مكنت الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها السودان من حصوله على قرض تجسيري لتسوية متأخرات وللتخفيف من أعباء الديون في ظل المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون في وقت تركز فيه الحكومة على تنفيذ إصلاحات شاملة لإنعاش الاقتصاد. الخرطوم - حصل السودان أخيرا على قرض لتسوية متأخرات البنك الأفريقي للتنمية بعد تنفيذ مجموعة من الإصلاحات القاسية لترتيب المالية العامة شملت توحيد سعر الصرف وإلغاء دعم الوقود من أجل إفساح المجال للمزيد من الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك برنامج دعم الأسرة في السودان والإنفاق الصحي. وقال السودان الأربعاء إنه سوى متأخراته للبنك الأفريقي للتنمية من خلال قرض تجسيري بقيمة 425 مليون دولار مقدم من بريطانيا والسويد وأيرلندا، بما يشمل منحة بقيمة 207 ملايين دولار. وتسوية تلك المتأخرات هي خطوة السودان الأحدث على طريق تسوية ديون بما لا يقل عن 50 مليار دولار. وقد أحدث إصلاحات اقتصادية صارمة أشاد بها مسؤول بالبنك في بيان. ويتوقع السودان بدء عملية لتخفيف أعباء الديون في ظل المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون في يونيو، وتستضيف فرنسا مؤتمرا للتخفيف من ديون البلد الأفريقي في 17 مايو الجاري. وكان السودان قادرا في السابق على سداد متأخراته للبنك الدولي من خلال قرض تجسيري قدمته الولايات المتحدة. ولا يزال يتعين عليه تسوية متأخراته لصندوق النقد الدولي من أجل المضي قدما في المبادرة. وقال دبلوماسي فرنسي في أبريل إن فرنسا ستقدم قرضا تجسيريا بقيمة 1.5 مليار دولار من أجل تحقيق ذلك. ويسعى السودان لإعفاء من ديون خارجية بقيمة نحو 56 مليار دولار مستحقة لمؤسسات مالية دولية ودائنين ثنائيين رسميين ودائنين تجاريين، ونحو 85 في المئة من تلك الديون على صورة متأخرات. ومنذ مطلع العام الجديد واصلت الحكومة تنفيذ برنامج قاس قوامه تحرير أسعار السلع المدعومة في مسعى لإنعاش الاقتصاد المتدهور، وبدأت البرنامج في العام السابق له بتحرير تدريجي لأسعار الوقود قبل أن يكتمل هذا العام بإضافة الخبز والطاقة، وأخيرا الدواء. 425 مليون دولار قيمة القرض التجسيري المقدم للتخفيف من أعباء الدين وخفّض بنك السودان المركزي قيمة العملة المحلية بشكل حاد معلنا عن نظام جديد “لتوحيد” سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء في مسعى لتجاوز الأزمة الاقتصادية المُعقدة. والإجراء إصلاحي بالأساس يطلبه المانحون الأجانب وصندوق النقد الدولي، لكنه تأجل لأشهر في ظل نقص السلع الأساسية وتضخم متسارع مما عقَّد انتقالا سياسيا هشا. واعتمدت الحكومة برنامجا لتقديم دعم شهري إلى 80 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 42 مليون نسمة للتكيف مع إصلاحاتها الاقتصادية. ويتم تمويل هذا البرنامج عبر عدد من المانحين منهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأشار البنك المركزي في بيانه إلى أنه فرض قيودا على حركة العملات الأجنبية عبر السماح للمسافرين إلى خارج البلاد بحمل مبلغ ألف دولار فقط. ويأمل البنك المركزي بذلك في “تحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص، واستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي وتطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات والمساعدة في العمل على إعفاء ديون السودان الخارجية بالاستفادة من مبادرة تجاه الدول الفقيرة المثقلة بالديون”. ورفعت الحكومة العام الماضي معظم الدعم عن الوقود تلبية لمطلب رئيسي آخر للمقرضين، وحذفت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب بعد موافقة قادته نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكن الأزمة الاقتصادية التي أشعلت فتيل الاحتجاجات الحاشدة ضد عمر البشير مازالت مستمرة، ومن أبرز سماتها شح الوقود والخبز وانقطاع الكهرباء. وتسارع التضخم السنوي إلى أكثر من 300 في المئة، وهو من أعلى المعدلات في العالم. واندلعت احتجاجات عنيفة على غير المعتاد هذا الشهر في عدة مناطق بالبلاد واتهمت السلطات فلول النظام السابق بالمسؤولية عنها. وفي أحدث بيان له قال فريق صندوق النقد الدولي الذي يراقب البرنامج الاقتصادي في السودان إن التحديات التي تواجه السلطات لا تزال كبيرة، لكنه أكد وجود تحسينات في كل من البيئتيْن المحلية والخارجية. وقال الصندوق في بيان صحفي إن الحكومة الانتقالية شرعت في برنامج مراقبة الموظفين الذي يدعمه صندوق النقد الدولي في عام 2020 للمساعدة على معالجة الاختلالات الرئيسية في الاقتصاد الكلي الناجمة عن عقود من سوء الإدارة، ووضع الأساس للنمو الشامل، وإنشاء سجل بالسياسات السليمة المطلوبة لتخفيف ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في نهاية المطاف. وأضاف “لا تزال التحديات التي تواجه السلطات كبيرة، ولكن كانت هناك تحسينات في كل من البيئة المحلية والخارجية، اكتسبت الجهود الدولية لدعم السودان زخماً وتعززت بإزالة السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وتحديد ممولي الجسر لتسوية متأخرات السودان للمؤسسة الدولية للتنمية وبنك التنمية الأفريقي”، وذكر أن الحكومة مضت قدماً في إصلاحات هيكلية مهمة، وأكد الموقعون على اتفاقية جوبا للسلام الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
مشاركة :