأ روايات معبأة بقضايا حقوقية أكثر مما نقرأ رواية ممتلئة بالفن؟ - لا شك لدي في أنه كلما علا صوت النضال من أجل قضية انخفض صوت الفن سواء في الرواية أو غيرها. التوازن هو الحالة المثلى، فليس من المتوقع أن نطالع أعمالاً ليس فيها سوى الجمال أو الفن الخالص، لكننا نتوقع من الكاتب أن يعبر عن رؤيته للقضايا من خلال لعبة الفن سواء أكان روائياً أم غيره. وأظن أن حالة الاختلال هذه تحدث حين يأتي الكاتب إلى الأدب أو الفن عموماً لأن لديه "رسالة" ما ويريد توظيف الأدب أو الفن لخدمتها. هذا بالطبع لا يصدق على الرواية السعودية وحدها وإنما أيضاً على الرواية حيثما كانت، لكن لربما حفلت الرواية السعودية بنماذج كثيرة من هذا النوع لأسباب يصعب الدخول في تفاصيلها هنا. * في أغلب الروايات السعودية يقدم نموذج الأب في صورة ضبابية وبحضور هش، بينما صورة الأم أكثر وضوحاً. لكنها غالبا ما تكون الأم الشرسة والعنيفة. ما هو تفسيرك لهذه الحالة؟ - لا تساعدني معرفتي بالرواية السعودية على دعم أو تفنيد هذا الحكم العام، لكن النماذج التي أعرف تبدو مساندة له، ولا أستغرب ذلك بالنظر إلى الموقف المتوقع من مجتمع تغلب عليه القسوة في التعامل مع أي رغبة في التحرر لاسيما من جانب الأنثى. سيكون لدى أصحاب التحليل النفسي الكثير حول هذه المسألة ولكن التحليل الاجتماعي سيدعمها أيضاً. وأظن أن مما سيقوله أصحاب المدرستين أن الأم والأب يمثلان صرامة المجتمع في الدفاع عن المفاهيم والتقاليد الموروثة. ومع أن المرء يتوقع أن تكون الأم أكثر ليونة بحكم أمومتها وكونها هي نفسها تعرضت للكبت، فإن الواقع الاجتماعي قبل الروائي يؤكد أن الأم في كثير من الأحيان تميل إلى أن تكون تجسيداً لتقاليد تخشى الخروج عليها من نفسها قبل أن يكون ذلك من أبنائها أو بناتها. أما الأب فمن الطبيعي أن يكون المجتمع الأبوي مكثفاً وحاداً. * لدينا الكثير من الروايات التي اتكأت على تقديم حالة الحب وقدمت حكايات عاطفية. في تصورك هل قدمت الرواية السعودية حكاية حب تكتسب الخلود بحيث يصبح أبطالها نماذج للحب؟ - لا أتذكر أنموذجاً ضخماً من هذا النوع، لكن رواية أميمة الخميس الأخيرة "زيارة سجى" تقدم حالة عاطفية استثنائية، وقبلها هناك "هند والعسكر" لبدرية البشر. "غراميات شارع الأعشى" لبدرية حافلة بالحالات العاطفية أيضاً، لكن أياً من تلك الحالات الروائية لا يُقدم في تصوري على أنه أنموذج للحب. * هناك أكثر من رواية تم ترجمتها إلى لغات أجنبية مختلفة. وبما أن لديك انشغالك بهموم الترجمة. هناك روايات سعودية تتكئ على اللغة الشعرية. هذه الروايات هل هي صالحة للترجمة؟ وكيف ترى صدى الروايات التي تمت ترجمتها عند القارئ الأجنبي. - اللغة الشعرية هي الأصعب على الترجمة، لأنه كلما اقتربت اللغة من الشعر تكثف المجاز وزادت ضبابية اللغة واتكاءها على الإيحاء وهو ما يصعب نقله للغة أخرى إلا بترجمة أقرب إلى إعادة الكتابة وبتصرف شديد. من هنا كانت أكثر الروايات التي ترجمت من النوع الأكثر واقعية والأقرب إلى المباشرة في لغة السرد ما جعلها أيسر تناولاً على المترجم وأيضاً أسهل وصولاً إلى القارئ الأجنبي. لكني لم أتابع أصداء تلك الترجمات، باستثناء واحد هو ما كتب عن "بنات الرياض" مما اطلعت عليه وهو لا ينم عن إعجاب كبير بالعمل بشكل عام. في الغالب تشيع نظرة تقليدية للأعمال الأجنبية المترجمة من الثقافة العربية (وحتى غير العربية من ثقافات العالم غير الغربي) حيث ينظر إلى تلك الأعمال، السردية بشكل خاص، من زاوية أثنية ثقافية وليس من زاوية أدبية، أي أنها تجتذب الاهتمام من حيث هي تمثل مجتمعاً مختلفاً وتطالب باستمرار بتمثيل ذلك المجتمع.

مشاركة :