قال عبد الله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، إن القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي، المنتظر عقدها في دبي في الشهر المقبل ستشكل خطوة مهمة في مسيرة الاقتصاد العالمي، حيث ستتيح الفرصة لانتقال الاقتصاد الإسلامي من مرحلة الطرح والنقاش إلى مرحلة إقراره كمنظومة عالمية متكاملة. وأكد أن القمة سوف تضع حجر الأساس لمهام عدة لعل أهمها توحيد المعايير وعولمتها، وتوحيد المرجعيات وتشجيع البحوث والدراسات، للمساعدة على مواكبة تطورات العلوم الاقتصادية. ولفت إلى أهمية السعي لتحقيق التوظيف الأمثل للطاقات والثروات غير المستغلة للدول النامية المسلمة، مما يساعد على توسيع قاعدة الإنتاج والصناعة، وحل مشكلات الفقر والتنمية في تلك الدول. والهدف الأهم الذي أبرزه هو التحول من اعتماد قراءات الاستهلاك لتحديد حجم الاقتصاد الإسلامي، إلى اعتماد قراءات الإنتاج للقوى الاقتصادية والدول المسلمة، وذلك لتحقيق التوازن الطبيعي بين حاجات المسلمين وحجم الاستهلاك المتوقع لديهم، وبين قدرتهم على تأمين هذه الاحتياجات وإنتاجها. أكد حرص القمة بالوفاء بما تعد من خلال العنوان الذي تحمله دعم الابتكار، استحداث الفرص حيث ستتم مناقشة محاور رئيسية، ومهمة في مسيرة الاقتصاد الإسلامي تتمثل في: الصلة بين قطاعات الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي، الفرص التي يوفرها الاقتصاد الإسلامي لتحقيق النمو في الاقتصاد الوطني والعالمي، استراتيجيات اعتماد التمويل الإسلامي عالمياً، الأوقاف وكيفية تفعيل دورها التمويلي في الاقتصاد الإسلامي. وقال إن اهتمام الإمارات بالاقتصاد الإسلامي يعود إلى سبعينات القرن الماضي، فمنذ بداية تأسيس دولة الاتحاد وهي مهتمة بإنشاء المصارف والمؤسسات الإسلامية، إضافة إلى تركيزها على الثقافة والقيم الإسلامية في النشاطات الاقتصادية، هذا كله ترافق مع اهتمام القيادة ورواد الاقتصاد الوطني بتعزيز شروط الاستدامة، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وإصدار القوانين والتشريعات التي تضبط التعاملات في الأسواق المالية للحد من المخاطر. وكانت النتيجة هي ما شهدناه من مناعة الاقتصاد الإماراتي، وقدرته على الصمود في الأزمات. لقد استمر هذا الاهتمام وتطور مع مرور الوقت حتى وصلنا إلى هذه المرحلة التي أثبتت فيها دبي قدرتها على قيادة الاقتصاد الإسلامي. وأكد أن دبي صنعت فرصتها التاريخية، بأن تكون مرجعاً عالمياً موثوقاً ومعتمداً، وهي الآن أمام استحقاق هذه الفرصة. وفي ما يلي نص الحوار: } ما هو الجديد الذي تحمله القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي التي ستعقد في الشهر المقبل في دبي؟ ستشكل الدورة الثانية من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي، خطوة مهمة في مسيرة الاقتصاد الإسلامي العالمي، من حيث فتح المجال لإرساء الأسس والقواعد الشرعية والقانونية التي أنتجتها تجاربنا السابقة، والعمل على تنظيم وهيكلة مؤسسات الاقتصاد الإسلامي، وتحقيق التكامل بين قطاعاته كافة، لينتقل الاقتصاد الإسلامي من مرحلة الطرح والنقاش والبحث، إلى مرحلة إقراره كمنظومة عالمية متكاملة. نحن نحرص على وفاء القمة بما تعد من خلال العنوان الذي تحمله دعم الابتكار، استحداث الفرص، حيث ستتم مناقشة محاور رئيسية ومهمة في مسيرة الاقتصاد الإسلامي تتمثل في: الصلة بين قطاعات الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي، الفرص التي يوفرها الاقتصاد الإسلامي لتحقيق