قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. سعود بن إبراهيم الشريم: لقد عاش الناس مع شهرهم هذا أياما فاضلة، وليالي مباركات، بين مقل منها ومكثر، وبين مفرط تائه لاه شغلته الملهيات عن النفحات، وغافل بتتبع الصوارف عن شهر البركات والرحمات، فبينما هو كذلك إذ بشهر المغفرة والعتق من النيران يمر سريعا كمر السحاب. وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: هنيئا لمن ربح البيع فظفر بالقبول والغفران، وخيبة لمن خسره فرغم أنفه بعد أن باء بالخذلان والحرمان، ألا إن شهر رمضان قد أزف على الرحيل، وتصرمت أيامه ولياليه الفاضلة، فهو وحي التقضي سريع الأفول، وإن للحظات فراقه ووداعه غصة تشرق منها حلوق المخبتين، وتدمع لها عيون القانتين، وتحزن لها قلوب التائبين. وبين الشيخ الشريم أن شهر رمضان أذن بالرحيل، وما هو إلا كضيف لما نأنس بروحانيته ونستمتع بنسائمه حتى لملم حقائبه وشد رحله ليودعنا بمثل ما جاءنا به، وإن الفراق شديد وما أمر البين، فليت شعري من الفائز فينا ومن الخاسر، ومن المقبول منا ومن المردود . وأضاف، أن المرء الموفق هو من بادر قبل الفوات وجعل التوبة مسك ختامه وختام مسكه، فإن الأعمال بالخواتيم، والتوبة تجب ما قبلها، وأنه ما انكسر من تاب، وما خاب من أناب، (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)، وإن فيما بقي من شهركم فرصة كبرى للمطيع أن يتزود، وللمقصر أن يستدرك، فإن ما مضى فات، والمؤمل غيب، وليس للفطن إلا الساعة التي هو فيها، فليأخذ من صحته لمرضه، ومن حياته لموته، إذ ما هو في الدنيا إلا كغريب أو عابر سبيل (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا). وأبان إمام المسجد الحرام أن على المرء المسلم أن يتقي الغفلة ما استطاع، فإن من أشد ما يصرفه عن طاعة ربه أن يبتلى بالغفلة عنه لأنه بذلك يحرم التوفيق، واغتنام الأوقات الفاضلة من داخل نفسه، قبل أن تشغله وقائع الحياة الحقيقية، وهنا مكمن خسرانه دون ريب. وأشار الشيخ الشريم إلى أن نفس الإنسان كفصول السنة منها الصيف والخريف والشتاء والربيع، فإن لم يروض نفسه على تلقي تلك الفصول وإنزالها منازلها لن ترض، وسيخدع نفسه حينما يوهمها بأنه يستطيع العيش مدى الحياة في فصل واحد على الدوام، فإن لله نفحات ينبغي أن يتعرض لها المرء ولا يفرط فيها قيد أنملة (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله)، وأن دواعي القرب من الله في هذا الشهر المبارك أكثر وفرة من غيره وأحظى بركة مما سواه، فمن ضيع ذلكم فهو لما سواه أضيع. وأردف قائلاً: ألا بئس القوم لا يعرفون الله في رمضان، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، ونعم القوم الذين عرفوا الله في كل حين وآن، يعبدون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، آناء الليل وأطراف النهار، ويجعلون مواسم الخيرات لهم مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات لهم إلى رحمة ربهم طريقا وسلما، فإن كل معروف يقتبسه المرء من رمضان ويعزم على المداومة عليه فهو الظفر الحقيقي له، وكان ممن اقتفى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال لعبدالله بن عمرو بن العاص: «يا عبدالله لا تكُنْ مثل فلان كان يقوم من الليل، فترك قيام الليْل» رواه البخاري ومسلم. وحذر الشيخ سعود الشريم أن يحمل فرح العيد على إغفال تبعات جائحة الوباء الجاثم، في التساهل واللامبالاة، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، إفساد ما مضى من جهود مشكورة قد بذلت لتجاوز هذه العقبة الكؤود، فالحذر الحذر من التهاون في اتخاذ الإجراءات الوقائية، ولتحملوا المسؤولية على وجهها الصحيح بجد وإصرار. المصلون في المسجد الحرام
مشاركة :