«هل تقبل بأن تتلقى العلاج من طبيب عربي؟». هذا السؤال غير المسبوق عن «مدى قبول الآخر» في إسرائيل ورد في الاستطلاع السنوي لصحيفة «هآرتس»، ونشر عشية رأس السنة العبرية الجديدة. لم يأت السؤال من فراغ، إنما نتيجة الارتفاع الكبير في عدد الأطباء العرب في المستشفيات الإسرائيلية، وهو عدد مرشح للزيادة مع إنهاء أكثر من عشرة آلاف طالب عربي دراستهم في السنوات الثلاث المقبلة. ويبرز الحضور العربي للأطباء (والممرضين والممرضات) بشكل لافت في جميع المستشفيات الإسرائيلية، ويكون طاغياً في الأعياد اليهودية حين يخرج الأطباء اليهود في عطلة. وبموجب إحصاء رسمي قبل ثلاثة أعوام، فإن نسبة الأطباء العرب في المستشفيات تصل إلى 35 في المئة (نسبة العرب في إسرائيل 20 في المئة)، فيما نسبة الصيادلة تصل إلى 65 في المئة. وتحقق الارتفاع في عدد الأطباء على رغم أن الجامعات الإسرائيلية لا تزال تضع شروطاً صعبة أمام الراغبين في دراسة الطب من العرب. وبينما كان معظم أطباء القرن الماضي من خريجي جامعات دول أوروبا الشرقية (إبان الحكم الشيوعي) التي قدمت المنح الدراسية لهم، إضافة إلى رومانيا وإيطاليا، غدت الجامعات الأردنية منذ 15 عاماً محط جذب مغرٍ لآلاف الطلاب العرب سنوياً، رغم الكلفة الباهظة، إذ تتمتع هذه الجامعات بسمعة طيبة من ناحية مستوى التعليم والنظام. مع ذلك، لا تزال جامعات رومانيا ودول في الاتحاد السوفياتي سابقاً تجذب إليها آلافاً من طلاب الطب نظراً للتكلفة الأقل، وشروط القبول الأسهل. وبرزت في السنوات العشر الأخيرة ظاهرة تبوؤ أطباء عرب مناصب رفيعة في هذه المستشفيات. فقبل ست سنوات، تم اختيار الدكتور مسعد برهوم مديراً لمستشفى نهاريا ليكون المدير العربي الأول لمستشفى إسرائيلي. وقبل أشهر، تم تعيين الدكتور سلمان زرقا مديراً لمستشفى صفد. وهناك العشرات من الأطباء الأخصائيين في مجالات الطب المختلفة يشغلون مناصب إدارية رفيعة، ويرأسون أقساماً مختلفة في جميع المستشفيات، ويحاضرون في كليات الطب. ويعود الارتفاع الكبير المتواصل في التوجه لدراسة الطب (30 في المئة من خريجي الثانوية أعربوا عن رغبتهم في دراسة الطب) إلى شعور الطلاب العرب بـ «الأمان المهني» مع إنهاء دراستهم، سواء من خلال قبولهم للعمل في المستشفيات، حيال تراجع عدد الأطباء اليهود وتوجه الطالب اليهودي إلى المواضيع التكنولوجية، أو فتح عيادات خاصة، كما يقول نائب عميد كلية الطب في جامعة «التحنيون»، مدير قسم الأمراض الباطنية في مشفى «رمبام» البروفيسور زاهر عزام، مضيفاً أن كفاءات الأطباء العرب أوصلت العشرات منهم إلى مناصب رفيعة. ويضيف عزام أن الطالب العربي الذي لم يعد يميل إلى دراسة المواضيع الأدبية التي تؤهله في أحسن الحالات لمهنة التدريس، بات يدرك أن اختيار مواضيع الهندسة مثلاً (هندسة كومبيوتر أو كهرباء وغيرها) يمكن أن يوصله إلى مهنة معلم في الموضوع لأن الطريق للعمل في شركات تكنولوجية إسرائيلية كبرى شبه مسدود، و «عليه لم يتبق أمامه سوى الطب أو الصيدلة أو التمريض أو تدقيق الحسابات والمحاماة».
مشاركة :