قد تكشف التحقيقات الجارية في أسباب كارثة التدافع التي حدثت في منى حج هذا العام عن أخطاء في توقيت تفويج المتجهين من مخيماتهم لرمي الجمرات أو في تحديد الطرقات التي كان ينبغي عليهم أن يسلكوها أو غير ذلك من الأخطاء التي لا مناص من الوقوع فيها عند إدارة حشود مئات الآلاف من الحجاج الذين يفدون كل عام إلى المشاعر المقدسة، قد تكشف التحقيقات مثل هذه الأخطاء غير أننا لسنا بحاجة إلى تحقيقات كي نكتشف حجم الأخطاء التي يرتكبها الحجاج سواء في سعيهم أو طوافهم، إقامتهم أو تنقلهم، مبيتهم أو أدائهم المناسك، أخطاء لا تتعلق بفقه الحج وإنما بالسلوك الإنساني السوي فضلا عن السلوك الذي ينبغي أن يكون عليه مسلم مؤمن جاء إلى بيت الله محفوفا بالوقار محاطا بالسكينة. كل من كتب الله له العمرة في رمضان أو رمي الجمار في الحج يعرف كيف يتحول صحن المطاف أو جسر الجمرات إلى مصطرع للأجساد يستنفر فيه أكثر الحجاج طاقاتهم وقواهم وكأنهم في حلبات مصارعة لا في نسك عبادة، لا يرحم منهم القوي الضعيف ولا يشفق الرجل منهم على المرأة ولا الكبير على الصغير، مشاهد لأقوام تتعارك وكأنما قد نزعت من قلوبهم الرحمة ومن تصرفاتهم أي إحساس بالشفقة، ولولا رحمة من الله بهم وحرص من الجهات التنظيمية عليهم لانتهى كل طواف بمأساة واختتم كل رمي للجمرات بكارثة. تحول الحج كل عام إلى اختبار صعب نضع يدا على قلوبنا أن يمر بسلام ونرفع يدا نبتهل إلى الله أن يدرأ عنا كارثة يكون ضحاياها من الحجاج ونكون نحن ضحايا ما يترتب عليها من شماتة الشامتين وفرح المتربصين الذي إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا عنا وما سمعوا من صالحٍ دفنوا. ولم تعد جهود الجهات المنظمة للحج جهودا لتنظيم الحج بقدر ما هي جهود لتصحيح أخطاء الحجاج، ولهذا لا يصبح لدينا ما نقوله للدول التي تتربص للبحث عن أخطائنا إلا أن نطالبهم بالنظر في أخطاء حجاجهم ومساءلة أنفسهم عما فعلوه ويفعلونه من أجل تصحيحها حين يتهيأون للحج كل عام.
مشاركة :