في وقت يواصل فيه المبعوث الأميركي لليمن تيموثي ليندركينج جولاته في المنطقة، لبحث سبل وضع حد للاقتتال الذي يعصف بهذا البلد منذ أكثر من ست سنوات، حمّل خبراء غربيون إدارة الرئيس جو بايدن، جانباً لا يُستهان به من المسؤولية، عن إمعان ميليشيا «الحوثي» في تصعيدها العسكري الراهن. وبالتوازي مع مباحثات ليندركينج في الرياض ومسقط، بشأن كيفية ضمان وصول السلع والمساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء اليمن بانتظام ودون عوائق، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق عملية سياسية تشمل مختلف الأطراف، يواصل «الحوثيون» محاولاتهم المستميتة للاستيلاء على محافظة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية، جنباً إلى جنب مع شن هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، على منشآت مدنية ونفطية في المملكة العربية السعودية. واعتبر الخبراء أن هذا التصعيد الإجرامي، يمثل نتيجة مباشرة لقرار إدارة بايدن خلال الأسابيع الأولى لها في السلطة، العدول عن وضع الإدارة الجمهورية السابقة ميليشيا «الحوثي» على قائمة التنظيمات المُصنّفة إرهابية في الولايات المتحدة. وفي تصريحات نشرتها مجلة «ذا بليتز» الأميركية الأسبوعية، قال الخبراء الأميركيون: إن حذف «الحوثيين» من القائمة يندرج في سياق تكرار إدارة الرئيس الديمقراطي لـ«الأخطاء الفادحة»، التي ارتُكِبَت في حقبة باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية، وهو ما يكشف عن تجاهل أركان الإدارة الحالية لـ«الإخفاقات السابقة» التي وقعت فيها الولايات المتحدة، وما ترتب عليها من أزمات سواء لها أو لحلفائها. وافترض المخططون السياسيون في واشنطن أن حذف «الحوثيين» الذين يقاتلون الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ استيلائهم على صنعاء في سبتمبر 2014، من القائمة الأميركية للدول والمنظمات الداعمة للإرهاب، سيتيح الفرصة لمواجهة أكثر كفاءة للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، ولكن النتيجة جاءت على العكس من ذلك تماماً، بعدما استغلت ميليشيا «الحوثي» والأطراف الداعمة لها هذه الخطوة لـ«تكثيف هجماتها، خاصة ضد السعودية». وأشار الخبراء إلى أن مثل هذه القرارات، لا تتسق مع الطريقة التي يجب أن تمارس بها قوة عظمى، كالولايات المتحدة، تأثيرها الرادع ضد الأنظمة الاستبدادية المتطرفة، والميليشيات التابعة لها مثل ميليشيا «الحوثي»، قائلين: إن ما يحدث حالياً «يعني أن بايدن يتنازل، بعد أشهر قليلة من دخوله البيت الأبيض، عن النفوذ الأميركي مجاناً، بدلاً من استخدامه لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لواشنطن»، بما يسهم في الوقت نفسه، في إرساء الأمن والاستقرار، على الساحتين الإقليمية والدولية. وتزيد خطوات أميركية مثل هذه، من المعاناة التي يتكبدها اليمنيون جراء استمرار عدوان ميليشيا «الحوثي»، وتبنيها مواقف متعنتة، تحول دون إنجاح الجهود المبذولة لوقف الحرب، التي جعلت اليمن ساحة للأزمة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم بأسره، حسبما تؤكد الوكالات التابعة للأمم المتحدة، التي تشير إلى أن ما يزيد على 20 مليوناً من اليمنيين، يواجهون الآن خطر الجوع، في ظل تواصل المعارك، وغياب المساعدات الغذائية. وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن أكثر من 80% من اليمنيين، يحتاجون إلى المساعدة بشكل من الأشكال، وإن قرابة 14 مليوناً من مواطني هذا البلد، باتوا بحاجة إلى تدخل إنساني عاجل، جراء سقوط عدد كبير للغاية منهم تحت خط الفقر، في ظل تفاقم معدلات البطالة بنسبة هائلة، إثر إغلاق الشركات أبوابها، وهجرة رؤوس الأموال من اليمن. وأدى ذلك إلى تسريح مئات الآلاف من العمال اليمنيين من جهة، وتوقف صرف الرواتب لمئات الآلاف من الموظفين الحكوميين، أو الاضطرار إلى دفع نصفها فقط، من جهة أخرى. بالتزامن مع ذلك، تدنت قيمة العملة اليمنية لتصل إلى نحو 600 ريال لكل دولار أميركي، مقارنة بـ 250 ريالاً يمنياً في السابق. ويشكل المُعلّمون، إحدى أكثر الفئات تضرراً في هذا الصدد، كما قال موقع «أوبن ديموكراسي» الإلكتروني البريطاني في تقرير له، أشار فيه إلى أن رواتب هؤلاء، تقلصت بنسبة 50% منذ اندلاع الحرب، ما أجبر بعضهم على العمل في مهن أخرى بجانب التدريس، وأرغم البعض الآخر على النزوح من ديارهم، بحثاً عن ظروف حياة أفضل. وتجلت معالم هذه الأزمة بشكل أكبر خلال شهر رمضان الحالي، الذي ترتفع فيه عادة تكاليف المعيشة، مع زيادة المصروفات التي تتكبدها كل أسرة، لمواجهة احتياجات هذه الفترة، ذات الطابع الخاص من كل عام. ونقل التقرير عن معلمين يمنيين قولهم إن منهم من لجأ للعمل في مهن مثل رعي الماشية، لكي يتمكن من إعالة أسرته بالتزامن مع اضطرارهم للمواظبة على الذهاب إلى المدارس خشية فقدان وظائفهم. وأكد هؤلاء أن الضائقة التي يمرون بها أصبحت أكثر حدة، بعدما تقلصت خلال الأشهر القليلة الماضية، المساعدات التي كانت توفرها منظمات غير حكومية لمواطني اليمن، بسبب تقلص حجم الدعم الدولي لهذا البلد بوجه عام.
مشاركة :