صحيفة المرصد :بعد مضي يوم على حادثة التدافع في شارع ٢٠٤ بمشعر منى، لا يمكن للمار في ذلك الطريق إلا أن يشم رائحة الموت، فناقلات الموتى تحيط بالأمكنة، وتتوسد جنبات الطريق، ربما هرب المصابون منها؛ خوفاً من الموت، لكنها بالتأكيد تعطي إشاراتها للمارين، بالتريث وعدم الاستعجال في المسير، فالمارون هناك، يسيرون على مهل، يهربون من أي تجمعات، يسيرون وكأنهم آلات منتظمة في مواعيدها تماماً. وعلى جنبات الطريق ذاته، لا حديث للقاطنين هناك، سوى عن هذه الحادثة التي تركت ظلالها على الحجاج، وتحديداً على من شاهدها عن كثب، فالروايات عدة، تختلف من لسان عربي إلى لسان آخر، الجميع يتحدث عن الحادثة، وأصابعهم تتجه إلى موقعها، لكنهم يتفقون على أن الموقف كان مرعباً مخيفاً بل كان الأمر مؤلماً، خصوصاً أن الحملات أغلقت أبوابها في وجوه الحجاج الهاربين من الموت فبعضهم هرب، لكن آخرين كان الموت لهم بالمرصاد. وفي إحدى زوايا الشارع، تتربع سيدة عجوز، يبدو الحزن الكاتم على ملامحها الأولى وبشرتها التي عرتها أشعة الشمس الحارقة؛ فهي لا تتوسد إلا الحزن، ولا تتوقف عن البكاء، على رغم محاولات المحيطين بها،ووفقا لصحيفة الحياة التي حاولت أن تتحدث معها؛ لتعرف حجم الألم الذي يعتريها، لكنها رفضت وواصلت بكاءها. أحد المحيطين بها تحدث قائلاً إنها من إحدى دول أفريقيا، فقدت ابنتها الشابة في هذا الشارع، في صباح الحادثة، وحاولت أن تنقذها لكن الموت كان أسرع، يضيف هذا الحاج أن الأمر كان مخيفاً للغاية، لا يمكن أن أتصور مشهداً كهذا، وأعتقد بأن الدافع الأول لهذه الفاجعة هو الخوف، الناس كانوا يخشون من الموت، لكنه كان لهم بالمرصاد، لو كانوا يمشون بهدوء لاختلف الأمر، لكن الأمر لله من قبلُ ومن بعدُ، لا اعتراض على قضاء الله وقدره، ونحن نحاول أن نواسي الأهالي المفجوعين بأقربائهم وأصدقائهم، بالصبر وحسن العاقبة. وقبل أن ينتهي هذا الحاج من حديثه، وقف شاب لا يتجاوز عمره ١٩ عاماً، ترك طعامه، فجاء مسرعاً، الموت كان قريباً مني، كنت أراه أمامي، لكنني لا أعرف كيف نجوت موضحاً أنه كان نائماً وقت التدافع وفي حدود الساعة الثامنة صباحاً، كنت هنا مع أحد المطوفين، رأيت الناس هلعين خائفين، تحاول الهرب إلى أي مكان، ولا يوجد مكان تهرب إليه، يشير بإحدى يديه إلى جدار أحد المخيمات: انظر كيف تهشم هذا الجدار كيف حاول الحجاج تسلق هذا المكان، انظر إلى حجم صناديق المياه التي تفجرت وتكسرت بسبب هذا التدافع، أنا هربت إلى مكان يحميني من الموت، وراقبت الموقف، رأيت كيف الناس كانت تحاول إنقاذ نفسها. وزاد: واضح أن الحادثة كانت نتيجة التدافع بسبب الاتجاهات المتعاكسة فحصل ما حصل، لكن صديقه صالح علي (٢٥ عاماً) يختلف معه في هذه الرواية ويؤكد أن الجميع كانوا يسيرون باتجاه واحد، لم يكن هناك اتجاهات متعاكسة، لكن الأمر الذي أدى إلى هذه الحادثة، طريق فرعي كان يصب في هذا الشارع، إذ حاولت بعض المجاميع الأفريقية الدخول عنوة إلى الشارع وهو ما أدى إلى توقف الحركة بشكل كبير، وهو ما أسهم في خوف الناس وهلعهم وأربك الحجاج وجعلهم يحاولون الهرب، وتصادم الناس؛ خوفاً من الموت في كل الاتجاهات. وشهد شارع 204 قبل نحو 3 سنوات في موسم الحج تكدس آلاف الحجاج المتجهين إلى رمي الجمرات، وظلوا نحو 3 ساعات غير قادرين على الحركة إلى أي اتجاه وبُذلت حينها جهود كبيرة من رجال الأمن لفك الاختناق الذي تسبب في حالات إغماء وإجهاد حراري بسبب حرارة الشمس المرتفعة. لكن الجهات الأمنية تمكنت من تفكيك ذلك التكتل البشري من خلال المنافذ والشوارع الفرعية الموازية للشارع.
مشاركة :