تفاقمت أزمة نقص البنزين في كافة أنحاء لبنان بصورة كبيرة على وقع عدم توافر الدولار الأمريكي للاستيراد والأنباء المتواترة حول قرب تقليص أو رفع الدعم عن المحروقات، الأمر الذي أدى إلى زحام خانق بحركة السير في مختلف أرجاء البلاد جراء إغلاق معظم محطات بيع الوقود واصطفاف السيارات في طوابير طويلة أمام المحطات التي لا تزال مستمرة في العمل وتقوم بتزويد السيارات والمركبات بالبنزين. وبدا لافتا قيام العديد من المحطات بإغلاق أبوابها منذ الصباح الباكر، عبر وضع شرائط بلاستيكية أمام مضخات الوقود أو لافتات أعلى المضخات تفيد بعدم توافر مادة البنزين، الأمر الذي تسبب في حالة من القلق والتوتر البالغ والتذمر لدى قادة السيارات الذين تهافتوا بصورة كبيرة على التنقل بين المحطات في محاولة لإيجاد البنزين وتعبئة خزانات مركباتهم. ومنذ أن بدأت أزمة نقص الوقود في التفاقم قبل عدة أشهر في لبنان، أصبح من المعتاد أن يغلق السواد الأعظم من محطات الوقود أبوابها يوميا وتتوقف عن العمل في ساعات مبكرة من المساء، بسبب نفاد مخزونها والكميات المحدودة التي تصلها من البنزين. ولجأ العدد القليل من المحطات التي لا تزال مستمرة في العمل واستقبال الزبائن وتزويد سياراتهم ومركباتهم بالبنزين، إلى تقنين عملية البيع في حدود تراوحت ما بين 10 لترات إلى 20 لترا بحسب كل محطة وما يسمح به مخزونها، في ما شوهدت في بعض المناطق طوابير من السيارات امتدت ما بين عشرات الأمتار وحتى مئات الأمتار للتزود بالوقود. وقال فادي أبو شقرا ممثل موزعي المحروقات في لبنان، إنهم لم يتبلغوا بصدور أي قرار من الحكومة برفع الدعم أو تقليصه عن المحروقات، باعتبار أنها تمثل مادة استراتيجية. وأشار أبو شقرا إلى أن حالة القلق والخوف الكبيرين من انقطاع البنزين والشائعات التي يجرى تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام حول قرب رفع الدعم عن المحروقات على نحو قد يترتب عليه ارتفاع سعر بيع صفيحة البنزين لنحو 3 أمثال السعر الحالي، وبما يفوق القدرات الشرائية للمواطنين، تسببت في تهافتهم بصورة كبيرة للغاية لتعبئة سياراتهم بالوقود. ويتجه لبنان إلى رفع الدعم الذي يبلغ نحو 500 مليون دولار شهريا، في غضون أسابيع قليلة، في ضوء تناقص الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان المركزي، وقرب نفاد الأموال المخصصة بالدولار الأمريكي لدعم أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية، حيث لم يتبق لدى البنك المركزي سوى 88ر16 مليار دولار تمثل الاحتياطي الإلزامي (ما تبقى من أموال المودعين في القطاع المصرفي بنسبة 15% من إجمالي إيداعاتهم) والتي لا يمكن استخدامها في دعم أسعار السلع والمنتجات والاستيراد. ويضغط الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، من أجل استمرار الدعم مع تقليصه بصورة متدرجة، خشية حدوث انفجار مجتمعي حال رفع الدعم بصورة كلية في ظل الأزمات المالية والاقتصادية والنقدية الحادة التي يشهدها لبنان، الأمر الذي أثار مخاوف من إمكانية حدوث لجوء البنك المركزي لاستعمال الاحتياطي الإلزامي في الدعم. وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه، قد طلب الشهر الماضي من الحكومة أن تقوم بشكل ملح وسريع، بوضع تصور واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها، على نحو يضع حدا للإهدار القائم، على أن تكون هذه السياسة ضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات البنك المركزي بالعملات الأجنبية، وذلك في ضوء خطورة الوضع القائم والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن التأخر في البت في هذه المسألة.
مشاركة :