أعادت حادثة «تدافع منى» سوق العرب وهو من أشهر الأسواق في مكة المكرمة قبل الإسلام للواجهة مجددًا، وذلك لارتباط الحادثة بتقاطع فرعي مرتبط بشارع السوق الذي يقطع مشعر منى من أقصاه الشرقي، ولا يتوقف إلا أمام الجمرات. ولم يعد سوق العرب حاليًا «اسمًا على مسمى» بعد أن تراجع فيه عدد المتحدثين باللغة العربية وأصبحت اللغات الأعجمية وعلى رأسها الأرودية والفارسية والهوسا الأفريقية الأكثر انتشارًا بين المتحدثين داخله بعدما كان في زمن مضى مقرّاً لتجارة العرب، وسوقًا شهيرًا، يتوافد إليه العرب رجالاً ونساء لشراء العديد من منتجاته، وقد خلده الشاعر الشهير المتنبي حين قال في قصيدة يصف جمال العربيات الموجودات في ذلك السوق: من الجآذر في زي الأعاريب حمر الحلي والمطايا والجلابيب كما قال فى وصفهن: سوائر ربما سارت هوادجها منيعةً بين مطعونٍ ومضروبِ وربما وخدت أيدي المطي بها على نجيعٍ من الفرسان مصبوبِ وبدأ التحول في هوية السوق من العربية إلى الأعجمية بعد أن أصبح مقرًا لبعثات دول جنوبي آسيا القادمة من الهند وباكستان وبنجلاديش، فتغيرت ملامح زواره وانسلخ من هويته القديمة، ويعيش على ذكريات الماضي. وتحول الشارع في أغلب أجزائه إلى سوق للبضاعة الآسيوية والإفريقية في طرفه الشرقي، ويسكن حجاج الهند في الجانب الجنوبي منه، في حين يقطن الباكستانيون وأبناء البنغال في الجانب الشمالي، وينتشرون منذ الصباح خلال أيام الحج؛ ليتبادلوا الأحاديث فيما بينهم بلغة لا يفهما إلا هم. وفى المقابل هجره العرب الذين كانوا حتى وقت قريب يأتون إليه من البادية حاملين معهم كثيرًا من الأرزاق والملابس لبيعها على الحجاج. ويذكر تاريخيًا لهذا السوق أن البدويات كن يقفن شامخات معتزات بأنفسهن يجادلن المشترين، ولا يركنَّ لطامع في حديث، يعرضن الأعشاب والحلي وأدوات الزينة، إلى جانب السمن والعسل والبسط وغيرها من المشالح والعباءات والفرش الوثيرة المعدة من جلود الخراف. المزيد من الصور :
مشاركة :