النمو في الاقتصاد الوطني والعالمي، استراتيجيات اعتماد التمويل الإسلامي عالمياً، الأوقاف وكيفية تفعيل دورها التمويلي في الاقتصاد الإسلامي. لذا يجب تحقيق تقدم حقيقي على هذه الصعد ليصبح لدينا الاقتصاد الإسلامي بالمنظومة المتكاملة وليس مجرد قطاعات موزعة هنا وهناك، بمعنى أن تضع القمة حجر الأساس للمهمات التالية: توحيد المعايير ومن ثم عولمتها، توحيد المرجعيات في إطار تمثيلي فعال، تشجيع البحوث والدراسات وتأسيس مركز دراسات عالمي للاقتصاد الإسلامي لتمكين رواد هذا الاقتصاد من مواكبة تطورات العلوم الاقتصادية، ووضع آليات للتنسيق بين البنوك وصناديق الاستثمار والتمويل الإسلامية، مما يشكل خطوة على طريق توحيدها تحت إطار مرجعي واحد، كبنك إسلامي عالمي على سبيل المثال، ومن ثم تنشيطها وتوجيه جهودها نحو تمويل المشاريع المتوافقة مع معايير الاقتصاد الإسلامي. مسيرة نمو الاقتصاد الإسلامي عالمياً } هل تتوقعون تغييراً وتطوراً في مسيرة نمو الاقتصاد الإسلامي عالمياً؟ أغلب الدول النامية هي دول مسلمة، وهذه الدول تمتلك طاقات وثروات غير مستغلة. من هنالا بد من السعي إلى توجيه الاستثمارات نحو هذه الدول من أجل تحقيق العديد من الأهداف مثل توسيع رقعة النشاط الاقتصادي على خريطة العالم، توسيع قاعدة الإنتاج والصناعة، وحل مشكلات الفقر والتنمية في تلك الدول من خلال الاستفادة من جهودها الخاصة في المشاريع المقامة على أرضها. والهدف الآخر هو الانتقال من اعتماد قراءات الاستهلاك لتحديد حجم الاقتصاد الإسلامي، إلى اعتماد قراءات الإنتاج للقوى الاقتصادية والدول المسلمة، ونحن نأمل أن تشهد تقارير الاقتصاد الإسلامي القادمة بنوداً تتحدث عن حجم منتجات الدول الإسلامية، والشركات والمشاريع الممولة من البنوك الإسلامية، وذلك لتحقيق التوازن الطبيعي بين حاجات المسلمين وحجم الاستهلاك المتوقع لديهم، وقدرتهم على تأمين هذه الاحتياجات وإنتاجها. هذا الكلام لا يعني أن الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد خاص بالمسلمين، بقدر ما يعني توسيع قاعدة الصناعات الإنتاجية لتشمل دولاً وفئات اجتماعية جديدة كانت توضع في خانة المستهلكين فقط. من خلال تحقيق هذه المهمات نكون قد خطونا خطوة تاريخية نحو عولمة منظومة عادلة للاقتصاد الإسلامي ككيان متماسك ومتكامل له قوانينه الواضحة، ومرجعياته الخاصة وثقافته الموحدة. هذه هي الخطوات التي نأمل تحقيقها في المرحلة المقبلة، وما يشجعنا عليها ويجعلنا واثقين من من إمكانيتها، هو التجاوب الكبير والواسع مع ما يطرحه الاقتصاد الإسلامي من قيم وأخلاق تنظم التعاملات وتحدد الغايات والوسائل، إضافة إلى الفراغ الكبير الذي خلفته الأزمة المالية السابقة، خصوصاً في طبيعة العلاقة بين بين العملاء والمؤسسات المالية، والبنوك بشكل عام. نستطيع القول إن الأزمة المالية الأخيرة كانت بمثابة الدرس الذي انتهى بالعديد من الأسئلة التي يقدم الاقتصاد الإسلامي إجاباته عنها كدور وواجب إنساني، وكمسؤول تجاه مصير البشرية. } هل نفهم من ذلك أننا أمام مرحلة جديدة ونظرية اقتصادية تختلف عن السابق؟ القيم والأخلاق التي يطرحها الاقتصاد الإسلامي كفكر وممارسة اقتصادية حديثة ليست جديدة، بل قديمة ومتأصلة في النفس البشرية، وفي تعاليم الإسلام،والاقتصاد الإسلامي هو عبارة عن بلورة هذه القيم والأفكار في إطار منظومة اقتصادية حديثة ومتكاملة، وهذا ما يختلف عن الشكل القديم للتعاملات الإسلامية التي كانت محدودة في حجمها ومساحتها لتصبح اليوم متداولة على مستوى العالم. في الإجابة عن السؤال نقول: نعم، نحن على أعتاب عصر اقتصادي جديد، يتمثل بدخول الاقتصاد الإسلامي ساحة التداول العالمي. لكن هناك بعض الخصائص التي تميز ظهور الاقتصاد الإسلامي عن غيره من النظريات الاقتصادية: 1. نظرة الاقتصاد الإسلامي للمنافسة فهي تقوم على أساس تحقيق الوفرة بالحاجات البشرية الأساسية، وتحقيق الجودة التي تضمن استدامتها وتقليص إمكانية تداعياتها السلبية. ويظهر هذا الطرح بشكل جلي في شروط الإنتاج للسلع المادية، والتعاملات المالية من إدارة أصول وتمويل للاستثمارات. لذا نحن نرى أن المنافسة لا تقوم على إلغاء النظم الاقتصادية الأخرى، بل نسعى لتحقيق المنافسة في إطار من التكامل والشراكة التي تمنح الفكر الاقتصادي الإسلامي قدرته على التأثير والتغيير نحو الأفضل. 2. ترافق ظهور النظم الاقتصادية القديمة مع حالات الصراع بين المراكز العالمية التي تتبنى هذه النظم. لكن الظرف الذي رافق ظهور الاقتصاد الإسلامي يختلف إذ نلاحظ إقبالاً شديداً من الشرق والغرب على تبني آليات العمل الاقتصادي الإسلامي، هذه الميزة هي انعكاس لقيم وأخلاق الإسلام، وتنبع من الفهم العميق لدوره في التأسيس للسلام والتعايش والمساواة بين بني البشر. العالم اليوم أمام خيارين، إما دخول عصر اقتصادي جديد مبني على القيم الإنسانية السامية وتغليب المصلحة الجماعية على الفردية، أو البقاء تحت تأثير الأزمات المالية المتتالية التي لا نعرف متى ستنتهي. 3. التحول في آليات العمل الاقتصادي يعتبر تحولاً في الثقافة والفكر الاقتصادي، هذه مهمة طويلة وليست سهلة، عندما يتعلق الأمر بمنهج متبع منذ عقود طويلة. لكن تبقى الحاجة للتقدم والتطور والتنمية المستدامة، كحاجة مشتركة بين الجميع، هي رهاننا الرابح على إمكانية هذا التحول. 4. لقد ترافق ظهور الاقتصاد الإسلامي مع المناخات السلبية التي خلقتها الأزمة المالية الأخيرة، حيث أجواء الركود والبطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتزايد الدين العام تخيم على الكثير من البلدان، بمعنى أن النقاش العالمي حول تبني آليات الاقتصاد الإسلامي تحركه ضرورات إنقاذ الأسواق من الركود، واستبدال آليات العمل القديمة بآليات جديدة. مناعة الاقتصاد } لكل فكرة موطنها وقيادتها، هل تعتبر دبي مؤهلة لتكون موطن الاقتصاد الإسلامي وقيادته العالمية؟ يعود اهتمام الإمارات بالاقتصاد الإسلامي إلى سبعينات القرن الماضي، فمنذ بداية تأسيس دولة الاتحاد وهي مهتمة بإنشاء المصارف والمؤسسات الإسلامية، إضافة إلى تركيزها على الثقافة والقيم الإسلامية في النشاطات الاقتصادية، هذا كله ترافق مع اهتمام القيادة ورواد الاقتصاد الوطني بتعزيز شروط الاستدامة، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وإصدار القوانين والتشريعات التي تضبط التعاملات في الأسواق المالية للحد من المخاطر. وكانت النتيجة ما شهدناه من مناعة الاقتصاد الإماراتي، وقدرته على الصمود في الأزمات. لقد استمر هذا الاهتمام وتطور مع مرور الوقت حتى وصلنا إلى هذه المرحلة التي أثبتت فيها دبي قدرتها على قيادة الاقتصاد الإسلامي. لقد صنعت دبي فرصتها التاريخية بأن تكون مرجعاً عالمياً موثوقاً ومعتمداً، وهي الآن أمام استحقاق هذه الفرصة. أبرز التحديات } كيف تنظرون إلى التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسلامي، مثل توحيد المعايير والمرجعيات، هل هناك من أفق للتغلب على هذه التحديات؟ مواجهة هذه التحديات هي مسألة مرتبطة بتقدم مسيرة الاقتصاد الإسلامي، كلما خطونا خطوة للأمام سنكون أمام تحديات مختلفة بسبب طبيعة الاقتصاد العالمي المركبة والغنية بأشكال وآليات العمل. لكن الميزة التي يتسم بها الاقتصاد الإسلامي، التي تعتبر عنصر تفوق، هي وجود القاعدة الفقهية التي يمكن الرجوع إليها، لاستنباط حلول للتحديات التي تواجه الاقتصاد الإسلامي، وهي الشريعة الإسلامية. الميزة الثانية التي نتحدث عنها دائماً، هي الحاجة العالمية المتنامية للاقتصاد الإسلامي خصوصاً في قطاع الصيرفة والتمويل. الكثير من الدول بادرت لإنشاء مؤسسات وبنوك مالية خاصة، وبعض الدول افتتحت وحدات للتمويل الإسلامي داخل بنوكها التقليدية، وبعضها الآخر يبحث في إمكانية دخول قطاع التمويل الإسلامي. المطلوب أن يصل الاقتصاد الإسلامي كغيره من النظم الاقتصادية السائدة إلى مرحلة يستطيع فيها فرض معايير موحدة لتعاملات هذه البنوك والوحدات. إن نمو قطاع التمويل الإسلامي عالمياً يعتبر فرصة تاريخية، لتقديم معايير موحدة ومرجعيات يتوافق عليها لتضم هذه البنوك والمؤسسات والوحدات تحت مظلتها التشريعية. مثال آخر يتجلى في رواج المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لقد ثبت علمياً أن هذه المنتجات متطابقة مع المعايير الصحية أكثر من غيرها، لأن الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي يقوم على الالتزام بالجودة وتحقيق السلامة للمستهلك، لذا بتنا نشهد إقبالاً متزايداً على هذه المنتجات كافة مما سيسهل عملية توحيد المعايير عالمياً والالتزام بها، فالمستثمر أو المنتج أو حتى التاجر ليسوا على استعداد لمخالفة المعايير وخسارة القطاع الذي يعملون فيه. ولكن يبقى دورنا هو دفع الجهود العالمية في هذا المجال، وتأسيس مجلس شرعي وقانوني عالمي للبدء بنقاش واسع ومكثف لوضع اللمسات الأخيرة لهذه القوانين والتشريعات، ثم تكليف هيئة واسعة التمثيل للقيام بدورها الرقابي والتشريعي على المنتجات بمختلف أنواعها. مستقبل التمويل الإسلامي قال عبد الله العور: يتوقف مستقبل التمويل الإسلامي على مدى التزامه بغايات وأساليب التمويل. للحفاظ على تنافسيته وقدرته على توسيع قاعدته يجب أن تلتزم مؤسسات التمويل الإسلامي بعدة ضوابط أهمها: * المشاركة بالمخاطر، بما يعنيه من تقليص الاعتماد على الفائدة الثابتة ونقل المخاطر وتقسيمها إلى مشتقات للتجارة فيها. * توخي المعايير الشرعية والأخلاقية عند اختيار مجال التمويل، بحيث يكون التمويل مطابقاً لشروط الاستدامة، وأن يكون المشروع الممول يصب في الخدمة العامة، والابتعاد عن تمويل المشاريع في الاقتصاد الموازي أو الوهمي. * التركيز على تمويل المشاريع الإنتاجية في الدول الفقيرة، والتي تعاني تباطؤ عملية التنمية، للقضاء على الفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية الناتجة عن انسداد الأفق خاصة أمام الشباب. * تمويل الأبحاث والدراسات المتخصصة بتطوير الاقتصاد الإسلامي. * توسيع الفائدة الجغرافية والديموغرافية مع التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وفئة الشباب. * الحرص على الاستدامة في الثروات الطبيعية وعدم استهلاكها أو تعريضها للخطر، والتركيز بالمقابل على العمل وفق شروط تحفظ البيئة ومصادر الثروات الطبيعية. إن الالتزام بهذه الضوابط والمعايير سوف يضعنا على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بتصويب المسارات الاقتصادية كافة والحد من تدهورها، لذا أنا أرى أن المستقبل واعد للتمويل الإسلامي الذي سوف يتم تبنيه من قبل قطاعات واسعة على المستوى العالمي.
مشاركة :